الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كانت الحرب الباردة صراع ايدلوجي؟

أنور عدنان

2016 / 5 / 24
السياسة والعلاقات الدولية


الحرب الباردة كانت الحرب الاكبر في التاريخ الحديث. الاسم مضلل فالحرب الباردة لم تكن بتلك البرودة لانها كانت "ساخنة" بين الدول التابعة للدول الكبرى. بسبب حجمها الكبير,الحرب الباردة كانت وما زالت موضع بحث واسع في مجال العلاقات الدولية. مع ذلك , المدارس المختلفة لديها اراء مختلفة عن هذه الحرب. فبينما ينظر الواقعيون (Realists) الى كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية كلاعبين فتوازن القوى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية, يركز الليبراليون (Liberals) على الصراع الايدلوجي بين القوى العظمى. يبدو الدليل التاريخي في كفة الليبراليون. بالرغم من ان توازن القوى لا يمكن انكاره, لعبت الايدلوجيا قادت الصراع, كما سنرى لاحقا, حتى قبل بدايته بعد الحرب العالمية الثانية.

االانهيار المحقق

من الصعب بناء سلام اذا كان احد الاطراف يؤمن بالانهيار المحقق للطرف الاخر. الانهيار المحقق للرأسمالية كان وما زال فكرة مركزية في الفكر الشيوعي. يقول كارل ماركس وفريدريك انجلز في كتابهم الشهير (البيان الشيوعي) " ان ما ينتجه البرجوازيون قبل كل شي هو حفارات قبورهم. فسقوطهم وانتصار البوليتاريا كلامها محققان بصورة متساوية." هذا المعتقد كان بلا شك في اذهان قادة الاتحاد السوفييتي على الاقل في العقود الاولى للحرب. هذا المعتقد قاد الحرب الباردة لوقت طويل وجعل اي تعايش سلمي مستحيلا.

ايدلوجية تبشيرية

قادت الشيوعية السوفييت للتصرف كتبشيريين. فبينما يؤمن التبشيريون المؤمنون انهم ينقضون البشر من خطاياهم, يؤمن الشيوعيون انهم ينقضون البشر من البرجوازيون الشجعون. المعسكر الرأسمالي كان ينظر اليه بعين المسؤولين السوفييت على انه حامي البرجوازيين الذين يتغذون على دموع ودماء البولتاريا. هذا ادى بالصراع بان ينتقل من صراع ايدلوجي طبيعي الى صراع بين الخير والشر. الطرف الاخر لم يكن اقل عدائية حتى في العقود الاخيرة للحرب. فالرئيس الامريكي رونالد ريغان استخدم مصطلح امبراطورية الشر للاشارة للاتحاد السوفيتي عام 1983.

خطاب ستالين

في شباط من عام 1946 القى ستالين خطابا في مسرح البيلشوي في اجتماع للمصوتين في الانتخابات. يعتبر الكثير من المختصين هذا الخطاب بداية الحرب الباردة. القى ستالين باللوم في هذا الخطاب على الرأسمالية وحملها مسؤولية الحرب العالمية الثانية. يقول ستالين " في حقيقة الامر ان الحرب (الحرب العالمية الثانية) اندلعت كنتيجة محققة لنمو قوى العالم السياسية والاقتصادية على أسس الرأسمالية الاحتكارية الحالية." أنذر هذا الخطاب السفيران الامريكي والبريطاني. ارسل جورج كينان نائب رئيس بعثة الولايات المتحدة في موسكو الخطاب الطوييل والذر حذر فيه رؤسائه من التغييرات الاخيرة للنظرة السوفيتية للعالم. بالرغم من ان انتقاد الشيوعيين للرأسمالية يمكن ان يُعثر عليه في ادبهم حتى قبل اكتوبر الاحمر لعام 1917 الا ان الجديد هو ان هاتين الايدلوجيتين اصبحتا الايدلوجيتان الرسمتيان لقوتين عظمى وجزء من هوياتهم.

