الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البونابرتية الجديدة والنظام المصرى

رياض حسن محرم

2016 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


(القتيل لا يتذكر مصادر النيران)
كما يقول " أليكسيس دو توكفيل" في كتابه «النظام القديم والثورة» (1856) ( أن الثورات هي لحظة ولادة انفجارية لجنين موجود في رحم النظام القديم وأن ما تولده الثورات من مسار عام هو استمرار لمسار كامن في مرحلة ماقبل انفجارها)، الذى يهم كثيرا هو الحفاظ على الزخم الثورى لتطوير الحركة الثورية وعدم ضياع ما تحدثه من تغيير وحمايتها من النمور الجريحة الذين هم جاهزين دائما للإنقضاض على الثورات وإجهاضها لحساب الدولة القديمة، لقد أبدع "كارل ماركس" فى تحليل صيرورة فشل الثورات فى كتابه القيّم " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت 1852" الذى يقدم فيه تحليل رائع عن أسباب فشل ثورة 1848 فى فرنسا التى إنتهت بإنقلاب قصر قاده "نابليون الثالث" ضد الجمعية التشريعية لإعادة الحكم الإمبراطورى فى 1851، ويحلل ماركس فى كتابه المرحلة ما بين سنتى 1948" حيث شملت الثورة طبقات عديدة وحركات ثورية مختلفة من الإشتراكيين والجمهوريين الدستوريين والحركة القومية بزعامة لامارتين" ونجحت الثورة فى الإطاحة بالملك لوى فيليب الذى مثّل حكم الرأسمالية المالية وما بين عام 1951 وحدوث الإنقلاب العسكرى.
بعد الإنتصار المؤقت للثورة أجريت إنتخابات الجمعية التشريعية توزعت مقاعدها بين القوميين والأورليانيون والإشتراكيين الذين سيطروا على عمال باريس وهم من تعرضوا لمجزرة من الجنرال "كافيناك" القريب من القوميين وإستمرت حالة الفوضى حتى إستطاع مغامر مغمور هو "لويس بونابرت" إبن أخ نابليون بونابرت أن يترشح للرئاسة مكتسحا الجميع بفضل أصوات الفلاحين المتعلقين بأمجاد الإمبراطورية ومعتمدا على التدين الشعبى للبسطاء والإنهيار الإقتصادى فى أعقاب الثورة ومعاناة الطبقة الوسطى من إرتفاع الضرائب ما دفع الفرنسيين الى إدارة ظهرهم للأحزاب وبحثهم عن المخلّص والمنقذ لفرنسا، ويرى ماركس أن السبب الذى ساعد بونابرت فى إنقلابه على الجمعية التشريعية وتمكنه من حلها وإعتقال قادتها يكمن فى رغبة الجمهور فى تحقيق الإستقرار وإنقاذ الوضع الإقتصادى ووفق تعبير ماركس " قدم لويس بونابرت نفسه بوصفه (حامي النظام) و(رمز الاستقرار)"، وهكذا إنتهت الثورة بعد ثلاث سنوات وعشرة أشهر، ويمكن توصيف البونابرتية بأنها "حالة دولة لا تستطيع فيها البرجوازية الحفاظ على السلطة بالطرق الدستورية والبرلمانية بينما الطبقة العاملة غير قادرة على تأكيد هيمنتها أو حتى حماية مصالحها، فتبقى الهيمنة والسيطرة للبرجوازية"، وفى مصر كمثال فقد أتى السيسي للحكم بالانتخاب ولكن بعد أن ضمن نفسه قبل الانتخابات حيث بدا كالمسيح المخلص للطبقات الشعبية. ان السيسي لا يعتمد على حزب سياسي وفي هذا يتشابه مع البونابرتية، لقد كان لويس بونابرت يمثل صغار الفلاحين كثيري العدد ويزعم أنه يمثل الطبقات الشعبية بينما هو يوفر فرص تطور الراسمالية وهذا ما حصل، أما السيسي فيتحدث عن الفقراء لكنه لم يقدم لهم شيئا.
لقد مرت الثورات الكبرى عبر التاريخ بحالات من العنف والفوضى والصراعات الداخلية المحتدمة وبمظاهر من الإرتداد والنكوص الى الخلف والإنهيارات الإقتصادية، حدث ذلك فى الثورات الأمريكية والفرنسية وحتى الثورة البلشفية الروسية لم تسلم منها، وليست الثورة المصرية فى 2011 إستثناءا فبعد أن أطاحت برأس السلطة دخلت فى مرحلة معقدة من الإحتقانات والمعارك العبثية المكلفة فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وغيرها، وفشلت بإمتياز فى تحويل الثورة الى دولة مع الدعوات الى هدم الدولة دون تصور واضح لبديلها، وإستفاد الإخوان المسلمين " القوة الوحيدة المنظمة جيدا" من تلك الأوضاع وقفزوا الى السلطة ولكنهم بسبب إستعجالهم وإدارتهم المعيبة للسياسة والإقتصاد إكتسبوا عداء معظم مؤسسات الدولة والطبقات الشعبية ما أدى فى النهاية الى ثورة جديدة أطاحت بهم، تلا ذلك عمليات واسعة من العنف والإرهاب وأتى معها مزيد من التدهور الإقتصادى مهّد الطريق واسعا لصعود الجنرال السيسى بوصفه المنقذ و استند فى صعوده على انهاك القوى الثورية لبعضها البعض واستنفادها قوتها خلال أشهر ما بعد الثورة والى عدم قدرة قوى النظام القديم على أن تشكل بديلاً، مما أنشأ فراغاً سياسياً قام بملئه من خلال شخصه وزيه العسكرى وغموضه تحت نظارته السوداء في مجتمع استسلم لأقداره واستقال من السياسة مع نخب سياسية دخلت في حالة الإفلاس، معبدا الأرض نحو حكم عسكرى من خلف ستارة مدنية، حيث لا توجد ضمانات بالتحول إلى الديمقراطية فور الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية، أن الديكتاتوريات تحاول خداع الآخرين بأنها تسير نحو الديمقراطية، عبر تنظيم انتخابات, ولكنها في الحقيقة شكلية, ونتائجها معروفة سلفا، كما تسعى الآلة الإعلامية الموالية للأنظمة الحاكمة إلى تزييف الحقائق وبث الشائعات وترويج الكذب، فتنسج من كل هذا انتصارات واهية، تصب جميعها فيما يخدم مصالح النظام، فيصبح الترغيب والترهيب هو السائد وهو ما يكشف عن وجه الإعلام الزائف، فى سعيه إلى تشويه الثورة، محذراً الشعوب من الانجرار ورائها و تشويه الحقيقة وتغييب العقل من خلال تلك الآلة الإعلامية الجبارة، وقد كان للإعلام المصري دور بارز في تشويه الثورة والثوار من خلال تسريبات مشكوك فيها لشيطنة كل من شارك فى تلك الثورة العظيمة.
ختاما فقد ظهر لويس بونابرت بوصفه المنقذ الفرد لملايين الفرنسيين، خصوصاً الفلاحين والفئات الوسطى وأيضاً للأثرياء البورجوازيين، ومتخطياً انقسامات الثورة واضعاً شخصه فوق الأحزاب بل فوق الطبقات الاجتماعية الثورية التي فوضته لكي يحكم بسلطة فردية مطلقة باسمها، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أقرأ كلامك أستعجب !
فريد السراج ( 2016 / 5 / 25 - 15:36 )
هناك برلمان جرى انتخابة بشفافية لا يرقى إليها الشك وذو سلطات واسعة أكثر من المقتضى
خطبت وخطبت لكنك لم تأت بقرار واحد للسيسي تنتقده
ماركس لا ينتقد بهذه الطريقة يا ايها المتمركس

اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت