الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية الماركسية بين مأزق النص و المأزق التاريخي

محمد بحكان

2016 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت الماركسية في زمانها ثائرة على كل الفلسفات، و كل النظريات الاقتصادية البرجوازية، فبالإضافة الى ما تقدمه من توصيف و تشريح عميق للمجتمع و تناقضاته ان على المستوى السياسي، الاجتماعي، و الاقتصادي، تطرح كذلك حلا لمعضلة الطبقية التي تجتاح العالم، حيث ينقسم العالم الى طبقتين متصارعتين اقتصاديا تارة و سياسيا تارة اخرى على المستوى الظاهري، في مجتمع جديد تسوده المساواة و تضمحل فيه الفوارق الطبقية.
كانت الماركسية و لا زالت كأقوى النظريات الاجتماعية تماسكا، من حيث طرحها، و تفسيرها للظواهر الاجتماعية باعتمادها المادية الجدلية, و فهمها العميق للتاريخ بشقها الاخر، اي المادية التاريخية، اما اتباع هذه النظرية (الماركسيين) فهم كانوا و لزالوا يحاولون فهم المجتمع و تناقضاته و ظواهره بناءا على منهج علمي متناسق خاضع للجدل الماركسي، ذاك الجدل الذي ما اخذ اهميته الحقيقية كمنهج علمي الا عندما قلبه ماركس ماديا, بعدما كان مثاليا عند هيغل، ما نفهمه من هذا كله, انه لا يمكن ان يكون احدنا ماركسيا الا عندما يحلل المجتمع بناءا على هذا المنهج العلمي، و ما عدا ذلك فليس بماركسي
ان لماركس مقولة مهمة جدا في نظري يقول فيها "ان نظريتنا ليست بعقيدة جامدة بل مرشد حي للعمل"
هذه المقولة تلخص توجيهات المعلم لمن يتبنون نظريته و يشتغلون بها في السياسة، طبعا من اجل الوصول الى المجتمع الشيوعي و القضاء على الطبقية. كان ماركس يريد بهذه المقولة ان يبعد الطابع العقائدي الجامد عن نظربته كي لا يسقط اتباعه من بعده في مأزق النص، و تصبح الماركسيا دينا جديدا. كان يريد لاتباعه ان يأخذوا من النظرية الماركسية المنهج العلمي الجدلي للمادية، لتتضح امامهم الرؤيا و يسهل عليهم تحليل البنى الاجتماعية التي يعيشون فيها، كي يتبينوا كيف يشتغلون عليها للسير بها -المجتمعات- نحو الثورة الاشتراكية عبر بناء الاداة السياسية للطبقة العاملة اي الحزب الشيوعي.
فماذا فعل الماركسيين من بعده؟
طبعا و لمدة ليست بقصيرة كان الماركسيون عبر العالم يسيرون على خطى معلمهم، و يخضعون في تفكيرهم للمادية الجدلية و قوانينها ، اي للمنهج الذي يشكل جوهر الماركسية، و يشتغلون به، و انتجوا مؤلفات فكرية عديدة في الاجتهاد النظري, و التنظير السياسي للثورة العمالية، هذا ما فعله مثلا لينين في روسيا و ماو تسي تونغ في الصين ...الى غير ذلك من المجتهدين الماركسيين الحقيقيين، هؤلاء اشتغلوا نظريا كل من موقعه، على بنى اجتماعية مختلفة لدول و مجتمعات مختلفة من حيث النسيج الاجتماعي الغالب عليها، و كذلك في مراحل مختلفة من تاريخ تطور الرأسمالية، التي لم يعشها ماركس، ايمانا منهم على كون هذه النظرية حية و متطورة بتطور الواقع المتغير على الدوام.
اما نحن اليوم، فواقعنا كماركسيين اصبح مزريا، بين التشرذم و الجمود العقائدي، نتفرخ كل يوم فصائلا ضعيفة، منسلخة و ممسوخة في غالب الاحيان، بعيدة كل البعد عن الجوهر الماركسي، اذ نختلف على تحليل النصوص و كأنها نص ديني منزل بين ايدي رجال دين، كل يؤوله حسب مصلحته، و ليس نصا علميا موجها(بفتح الجيم) و ليس غاية في حد ذاته ، و انما اساس للعمل، من اجل الوصول الى تنظيم العمال ، و استقراء شروط الثورة العمالية و امكانياتها في ظل شروط موضوعية جديدة و خاصة بهذا المجتمع، فبدل ان نقوم بتحليل البنية الاجتماعية المغربية بناءا على قراءة تشكيلها الطبقي بشكل علمي, لتتضح لنا التحالفات الممكن ان يراهن عليها في قيادة الثورة الديمقراطية الشعبية، صرنا نمتهن و نحترف البكاء على الاطلال، و تقديس تجارب "الحملم" السبعينية بدل نقدها و الوقوف على اخطائها و تصحيحها بمنطق التطور الذي شهدته الرأسمالية العالمية، و ليس بمحاكمتها بمنطق رجعي، حيث انه يمكن ان تكون التجربة آنذاك صائبة و اصبحت اليوم غير ممكنة. بالإضافة الى هذا المأزق التاريخي، هناك مأزق آخر اكثر خطورة في هذه المرة، على النظرية الماركسية بحد ذاتها ، يتجلى في تقديس النص الماركسي، حيث اصبح كل من ينتقد، او يخرج عن النص مرتدا تحريفيا ، بنفس المنطق السلفي الديني، و اصبحت التحريفية و التخوين تهما جاهزة توجه الى كل من ناقش في امكانية تطبيق نص لم يعد ممكنا في ظل ظرف معين، او شكك في كون هذا النص قد تجاوزه التاريخ، اصحاب هذه التهم، هم في بنيتهم الفكرية، اشبه ما يكون برجال الدين الذين يعتقدون بأن كل نصوص و مقتضيات و احكام الدين الاسلامي تبقى صالحة للتطبيق في كل زمان و مكان زمان و مكان, و هذا خروج عن الجوهر الماركسي المرن الذي يدعوا دائما الى الاجتهاد في اطار تطبيق قوانين الجدل الماركسي, تماشيا و تتطور الواقع و تناقضاته.
بالإضافة الى تقديس النص الماركسي، هناك تقديس اخر للأوراق و التصورات القديمة التي كتبها و تبناها رفاقنا في السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي، هؤلاء الرفاق الذين اجتهدوا في مرحلتهم و زمانهم، و استقرؤوا شروطها, و طرحوا افكارهم كحلول لمرحلة معينة، و صرنا نحن من بعدهم نقدسها كنص ازلي، نحمل السيوف و السواطير دفاعا عنها و كأننا ندافع عن دين ابائنا الاولين.
ان الحل اليوم يكمن في تجميع هذا الشتات, و ليس في المزيد من التشدد و الانغلاق على الذات على حساب جوهر الماركسية، و توجيه الصراع في منحاه الصحيح، نحو النظام، الذي يمثل الامبريالية العالمية، و الذي صار يتفنن في نهب و اغتصاب حقوق و حريات و كرامة هذا الشعب، في الوقت الذي نوجه فيه نحن اصابع الاتهام و التخوين الى بعضنا، و نرفع في وجوه بعضنا السيوف و السواطير لقمع الرأي و قتل الاجتهاد و التفكير. ان الماركسيين المغاربة هم على الاطلاق, اكثر من اكتوى بنار القمع و الاعتقال على ايدي النظام القائم بهذا البلد،
و اشد من عارضه في التاريخ الحديث, لكن للأسف صرنا مؤخرا نقدم معتقلين و شهداء بأعداد هائلة, ليس في سبيل القضية الجوهرية التي من اجلها نحن قائمون, بل في معارك جانبيا ان اعتبرناها اصلا معارك, و بسبب عنف لا مبرر له و موجه الى غير هدفه الحقيقي, في بعض الاحيان موجه الى بعضنا البعض او الى حلفاء طبقيين ممكنين في مستقبل ثورة شعبنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فهم مثالي واسطوانة مشروخة!
طلال الربيعي ( 2016 / 5 / 24 - 21:02 )
كان ممكن الاستفادة من المقالة لو كان الكاتب قدم لنا امثلة عن كيف واين ومتى ان تقديس النص الماركسي ادى الى الفرقة والتشرذم في الفرق الماركسية في منطقتنا, وبدون ذلك تبدو المقالة وكأنها اشبه باسطوانة مشروخة.
العكس هو الصحيح, فالتقديس, بالرغم من خطاياه, لا يؤدي الى التفرقة وانما الى التوحيد, كحال الديانات التوحيدية التي تتفق على تقديس الله وعبادته.
هذا علما, ان فكرة التقديس كسبب للتفرقة هي فكرة مثالية ومعاكسة للفهم المادي للتاريخ.

اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا