الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سينتصر في الصراع حول خلافة الرئيس بوتفليقة؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


من سينتصر في الصراع
حول خلافة الرئيس بوتفليقة؟


- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]


كتب الشهيد محمد بوضياف كتابا في 1963 يتساءل فيه "الجزائر إلى أين؟"، فهو نفس السؤال يتكرر في 2016 بعد ما وصل الصراع أوجه في قمة السلطة حول خلافة الرئيس بوتفليقة، ومن خلاله خلافة جيل الإستقلال لجيل الثورة في مرحلة أخرى من مراحل الدولة الوطنية في الجزائر، فلا يخفى على أي متتبع لما يحدث في الجزائر منذ فترة بأن هناك أزمة خانقة في قمة السلطة، وهي الأزمة التي تتكرر دائما بسبب الصراع حول السلطة وإستخدام أساليب شتى في هذه الصراعات، فتنجح الجماعة الحاكمة تارة، وينجح الإنقلاب عليها تارة أخرى، يعود هذا السلوك والممارسات بين الجماعات والتكتلات إلى فترة الحركة الوطنية، فمثلا وظف مصالي الحاج قضايا الهوية في 1949 لإبعاد الراديكاليين داخل الحركة الإستقلالية بقيادة لمين دباغين الذين كانوا يطالبونه بالإسراع في إشعال العمل المسلح، وتكررت نفس المشكلة عشية 1954 بما يسمى بالصراع بين المركزيين والمصاليين، ثم تكررت الصراعات عدة مرات أثناء الثورة، وأخذت أوجها عشية إسترجاع الإستقلال في1962 ، فصراع 1962 هو الذي أنتج النظام السياسي القائم اليوم بكل أزماته الدورية وصراعاته الداخلية التي عرفتها الجزائر في 1965 و1974 و1988 وغيرها.
لكن عادة ما أرتبطت هذه الأزمات الأخيرة بالصراع حول خلافة الرئيس، فمثلا عرفنا صراعا حادا أثناء مرض الرئيس بومدين ثم وفاته في 1978، ويقول قاصدي مرباح أن مؤسسات الدولة كانت ضعيفة، وكانت عاجزة حتى في تنظيم جنازة الرئيس الراحل، وكان بإمكانه أخذ السلطة بكل سهولة، لأن مؤسسة "الأمن العسكري" التي كان على رأسها هي الوحيدة المسيطرة والموجودة في الميدان في الوقت الذي وقع نوع من إنهيار في الكثير من المؤسسات بسبب السيطرة المطلقة لبومدين عليها وإحتكاره لكل القرارات، وهو ما يخشى تكراره اليوم، لكن في ظروف وطنية ودولية أعقد بكثير جدا من نهاية السبعينيات، ويقول مرباح أنه كان بإمكانه أخذ السلطة بكل سهولة، لكنه خشي إهتزاز كل أركان الدولة التي كانت هشة جدا، أي فضل التضحية بمصلحته الخاصة من أجل إستمرارية الدولة والحفاظ على توازناتها ثم إعادة بنائها، وهو عكس ما يحدث اليوم من خلال الإخلال بمختلف التوازنات التي تميز النظام السياسي الجزائري.
يبدو أن الوضع مختلف اليوم، فكل الوسائل والأساليب تستخدم دون أي حدود، فمثلا في مختلف الصراعات الماضية كانت هناك حدود لايمكن تجاوزها، فمثلا اثناء الصراع بين المحافظين والإصلاحيين في الثمانينيات أستخدمت وسائل الإعلام سواء التابعة للحكومة أو الحزب الواحد في هذا الصراع، لكن بأساليب غير مباشرة، فنجد مثلا اسبوعية "الجزائر الأحداث" بالفرنسية تروج للإصلاحيين مقابل أسبوعية "الثورة الأفريقية" التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني تروج للمحافظين، لكن صراعا بخطاب تلميحي وغير مباشر، ويظهر كأنه صراع أيديولوجي يدور حول مستقبل الجزائر بين الراغبين في الإبقاء على الوضع والعاملين من أجل نقل الجزائري من نظام أحادي إلى نظام تعددي وإقتصاد السوق.
ولم نجد في تاريخ هذه الصراعات أي خروج عن الخطوط الحمراء للخطاب السياسي المستخدم، فبإستثناء خطاب بومدين في 1974 مستخدما كلمات أيديولوجية في صراعه مع بعض خصومه من مجموعة وجدة بالقول مثلا بالإختيار بين الثروة والثورة، وكذلك خطاب بن جديد العنيف والحاد في سبتمبر1988، لكن للأسف بعد أحداث اكتوبر1988 عدنا من جديد إلى توظيف الهوية ومكوناتها بإستخدام الفيس المنحل، فأندلعت حرب أيديولوجية بطابع هوياتي، فلا ننسى ذلك النقاش الذي أثارته صحف معربة حكومية آنذاك حول قضايا الهوية ، والذي أمتد لشهور، وكل ذلك بهدف إلهاء الرأي العام ربحا للوقت، ثم توظيف الفيس للإنقلاب على إصلاحات حمروش، ثم العودة إلى نقطة الصفر فيما بعد، وقد دفع الجزائريون ثمنا باهظا من توظيف الهوية آنذاك، خاصة ديننا الإسلامي في صراعات سياسيوية حول السلطة والمال.
لكن لم نعرف لهذا الصراع اليوم أي معالم في تاريخ الصراعات داخل النظام الجزائري، حيث أبتذل الخطاب السياسي وتسمية الخصوم بالإسم مع تشويههم بكل الوسائل والأساليب، لكنه سلوك جاء من مجموعة سياسيين برزت وصعدت بقوة في السنوات الأخيرة، فهي لا تعرف أخلاقيات وممارسات ومجمل الخطوط الحمراء التي يجب مراعاتها في أي صراع سياسي، لأنها كانت بعيدة نوعا ما عن دواليب الدولة ومؤسساتها وغير عارفة بأعرافها، ويبدو أنه نفس السلوك تقريبا عرفته أزمة1962، حيث لم تتوان المجموعة التي أخذت السلطة من وصف ثوار كبار فجروا حرب التحرير، وعرفوا بنضالاتهم في الحركة الوطنية بنعوت لايمكن تقبلها من أي كان مثل العمالة والخيانة والإقطاعية وغيرها، ونشير أن المجموعة التي أخذت السلطة في 1962 يمكن أن نطلق عليهم الصاعدون الجدد الذين جاءوا متأخرين إلى الثورة، ولم يكن لأكثريتهم ماض كبير في الكفاح الوطني سواء قبل الثورة أو في سنواتها الأولى، وكأن هناك رغبة في الإنتقام من النخب الحاكمة السابقة وطمسها وتشويهها بكل الأساليب ماضيا وحاضرا، ولعل هذه الممارسات الكامنة فينا ضد النخب السابقة هي التي جعلت الجزائري لا يعرف الكثير عن رموزه عبر تاريخه الطويل.
عادة ما تعود هذه السلوكات والممارسات إلى أناس لم يصدقوا أنفسهم أن هناك فرصة جاءتهم للإستيلاء على السلطة، فيستخدمون كل الأساليب ضد من يقف في وجههم من النخب السابقة، وبإمكانهم تحطيم الدولة كلها بمؤسساتها، فهذا الصنف من الناس يحتاج إلى دراسة نفسية، فهم خطر كبير على الدولة ومؤسساتها، فعادة هذا الصنف إذا تحكم في دواليب الدولة يقوم بأبشع الأفعال، فقد علمنا التاريخ أن أبشع الدكتاتوريين والمجرمين هم أناس وصلوا إلى السلطة باساليب غير أخلاقية، وليس صحيح أن أبشع الدكاتاتوريين هم كلهم عسكريين، فلنتذكر الدكتاتور البرتغالي سالازار الذي كان أستاذا للإقتصاد في الجامعة، فجاءته فرصة لم يحلم بها ليأخذ السلطة، ويبقى فيها تقريبا أربعين سنة، ويرتكب أبشع الجرائم قبل أن ينقلب عليه ضباطا شباب في ثورة القرنفل في 1974، فلنلاحظ أبشع الدكتاتوريين في العالم العربي هم الضباط الصغار جدا الذين أستولوا على السلطة بإنقلابات عسكرية، فهذا الصنف من الناس يشبهون ذلك الرجل الجائع الذي يلتهم بلهف كبير بمجرد ما يقع في يده أي طبق أكلة، فمثلا الكثير لايفهم لماذا كان الفيس المنحل في الجزائر خطر كبير على المجتمع، فلعل البعض لايعلم أن الكثير من المنخرطين فيه كانوا جد مهمشين في المجتمع من قبل، فأستغلوا فرصة ظهور الفيس لينخرطوا فيه كي يجعلوا لذاتهم مكانة بإستغلال الدين، فالكثير منهم خرجوا من أماكن اللهو والعربدة إلى الإنخراط في الفيس مباشرة بعد ظهوره، فلو أخذ أمثال هؤلاء السلطة، لأنتقموا من المجتمع حقدا وحسدا وإنتقاما، وعندما لم يأخذوها انتقموا من المجتمع بالإرهاب والتقتيل، خاصة من المثقفين والناجحين إجتماعيا بدعوى أنهم "طاغوت وتغريبيين"، فكانت نعوت تطلق على كل من يرونه ناجحا في حياته.
لكن علمنا التاريخ أن صراعات كهذه ينتصر فيها المندفعون الذين لايعيرون للأخلاق والقيم أي إعتبار، كما أنتصر المندفعون في 1962 على رجال مثل بن خدة الذي فضل التواري والإبتعاد على أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية رغم عروض من عدة دول لمساعدة حكومته الشرعية، لكن في المقابل لم يتوان الذين أخذوا السلطة فيما بعد من إستخدام كل الوسائل بما فيها قتل الكثير من المجاهدين لم يقتلهم الجيش الإستعماري ليقتلون على يد هؤلاء، بل لم يتوان هؤلاء في الإستعانة حتى بالمستعمر السابق، كما لا يتوانى الذين يسعون لأخذ السلطة كاملة اليوم للإستعانة بفرنسا بإعطائها كل الإمتيازات الإقتصادية، بل يوظفون الفيس المنحل وبعض بقايا الإرهاب لدعمهم، وذلك بعدة أساليب، ومنها إشباع غريزة الإنتقام فيهم من كل الذين وقفوا في وجه الإرهاب في التسعينيات.
هل سيستمر الجزائريون في الإستسلام لهذه الصنوف من الناس تأخذ السلطة بأساليب غير ديمقراطية وشرعية ، كما أستسلموا في 1962، وما أنجر عن ذلك من ترد للجزائر على كل الأصعدة؟، لكن ما يؤسف له أنه عادة ما يستغل أمثال هؤلاء الإنهاك الذي يقع بالشعوب لأخذ السلطة كاملة والقيام بما يريدونه، فلا يجب أن ننسى بأن الأمويون قد أخذوا السلطة في تاريخ الإسلام مستغلين الإنهاك الذي أصاب المسلمون جراء الفتنة الكبرى، كما أخذت مجموعة وجدة بقيادة بومدين ومختفية وراء بن بلة السلطة في 1962 مستغلين الإنهاك الذي أصاب الجزائريون بعد 7سنوات من الكفاح ضد الإستعمار، ويتم اليوم إستغلال الإنهاك الذي يعاني منه الشعب الجزائري من جراء إرهاب دموي جعلته يبحث عن السلم فقط مهما كان الثمن، فبإمكان هذه المجموعة أن تذهب إلى ما لا يتصوره الجزائريون الذين يختبرونهم يوميا بقرارات وممارسات غير منطقية، وكل ذلك بهدف معرفة إلى أي مدى سينفذ صبر هذا الشعب.
لا تختلف كثيرا هذه المجموعة الجديدة الطامحة لأخذ السلطة كاملة عن مجموعة وجدة التي أخذت السلطة في1962 ، فهي تشكل أحد فروع المجموعة القديمة، وتتمثل في فرع الرئيس بوتفليقة الذي كان أحد رموز مجموعة وجدة في 1962، فهذه المجموعة في 1962 هي عبارة عن تنظيم أو تكتل غير شرعي تشكل داخل الثورة، وهو يعمل بشكل عنكبوتي، أي ولاءات لرجالاته الخمس، فكل واحد من رؤوسه الخمس له شبكته المبنية على القبلية والقرابة والمصالح السلطوية والمالية، وكانت هذه المجموعة التي أخذت السلطة في 1962 تتشكل من هواري بومدين وشريف بلقاسم وقايد أحمد وأحمد مدغري وعبدالعزيز بوتفليقة، لكن ضعفت الشبكات الموالية للعناصر الأخرى، وبقيت شبكة بوتفليقة الذي يعد آخر الأحياء من مجموعة وجدة، فأعيد إحيائها، ثم توسعت بعناصر أخرى في عهد حكمه، فهل هي تسعى اليوم لأخذ السلطة كاملة على حساب آخرين لعلهم كانوا أيضا في شبكات لرموز أخرى من المجموعة الذين توفوا، لكنها غير واضحة المعالم؟، فهل ستنتقل السلطة الفعلية والحقيقية في الجزائر بعد وفاة الرئيس بوتفليقة إلى جيل الإستقلال، لكن بتسليمها إلى إحدى الشبكات البارزة في مجموعة وجدة، وهي شبكة الرئيس بوتفليقة بكل مكوناتها المالية والإدارية والسياسية وغيرها أم أن للمستقبل له عوامل غير موضوعة في الحسبان، كما للتاريخ أيضا مكره وصدفه حسب تعبير بلعيد عبدالسلام المناضل والوزير السابق في عهد الرئيس بومدين، والذي وجد نفسه صدفة إلى جانب مجموعة وجدة في 1965 بعد ماكان ضدها في 1962، ولم يتوان اليوم من تقديم دعم غير مباشر للفرع البوتفليقي لمجموعة وجدة في الصراع الجديد حول السلطة بإستغلال بعض تصريحاته ضد خصومها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا مستقبل لنا الا بثقافة علمانية ديمقراطية
نور الحرية ( 2016 / 5 / 23 - 21:15 )
تحليل دقيق لاوضاع عشنا فترتها الاخيرة اي منذ السبعينات وكان ما كان فيها من سلبيات وسلبيات ايضا يتحمل جل وزرها النخبة من رجال الدين والثقافة وليس اخرهم رجال السياسة والنفوذ الاهم من كل هذا وذاك كيف سنخرج من هذه الازمة لمستقبل ديمقراطي علماني باسهل الطرق واسلمها

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA