الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهم يديرون الأزمة

مصطفى مجدي الجمال

2016 / 5 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


((السمة الغالبة على أداء السلطة الحالية هي التركيز على إدارة أزمة النظام، ومن ثم فليس لدى هذه السلطة رؤية شاملة حتى لإدارة المنازعات الداخلية في التحالف الحاكم المضطرب. ومع ذلك يصح القول بأن الخيارات الاستراتيجية الكبرى للسلطة واضحة، أو لم يتغير الكثير منها: ليبرالية اقتصادية مقترنة بالفساد والمحسوبية والتبعية والرضوخ لإملاءات المؤسسات المالية الدولية وتخلي الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية وتدليل "المستثمرين".. الخ، إلى جانب الارتهان النسبي لإملاءات وضغوط إقليمية ودولية باتباع سياسات دبلوماسية وعسكرية وحتى داخلية قد تضر جزئيًا بمصالح النظام نفسه. ويضاف إلى ماسبق من خيارات، أن أداء النظام ككل بالغ السوء، حتى في خدمة مصالحه طوية الأمد، ناهيك عن محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد)).

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=496568

.. كان هذا ما كتبته في مقال سابق بالحوار المتمدن حاولت فيه إجراء تقدير موقف شامل لأوضاع في مصر. وأعتقد أنه قد حانت الآن قراءة الميزان الحسابي للرئيس "الضرورة".. فقد وضعت عليه جماهير عريضة آمالاً كبيرة ثبت أنها تفوق طاقته وطبيعته وثقافته وانحيازاته.. وذلك تحت وطأة التهديد الوجودي الغاشم الذي شكلته هيمنة جماعة الإخوان على السلطة والمجتمع لفترة بالغة الاضطراب في تاريخ مصر الحديث..

لقد أدى الرئيس الحالي دورًا مهمًا ولا شك على رأس المؤسسة العسكرية في إحباط مخطط تمكين الإخوان من مصر، المدعوم ماليًا وسياسيًا وإعلاميًا من قوى دولية وإقليمية.. وبالطبع كانت أمامه فرصة تاريخية نادرة للاستفادة من الموجة الشعبية الهائلة التي رفعته إلى مستويات عالية جدًا من الأريحية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الضرورية "تاريخيًا".. لكن كان هذا بالطبع حلمًا بعيد المنال للأسباب الشخصية سابقة الذكر، الأمر الذي جعل حتى "الكاريزما" التي صنعها موقفه من سلطة الإخوان تتآكل بسرعة لم تكن متوقعة أبدًا..

يضاف إلى ما سبق عدة عوامل أهم، إذا افترضنا من الأصل أن كانت لديه النية للقيام باختراق تاريخي لا بديل عنه- في نظرنا- لإخراج مصر وثورتها من محنتيهما. ونذكر منها أربعة عوامل فقط تتفاوت أهميتها من وقت لآخر:

## العامل الأول يتعلق بوضعية الدولة المصرية ذاتها التي ترسخت أبعادها منذ منتصف السبعينيات، من تبعية، واستخدام موروث الشمولية الناصرية وأساليب الدولة البوليسية وشراء الولاء السياسي..الخ لتمرير مخططات الليبرالية الجديدة، واستشراء الفساد حتى أصبح من تضاريس جهاز الدولة المصرية في القمة كما في القاع، وتبلور نخب تراكمت لديها مصادر مهولة من الثروات والتسلط وحتى السلطة الثقافية والإعلامية في المجتمع.

## العامل الثاني يتعلق بمشروطية علاقة الرئيس بالمؤسسة التي رفعته إلى قمتها في توقيت بالغ الحرج بالنسبة لها، تحت ضغوط وألاعيب الحليف الغربي، ومخططاته في المنطقة لتدمير نظم وتخريب مجتمعات وتقزيم مصر إلى أبعد الحدود، ومخاطر التهديد الصهيوني المتعاظم (ولا يجوز لأحد أن يتصور أن "الهم الإسرائيلي" يمكن أن يخرج يومًا من الفكر الاستراتيجي للمؤسسة العسكرية المصرية.. ولو من باب التنافس كحد أدنى)، والإرهاب الذي يتفاقم على الحدود وحتى في أعماق المجتمع الحضري والريفي.

وعلى سبيل البسيط المخل- طبعًا- كانت المؤسسة العسكرية تواجه خطر توريث جمال مبارك ونخبته، فلم يكن أمام قادتها إلا إبداء التعاطف المحسوب مع الموجة الجماهيرية العاتية، غير أنها تداركت هذا "الخطر الجديد المفاجئ والأهم" بالتعاون والمساعدة في فتح أبواب السلطة (بكافة أبعادها) أمام توسيع نفوذ النخب الإخوانية مع حجز مساحة للسلفيين على أمل موازنة الخطر الإخواني. وبالطبع لم تكن هناك تناقضات تذكر على مستوى الخيارات الاجتماعية والاقتصادية بين نخب أساسها الطبقي واحد تقريبًا.

لكن جشع وخيانة جماعة الإخوان لهذا التفاهم الضمني (وربما السري) وتسرعهم لالتهام الدولة بأكملها، إلى حد التخطيط والشروع العملي في تنفيذ إجراءات تمس نخب القضاء والأمن والبيروقراطية والمال والإعلام وحتى الجيش نفسه، فضلاً عن تفاهمات وتواطؤ مع الجماعات الإرهابية ورعاتها الإقليميين والدوليين.. هذه التطورات الدرامية السلبية جدًا دفعت قمة المؤسسة العسكرية للتفاعل "الإيجابي" مع الموجة الشعبية والديمقراطية المتصاعدة ضد مخاطر تبلور "جمهورية الإخوان"، فكان لا بد من التحالف مع النخب الليبرالية ومعظم التيارات الوطنية والقومية واليسارية.. وفي الوقت نفسه تم حجز مساحة أوسع للتيار السلفي (بدافع الموازنة مع الإخوان ودحض الاتهام بالعداء "للإسلام"، وكأحد شروط اكتساب الدعم من الظهير الخليجي).

ومع استتباب الأمور نسبيًا للتركيبة التي أفلحت في إسقاط الحكم الإخواني، بدأ التخلص (تدريجيًا أحيانًا وبعنف أحيانا أخرى) من "الحمولة الزائدة" في تحالف 30 يونيو..

## العامل الثالث يتعلق بشروط العولمة الغربية المفروضة على مصر كما غيرها، والتي لا يمكن الفكاك منها جزئيًا إلا بتغيير طبقي جذري في طبيعة الحكم. فضلاً عن خضوع المنطقة بأكملها تقريبًا لعملية هندسة جديدة (سايكس بيكو 2) تتطلب تفكيك دول وهدم مجتمعات وإشعال الصراعات الدنيا.. كما استغلت دول الخليج الثرية هذه العملية الاستعمارية الجديدة لتثبيت نظمها الهشة أمام تلك المخاطر، كي تحولها إلى مكاسب من خلال تعظيم نفوذها في أكبر وأقوى دولة عربية.. ومن هنا، ولكل ما سبق لا يستطيع نظام، طبيعته الطبقية الأصلية ثابتة تقريبًا منذ عهد مبارك، أن يفكر مجرد التفكير (وهذا افتراض جدلي محض) في الفكاك مثلاً من أسر المؤسسات المالية الدولية، أو إجراء إصلاحات اجتماعية "جذرية" لمصلحة الطبقات الشعبية، أو ضرب النخب المحلية المتشابكة عضويًا مع الهيمنة الرأسمالية الغربية، أو سحق التيارات السلفية التي تنشر الجهالة والتعصب والفتن.. الخ.

## العامل الرابع يتعلق بموازين القوى.. وبالتحديد ماذا جرى للقوى الثورية الراديكالية التي فجرت ثورة يناير واشتركت في 30 يونيو. ولا أنوي هنا الاستفاضة في ذلك. لكنني أورد نصًا ما ذكرته في مقال سابق:

