الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفع الحصانة عن النواب الكورد: الديموقراطية بعقلية الخازوق التركي

عبدالله جاسم ريكاني

2016 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


رفع الحصانة عن النواب الكورد: الديموقراطية بعقلية الخازوق التركي
د. عبدالله جاسم ريكاني
تمكن البرلمان التركي من تعديل مادة دستورية في العشرين من الشهر الجاري، تم بموجبها سحب الحصانة البرلمانية من بعض المشرعين البرلمانيين في خطوة تهدف الى طرد و من ثم تقديم البرلمانيين الكورد في حزب ديموقراطية الشعوب HDPالى المحاكمة. لقد إتَحد كل من اعضاء كتلة الحزب الحاكم "حزب العدالة و التنمية مع اعضاء من حزب الحركة القومية العنصري و مجموعة من نواب حزب الشعب في تمرير هذا التعديل!.
بموجب التعديل، سيتم تحويل ملفات البرلمانيين البالغ عدده 148 من مختلف الاحزاب التركية الممثلة في البرلمان، مباشرة الى القضاء التركي!. و يشكل نواب حزب HDP غالبيتهم، حيث يواجه 53 منهم من مجموع 59، تهماً في 405 قضية، تتعلق 206 منها بقضايا و تهم الارهاب! علماً ان غالبية هذه التهم تتعلق فقط بإبداء "وجهات نظر" لا تتطابق مع وجهات نظر سلطات أنقرة. مشروع القانون كان قد قُدِم بموجب طلب موقع من كافة نواب حزب العدالة و التنمية الحاكم في 12 من شهر أبريل الماضي متهمين فيه نواب حزب HDP، بتقديم الدعم الروحي و المعنوي و المادي للارهاب، و بحجة ان الشعب التركي يعتقد ان هؤلاء النواب قد أساؤأ استخدام حصانتهم البرلمانية و الدستورية و يطلب ان تتم محاكمة هؤلاء النواب.
هذه الخطوة، تذكِرنا بالفوضى السياسية التي حدثت في عام 1994، عندما أقدم البرلمان التركي حينذاك أيضاً، إلى رفع الحصانة عن 8 من النواب الكورد بتهم انتمائهم الى حزب العمال الكوردستاني. و تم الزج بهم في سيارات الشرطة امام البرلمان و إقتيادهم مباشرة الى السجن. و لكن هل أدى سجن هؤلاء الثمانية الى تحقيق اي نوع من الاستقرار و الامن في تركيا حينذاك؟ وما الذي يبرر او يفسر تكرار نفس الخطوة الآن؟.
الكلمة الفصل في تفسير ما يحدث هي عند السيد "أردوغان" فقط، لأن فكرة رفع الحصانة عن نواب ال HDP، هومشروع سياسي خاص بالسيد أردوغان. في السادس من شهر كانون الثاني الماضي، و قبل ثلاثة اشهر من تقديم مشروع رفع الحصانة، أرسل السيد أردوغان رسالة صريحة الى حزبه قائلاً، " يجب على البرلمان و القضاء التركي ان يتخذ إجراءات ضد النواب الذين يتصرفون و كأنهم أعضاء في منظمة إرهابية"!. كما أن الحرب التي أطلقها أردوغان ضد حزب العمال في شهر تموز الماضي، حرًكت مشاعر العداء لدى اعضاء حزب الحركة القومية اليميني المتطرف و الذين إتحدوا مع حزب العدالة و التنمية الاردوغاني في كل ما يتعلق بالحرب ضد حزب العمال الكوردستاني و من ضمنها الهجوم البرلماني على اعضاء ال HDP. و لكن مجموع نواب الحزبين تشكل فقط ثلاثة أخماس مجموع النواب البالغ عددهم 550، أي انها تكفي لطرح مشروع القانون للاستفتاء الشعبي فقط، لأنه، يجب الحصول على ثلثي اصوات البرلمانيين لتمرير القانون في البرلمان بدون الحاجة للاستفتاء. و لقد تم تأمين عدد الثلثين من الدعم الذي قدمه 20 من نواب حزب الشعب الجمهوري ليبلغ عدد المصوتين لصالح تمرير مشروع القانون 376 نائباً.
أي ان حزب الشعب الجمهوري و الذي كان في البداية معارضاً لمشروع رفع الحصانة عن البرلمانيين الكورد، إتخذ موقفاً انتهازياً غامضاً طيلة عملية التصويت، و يبدوا انه لم يتمكن من التغلب على مخاوفه من ان يتم اتهامه هو الاخر بالارهاب و دعم حزب العمال، و أعلن أخيراً و بحجج واهية و مختلفة، انه سيدعم هو الاخر مشروع قانون رفع الحصانة. ومع هذا، هناك 51 برلماني من حزب الشعب الجمهوري يتشاركون نفس المصير مع نواب HDP، ألأمر الذي سيضع حزب الشعب في موقف لا يحسد عليه أمام جمهوره.