مذهب ترومان

في مارس 1947 القى ترومان خطابا شهيرا امام جلسة مشتركة للكونجرس حيث طلب من الكونجرس ليفوضه لتقديم المساعدة لتركيا واليونان. وضع ترومان في هذا الخطاب الخطوط العريضة لما سُمي لاحقا بمذهب ترومان حيث دعا لسياسة احتواء للتأثير السوفيتي. خاطب ترومان الكونجرس قائلا: " في هذه اللحظة من تاريخ العالم, يجب ان تختار كل امة واحدا من بين طريقين بديلين للحياة." هذا البيان يلخص ما الذي كان سيحدث في العقود القادمة. بالاضافة الى ذلك, يُظهر هذا الخطاب ان الحرب الباردة كان صراعا بين "طريقين بديلين للحياة" منذ بدايتها

مذهب برجنيف
في نوفمبر 1968, القى ليوند برجنيف الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي خطابا امام حزب العمال الموحد البولندي. اخبر برجنيف البولنديين في هذا الخطاب انه " عندما تحاول القوات المعادية للاشتراكية ان تقلب تطور بعض الدول الاشتراكية نحو الرأسمالية فان الامر يصبح ليس المشكلة البلد فحسب بل مشكلة عامة وقلق لكل الدول الاشتراكية." هذا المذهب كان الاساس الذي استخدم لتبرير التدخل السوفيتي في عدة بلدان في الكتلة الشرقية.


تقسيم جادنوف
في سبتمبر 1947, تأسست منظمة مكونة من عدة احزاب شبوعية سُميت بمكتب المعلومات الشيوعي. انعقد الاجتماع التاسيسي في بولندا ومثل اندريه جادنوف الشيوعيين السوفييت. قرأ جادنوف تقريره عن الوضع الدولي حيث اعتبر العالم مُقسما الى معسكرين:" تحالف جديد قد ضهر. كلما تراجعت الحرب الى الوراء اصبح الاتجاهان الرئيسان اكثر تميزا في السياسة الدولية بعد الحرب. استجابة لانقسام القوى السياسية العاملة في الميدان الدولي الى معسكرين رئيسيين: المعسكر الامبريالي المعادي للديمقراطية في جانب و والمعسكر الديمقراطي المعادي للامبريالية في الجانب الاخر" كان الانقسام واضحا اذ بدأ مباشرة بعد الحرب لكن الجديد هو ان تقسيم جادنوف كان مبنيا على الايدلوجية.

ديمقراطية ام ديكتاتورية
بالرغم من ان معظم المختصين يركزون على الاختلافات الايدلوجية في الحرب الباردة من حيث الاقتصاد, كان هنالك بالاضافة الى ذلك اختلاف حاد في الطريقة التي اتبعها كلا البلدين للتعامل مع نظام حكوميتهما. في الوقت الذي بدأت به الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة ديمقراطية قديمة. كان هذا نتيجة تراكمية لسنوات طويلة من نضالات الاباء المؤسسين واحفاذهم. قتلى الثورة الامريكية كانوا اكثر من قتلى الحرب العالمية الثانية. الاتحاد السوفيتي من الناحية الاخرى كان قد سلك طريقا اخر. كتب فلادمير لينين الرئيس الاول للاتحاد السوفيتي: " الدكتاتورية لا تعني بالضرورة الغاء الديمقراطية للطبقة التي تمارس الدكتاتورية على باقي الطبقات بل تعني الغاء الديمقراطية (او التقييد الواقعي والذي هو ايضا نوع من الالغاء) للطبقة التي تُمارس ضدها الدكتاتورية." هذا ما طبق في الواقع منذ بدايات الاتحاد السوفيتي. حتى قبل الحرب الباردة, كان من الواضح للامريكيين اين كان السوفييت متوجهين. في فيراير ممن عام 1940 صرح الرئيس الامريكي فرانكلين روزفليت: " الاتحاد السوفيتي-كما يعلم اي شخص لديه الشجاعة لمواجهة الحقيقة- يُدار بدكتاتورية شمولية كأي دكنانورية اخرى في العالم."

بأختصار, الصراع الايدلوجي صاغ الحرب الباردة وبدونه فان وجود الحرب الحرب سيصبح موضع شك. كما موضح اعلاه, الصراع الايدلوجي كان في اذهان اعلى المسؤليين الذين قادوا الحرب. الحرب انتهت بسقوط درامي للاتحاد السوفيتي عام 1991. طبيعة الحرب ستكون موضع جدل لعقود قادمة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً