الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة المغربية: -العنف أصدق أنباء من الكتب-

سعيدي المولودي

2016 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الجامعة المغربية:
"العنف أصدق أنباء من الكتب."
أثارت حادثة الاعتداء الهمجي الذي شهدته كلية العلوم بمكناس مؤخرا السجال مجددا حول العنف في الجامعة المغربية، والذي غدا ظاهرة مألوفة وعادة مسيطرة لها طقوسها وشعائرها الخاصة، التي يرعاها الجميع ويكاد يمنحها مشروعيتها ضمن دائرة الحذر والتردد واللامبالاة التي تواجه بها. ولا نبالغ إذا قلنا إن جامعة مكناس إحدى بؤر هذا العنف الذي ارتفعت حدته في السنوات الأخيرة، ودخل منعطفا خطيرا يصعب معه تحديد الإطار الذي يرتسم فيه.
والملاحظ بشكل عام أن دائرة العنف هذه تتسع وتتأصل في مواقع جامعية محددة، يمكن القول إنها تشكل "الهامش"،في حين يظل "المركز" في الغالب بمنأى عنها، كما أن المؤسسات الجامعية التي يتفاقم فيها هي المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح أي المؤسسات التي تستقبل وتحضن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب ، والذين لم يجدوا موقعا لهم في المعاهد العليا والمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود. وهو أمر يطرح أكثر من سؤال، ولكنه في كل حال يؤشر لما يمكن أن نزعم إنه وجه" لمؤامرة" غامضة المعالم والأصول تستهدف الجامعة على وجه العموم والتعليم العمومي بوجه خاص، إذ ما يمكن استنتاجه، في الواقع، منذ سنوات هو تكريس محاولات يائسة لتقويض الجامعة المغربية ومحاصرتها والنيل من دورها وكبح جماح إشعاعها، وآثارها الإيجابية المحتملة على السيرورة الاجتماعية والثقافية لبلادنا، لأن كل بوادر العنف التي نُعاينُها لا تسعى إلا وراء تحطيم الجامعة ونسف كيانها، خاصة وأن كثيرا من تجليات هذا العنف لا تمت بأية صلة للأفق النظري والعملي للتغيير ، ولا يمكن تصنيفها إلا في دائرة الغوغاء والفوضى المدبرة، إذ أضحت بعض المؤسسات الجامعية منشآت أو قلاعا غوغائية تحكمها الفوضى والتسيب على كافة المستويات، وتجد نفسها رهينة شعارات الهدم والتهديد والترهيب والمطالب الابتزازية التي تضطر للاستجابة لها تلافيا لتداعيات الصورة القاتمة التي قد تتأسس عنها ، وهي شعارات لا علاقة لها ب"القدرة الثورية" أو بالثقافة والممارسة السياسية الفاعلة، حيث ناظمها الأساسي يتحرك في دوامة توجه عدمي عقيم يتغذى بوهم "إلغاء الدولة" وتخريب كل مظاهرها وأدواتها ورموزها وتحويل المؤسسات الجامعية إلى " باستيل" قوام وضعه الداخلي الفوضى والفوضى المضادة، وتدمير كل أسباب توازناته.
هذه الوضعية في النهاية تقود إلى نتيجة أولية هي عزل الجامعة عن محيطها وعن سياق التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية وتهميش أو إلغاء دورها المحتمل، وتسويق صورة هجينة سيئة عنها باعتبارها "قلعة الشر" و"الأشرار"، لتعضيد عوامل النفور والابتعاد عنها، والإطاحة بهيبتها وصيتها وبأدائها المعرفي والأكاديمي والعلمي، ويبدو أن هذا هو إحدى مظاهر الرؤية "التجزيئية" التي تنظر إلى الجامعة ككيان مستقل قائم الذات مغلق ومعزول عن حركية المجتمع ولا هدف لها في النهاية. ومن هذه الزاوية بالذات نستطيع أن نستوعب الدور المرسوم للجامعة ووظيفتها وإرادة محاصرة سلطانها وامتداداتها الممكنة داخل المجتمع.
المثير في هذا الصدد أن جامعة مولاي إسماعيل بمكناس أصدرت بلاغا إلى الرأي العام تعتبر فيه الحدث فعلا أو عملا معزولا، وهو ما يمكن أن نجد أصداءه في كثير من الأدبيات الموازية والتصريحات الرسمية المرتبطة بالموضوع، والحقيقة أن النظر إلى الظاهرة بهذه الصورة لا يعدو أن يكون مجاراة لمنحى تضليلي في مواجهة الوقائع وتفسيرها وتأويلها، ولذلك يبدو من الموضوعي ومن باب المسؤولية ، والحرص على مستقبل ودور الجامعة المغربية التأكيد أن مثل هذه الأعمال ليست بالمرة معزولة، والقول بأنها بدون تاريخ، أو هي نتاج خطأ غير مقصود لا يتعدى ذاته مجانب للحقيقة، فهي أعمال، بالقوة والفعل، مندرجة ضمن سياق غامض، شائك ومتقلب من الممارسات والأفعال التي تستهدف الجامعة وأمنها المعرفي ودورها الريادي، والأحداث أو الوقائع المرجعية التي شهدتها الكثير من المواقع الجامعية وبلغت أوجها في سلم درجات القسوة وانتهت بالاغتيالات والقتل أقوى دليل على ذلك، و ما نلمسه في هذا الشأن أيضا هو أن آليات تدبير وتصريف العنف داخل الجامعة آخذة في التطور والنمو والتنوع، ولكل مرحلة عتادها وأسلحتها الآنية وأدواتها وموادها التطبيقية والنظرية والبرنامجية، وهي جاهزة في أي وقت وحين للتدخل وتفجير الوضع الطبيعي للجامعة وشحن فضاءاته بمنطق الدم بالدم والفوضى الخانقة.
ولا نغالي إذا قلنا إن جامعة مولاي إسماعيل بالذات على مدى ما يزيد عن عشر سنوات تعاني من تداعيات وإيقاعات العنف والرعب الذي حولته "جماعات" و"مليشيات" طلابية أو شبه طلابية إلى طقس يومي داخل بعض المؤسسات الجامعية، وخلال الموسم الجامعي الفارط (2015- 2016)، مثلا، عاشت كلية آداب مكناس على امتداد ما يفوق شهرين متتابعين وضعا مأساويا أقرب إلى أجواء الحروب الأهلية، حيث خضعت لسلطة التسيير الذاتي من طرف " ميلشيات " منظمة ومسلحة بكل ألوان الأسلحة البدائية المعروفة، ومارست كل أشكال التخريب والتدمير الشامل لممتلكاتها العمومية والخصوصية وفرضت "شريعة الغاب" على كل مكوناتها ، واحتجزت بعض موظفيها في مكاتبهم لأيام متتالية، واضطرت إدارة الكلية مستكينة أن تكفكف خسائرها وتستسلم لسيطرة "تنظيم الغزاة"، وتُقْدِمَ على ما يشبه تسليم مفاتيح قيادة وتدبير شؤون الكلية التربوية لنزوات مطالب طائشة هوجاء لم يكن الهدف منها في الواقع غير ضرب مصداقية الجامعة والاستهتار بتقاليدها وأعرافها وتحقير المقررات والمقتضيات التشريعية الجاري بها العمل.
إن ظاهرة العنف في الجامعة المغربية آخذة في الانتشار والازدهار وتغذيها بشكل مباشر أو غير مباشر حدة الانكسارات والانهيارات التي عاني منها التعليم العالي جراء الفشل الذريع لسلسلة الإصلاحات العشوائية التي فرضت عليه، والتدهور الفظيع الذي اعترى مستوى التحصيل العلمي والمعرفي وساهم في اختلال العلاقات بين كل أطراف العمليات التربوية حيث يتحكم منطق المحسوبيات واللامسؤولية والزبونية وعدم تكافؤ الفرص ، واتساع الفجوة بين التعليم العالي وسوق الشغل، إضافة إلى غياب رؤية استراتيجية وطنية رائدة تحدد الأهداف السياسية والثقافية والاجتماعية المتوخاة من التعليم العالي... واستعارة ذريعة الحالات المعزولة لن تزيد الأوضاع إلا استفحالا، والوقائع المتكررة التي تلاحقنا تفرض لزاما إعادة تقييم جذرية للأوضاع داخل الجامعة المغربية، وتطوير المنظور نحو منحها دورا أكثر فعالية ونجاعة، وتشخيص "الوضع الأمني" داخلها وانتشال صورتها من سياق كونها "مجتمعا عدوانيا"( كومونة أو إمارة) وتحويلها إلى فضاء مفتوح للحرية والإبداع والاختلاف والتعدد والتسامح والتعايش والحوار والخلق والابتكار، فضاء يكتسب فيها الجميع ( الأستاذ والطالب..) العادات والأساليب الديموقراطية في التفكير والسلوك ويتمرس على الفكر النقدي والممارسة العقلانية.
سعيدي المولودي
كلية الآداب .مكناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و