و بعد ان يصبح التعديل قانوناً عندما يوقع عليه الرئيس اردوغان، سيتم تحويل ملفات النواب المطرودين الى القضاء خلال 15 يوماً و تبدأ بعدها الاجراءات القانونية!. المدانون منهم سيفقدون مقاعدهم البرلمانية، و اذا ما وصل عدد المقاعد البرلمانية الخالية الى 28 مقعداً، سيتم وفق الدستور اجراء انتخابات جزئية خلال 3 اشهر لملأ المقاعد الخالية. وعلى الرغم من أن محاكمة اعضاء ال HDPو من ثم فقدانهم لمقاعدهم سيستغرق وقتاً قد يكون طويلاً، و لكن و مع هذا، سيعمد اردوغان الى وضع خطط واستغلال احتمال اجراء الانتخابات الجزئية لتعزيز و زيادة عدد اعضاء حزبه في البرلمان و بالتالي كتابة دستور جديد لتركيا قد يضمن له تحويل نظام الحكم الى النظام الرئاسي الذي طالما حلم به.
إذن، كل التعديلات و مشاريع القوانين الاخيرة مصممة خصيصاً لخدمة رغبة السيد أردوغان في أن يصبح الرئيس الآمر الناهي في تركيا. و عندما سيحاكم نواب ال HDP بتهمة دعم الارهاب، فإنه في المحصلة، سيتم تجريم حزب الHDP اوتوماتيكياً ايضاً. و هذا ما سيعرض مصداقية هذا الحزب لخطر أكيد و يسهل من مهمة وزير الداخلية التركي في طرد رؤساء البلديات المحسوبين على ال HDPمن مناصبهم. و في نفس الوقت، منع حزب الHDP، من الترشح الى اية انتخابات مستقبلية في تركيا. و بالتالي تحقيق الهدف النهائي لحزب العدالة و التنمية في الحصول على أغلبية برلمانية مريحة في اية انتخابات مبكرة ومحتملة في المستقبل.
كما ان عملية رفع الحصانة ستؤدي الى توحيد صفوف القوميين و العنصريين الترك مع المحافظين من الطائفة السنية التي يمثلهم حزب اردوغان في جبهة واحدة يضم حزب الحركة القومية العنصري ايضاً على مستوى القيادة و الجماهير لكلا الحزبين. و لكن على الرغم من ذلك، فان استمرار معاداة الكورد من قبل حزب اردوغان سيسحب المزيد من اصوات حزب الحركة القومية و قد يدفعه الى ما دون حد العشرة بالمائة التي يحتاجها لدخول البرلمان في المرة القادمة.
ان الهجوم الاردوغاني على حزب ال HDP، وعلى الرغم من انه قد يضمن مكاسب آنية و مرحلية لأردوغان، و لكنه قد يكون سلاحاً ذو حدًين. لانه من الناحية الثانية، يعني دخول الديموقراطية في تركيا الى مرحلة الأزمة و الخطر و إحتمال ان تدفع تركيا ثمناً كبيراً للمشكلة الكوردية.
يمكننا تلخيص آثار و تداعيات و عواقب رفع الحصانة و سجن النواب الكورد في:
-غلق الباب امام اي احتمال للحل السياسي و البرلماني للمشكلة الكوردية؛
- زيادة الشعبية و القاعدة الجماهيرية للحركات و الاحزاب المسلحة التي تناضل باسم الدفاع عن حقوق الشعب الكوردي؛
- فرض الحظر على العمل السياسي للاحزاب الكوردية، سيقوي من ساعد و شوكة المطالبين بإعتماد الحل العسكري فقط للقضية الكوردية؛
- زيادة نسبة التحاق الشباب الكورد بالاحزاب الكوردية المسلحة بعد يأسهم من الحلول السياسية و الوعود الكاذبة التي دأبت الحكومات التركية المتعاقبة على التعهد بها دون جدوى؛
- سيفقد اردوغان و حزبه اية مصداقية لدى القاعدة الشعبية الكوردية التي كانت تعول عليه في ايجاد حل نهائي للمعضلة الكوردية؛
- و بالنتيجة، ستزداد درجات و حِدَة الشعور بالقنوط و اليأس و خيبة ألأمل لدى الشعب الكوردي من امكانية التعايش والتأقلم و ما يسمى جزافاً "بالاخوة" مع الشعب التركي في وطن واحد؛
- اجبار الساسة الكورد و الاحزاب الكوردية القانونية على العمل في واقع "غير شرعي" مفروض عليها، سيقوض من سمعة نظام اردوغان الدولية السيئة اصلاً في المجتمع الدولي بعد أن توضحت نواياه الاستبدادية و الدكتاتورية؛
- محاكمة و سجن البرلمانيين بسبب آرائهم و حرية التعبير، سيجعل حتى المواطن التركي العادي متسائلاً " كم هي مساحة حرية التعبير المتبقية بعد اليوم عند الانسان التركي" في ظل نظام حكم حزب العدالة و التنمية الاسلامي و الذي كان يرتجى منه ان يكون يوماً ما، مثالاً للشرق الاوسط الجديد!!!.

قديماً قالت العرب: عرب وين و طنبورة وين، يفترض ان يعترف الترك ايضاَ ويقولوا: مغول و تتار وين و ديموقراطية وين!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