الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي عباس علوان في ذكراه

سعيد عدنان
كاتب

(Saeed Adnan)

2016 / 5 / 23
الادب والفن


كلّما ذكرتُ علي عبّاس علوان ( 1938 – 2013 ) ؛ ذكرتُ به ما لم يُنجز ممّا كان في طوقه ، وطوع يده ! على أنّ ما أنجز في حقل الأدب ، والنقد ، والدرس الجامعيّ ؛ ليس بالقليل 0
رأيته ، أوّل مرّة ، في أُخريات سنة 1975 ، في مساء يوم 26 من شهر كانون الأوّل ، في قاعة الغزاليّ بكليّة الآداب 0 كان في مجلس مناقشة رسالة ماجستير في الشعر الحديث ؛ وكان في ذروة شبابه ، حديث عهد بنيله الدكتوراه ، والعودة من القاهرة 0 فلمّا شرع بالكلام رأيتُ فيه ذهناً متوقّداً ، وذوقاً صافياً ، وسعة في المعرفة الأدبيّة ، وصرامة لا يُرضيها إلّا التامّ المكتمل ، مع فصاحة ، وحسن بيان 0
لم يكن كتابه ( تطوّر الشعر العربيّ الحديث في العراق ) قد صدر ؛ لكنّ ما تسمع منه ، وما تقرأ له ، على قلّته ، ينبئ عن ناقد بارع ؛ مكتمل الأداة ، واضح الرؤية 0 ويرى فيه طلبته مثل ما يرى فيه قرّاؤه ؛ ولعلّ من أقوى ما أنزله منزلته تلك ؛ وضوحه ، وجرأته ، وحيويته 0
كان رصين المعرفة ؛ لم يصرفه الحديث عن القديم ؛ ولم يقعد به الأدب عن معاناة شؤون الفكر ، ولم يحجبه الكتاب عن المجتمع 0 وكلّ من اتّصلت به أسبابه عرف فيه جدّه ، وإخلاصه ، ورأى فيه الناقد المرتجى 0
وإذ صدر ( تطوّر الشعر العربيّ الحديث في العراق اتجاهات الرؤية وجماليات النسيج ) في سنة 1977 لقي ما هو أهله من ترحيب واحتفاء ، ووجد فيه قرّاؤه نمطاً جديداً من الدراسة ؛ كان عزيزاً نادراً ؛ ينظر في المحتوى ، وينظر في الشكل نظراً متوازناّ ؛ فقد درس "اتجاهات الرؤية " ، ودرس "جماليات النسيج" ، ولم يُخل بأيّ منهما 0 كان كتاباً جمّ المزايا ؛ فلقد بُني على استقصاء تام ؛ لم يغادر شاعراً من شعراء حقبة الدرس من دون أن يقف عند شعره وقفة مستوعبة ناقدة ؛ تصل بينه وبين عصره 0
كان يتلمّس أثر العصر في الشعر ، ثمّ يعود ليتبيّن أثر الشعر في عصره ؛ واقفاً وقفة المتأنّي عند عناصر التقليد والعقم ، وعند عناصر الجدّة والإبداع 0
اقتضى الكتابُ من صاحبه أن يُتقن اللغة الإنكليزية ؛ إذ رأى ألّا مناص لدارس الأدب الحديث من إتقانها ؛ فأتقنها وقرأ مصادر النقد الأدبي الحديث بها ؛ فأتمّ استيعابها ، وسار في طريقه على هدى وبيّنة ؛ مؤزّراً بالقديم والحديث ؛ مع ذوق صاف يدرك مواطن الجودة ، ويعرف مواضع الرداءة ، ويقف عليهما معا 0
لم يكن علي عبّاس علوان ، وهو يضع كتابه ، على عجلة من أمره ؛ بل كان على الغاية من الأناة والريث ؛ فلقد أمضى معه سبع سنين من خيرة سني عمره حتّى أتمّه على خير ما يكون التمام 0
كان كتاباً رائداً جمّ الحسنات ، كثير الفوائد ؛ أقلّها أنّه لم يكن أسير مذهب من مذاهب النقد ؛ وإنّما أفاد منها جميعاً إفادة مبصرة تعرف ما تأخذ وما تدع 0
فلا غرو أن لقي مزيداً من الاحتفاء والترحيب 0
وكان حقّاً لمن أصدره أن يشفعه بثان من وزنه ، ولا أقول بخير منه ؛ فقد بلغ منزلة من الكمال يعزّ تجاوزها ؛ وانتظر محبّوه شيئاً من ذلك ، وطال بهم الانتظار حتّى قال قائل : إن لم يكن في وزنه سعة وعمقاً ؛ فليكن كتاباً عن شاعر بعينه من شعراء هذا العصر !
كان علي عبّاس علوان في صميم الحركة الأدبيّة ؛ يقرأ الجديد ، ويحضر مؤتمرات الأدب ، ومهرجاناته ؛ وربّما كتب المقالة ، والدراسة ؛ على تباعد ؛ وربّما أجرت الصفحات الثقافية معه حواراً ؛ ولكنّ كلّ ذلك كان أقلّ ممّا في طوقه ، وطوع يده !
ومضت به السنوات ؛ وكأنّ أمراً خفيّاً يعيق المرجوّ أن يتمّ !
قلتُ له يوماً ، وقد امتدت بنا أطراف الحديث : ألا من ثان " لتطوّر الشعر ... " قال : ومن أين لي بسنوات كسنوات القاهرة ! ثمّ صمت ، ورأيتُ الأسف يخفق على وجهه 0
وتضيق به الحال ، كما ضاقت بغيره ، في سنين كئيبة انقطع فيها الرجاء ، ويُضطر أن يغادر البلد ، ولكنّه لا يُبعد ، ويبقى على مقربة مرتقباً عودة ؛ ويرجع في أول ما يسنح الرجوع ؛ لكنّ كتاباً آخر يشبه " تطوّر الشعر العربيّ الحديث في العراق " صار في حكم الميؤس منه !
فقد شُغل مرّة أخرى عمّا يُرجى منه ، ولعلّه وجد عوضاً من النقد والتأليف في عمله الجامعي ، وهو من خيرة من زاول هذا الشأن ؛ تدريساً وإدارة ، ولعلّ حوائل أخرى لا تني تقف بينه وبين ما هو في طوقه من إبداع في الكتابة والتأليف والنقد !
ثمّ يمضي ؛ فينشأ أسف أن لم يبلغ به النقد الأدبي في العراق مرتجاه ...!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شكل امتحانات القدرات في كليات التربية الفنية .. اعرف التفاص


.. القسام تعرض مشاهد تعارض الرواية الإسرائيلية وخطط تهجير تحت م




.. مواقف غير متوقعة في مسرح الحجرة مع أبطال العرض المسرحي -يمين


.. -الأنا العليا- تمنع عودة العلاقة بين ترمب وإيلون ماسك... وكا




.. إزاي أبطال العرض المسرحي -يمين في أول شمال- بيقدروا يمثلوا ف