((= فأحزاب اليسار والقوميين والديمقراطيين ممزقة ومنقسمة على بعضها وفيما بينها، وتنكمش عضويتها وقواعدها الجماهيرية، وأصبحت الكلمة العليا هي للخلافات الذاتية والتكتيكية وحتى المصطنعة والمبالغ فيها. أما ائتلافات ثورة يناير فقد تبخر معظمها تقريبًا.
= ولم يعد للفعاليات النقابية (العمالية والمهنية) مواقف عامة موحدة، بل بلغ التشرذم مداه، خاصة وسط النقابات العمالية المستقلة التي تعاني أيضًا من أزمات تمويلية وقانونية وأمنية.
= وحتى على مستوى الزعامات (التي يمكن أن تسد مؤقتًا جزءًا من الفراغ التنظيمي للقوى الثورية) فمن المؤسف القول بأن معظم الزعامات التي قدمتها ثورة يناير غلب عليها الطابع الليبرالي، وتغليب المصالح الشخصية، والتأثر بنفوذ أجنبي أو احتكارات محلية.
= وبينما نعيش عصر ثورة الاتصال، نجد القوى الثورية والديمقراطية لا تملك وسيلة إعلامية واحدة نافذة.
= والأخطر من كل ما سبق هو عجز القوى الثورية والديمقراطية من بناء جبهة عريضة ومتماسكة للحفاظ على مطالب الثورة ومهامها، وردم الفجوات بين "النخب" الثورية والشعب، وتوحيد الكلمة في مواجهة أعداء الثورة، والتصدي للمخاطر المحيقة بالوطن والطبقات الشعبية.
......
يجب أولاً الاعتراف- دون أي جلد مازوخي للذات- بأن رداءة التنظيم الثوري وتفكك القوى الديمقراطية كانا من أهم أسباب ما جرى لانتفاضة يناير بعد خلع مبارك، ولانتفاضة يونيو بعد خلع مرسي.. فالفراغ لا يملؤه إلا الأقوياء، وقد نجحت القوى المضادة للثورة في ملئه في الحالتين معتمدة على أسلحة ومؤسسات وأموال وإعلام وأيديولوجيا ورموز وظهراء في الخارج..

وهكذا فقد آلت فعاليات انتفاضة يناير إلى التوقف عند منع عودة مبارك أو توريث ابنه، كما آلت فعاليات انتفاضة يونيو إلى منع استمرار الإخوان في الحكم..

أما عن المشروع الثوري نفسه فلم تتحقق منه سوى جزئيات ومكاسب وقتية تم التراجع عن بعضها في وقت لاحق مناسب.))
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=496568

ولا شك أن هذه الحال لا تساعد بالمرة في فرض وقائع تغيير أو إصلاح حقيقية، بفرض وجود من هو على استعداد في السلطة لتلبيتها أو إفساح الطريق أمام بعضها..

... نستنتج من كل ما سبق أن السلطة الحالية تدير أزمة النظام لا أكثر بعد محنة صعبة جدًا تعرض لها على مدى السنوات الست الماضية.. وكان لهذه المحنة مرحلتان أساسيتان.. الأولى تجلت في خطر ثورة ديمقراطية أخذت طابعًا شعبيًا واجتماعيًا بعد أيام قليلة من اندلاعها.. والثانية خطر استيلاء قطاع من النخبة (قيادات جماعة الإخوان) على الدولة بأكملها..

وأتصور أن السلطة الحالية تدير الأزمة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي معًا.

** فعلى المستوى التكتيكي، أستخلص من ممارسات السلطة، وقمتها تحديدًا، أن جوهر الأزمة في نظرها هي الأزمة المالية، وهي تحاول التغلب على هذا بالمنح الخليجية والقروض الدولية وربما تسويق الدور الإقليمي المصري، بالإضافة طبعًا إلى تعميق الطابع الجبائي للدولة المصرية ومحاولة الحد من الإنفاق الاجتماعي. واتساقًا مع هذه العقلية "التجارية" لا تمانع السلطة في تقديم تنازلات سياسية بل والانزلاق إلى تنازلات استراتيجية أحيانًا قد تتصور أن بالإمكان تداركها في المستقبل حينما "تنعدل الأحوال".

ومن المؤكد أن تيار المال الداعم معرض للانحسار لأسباب كثيرة جدًا، ربما سيكون من أسبابها "التعب من مساعدة مصر"، أو أن تنطوي على تنازلات لا تحتملها الطبقات الشعبية أو الكرامة الوطنية لبلد عريق كمصر. ومن ثم فالأرجح أن نكون سائرين في الطريق من أزمة إلى أزمات، قد لا تجد حلاً في النهاية وتنذر بأخطار وجودية على البلد ككل، ناهيك عن النظام نفسه.

** ورغم غلبة التفكير قصير الأمد، والخطي والأحادي والجزئي، الذي يسيطر بالضبط على ذهنية من "يدير أزمة" لا من يقود ثورة أو إصلاحًا، فأظن أن لديها أيضًا تصورًا استراتيجيًا ما (مهما كان قاصرًا في تحليلنا) قد يكون أقرب إلى "نموذج الدولة التنموية" لكن مع تشوهات خطيرة. وهو ما يفسر إقدام السلطة (رغم الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة) على مشروعات بالغة الضخامة (ازدواج قناة السويس، العاصمة الإدارية الجديدة..الخ) والتي يطلق عليها في أدبيات الاقتصاد السياسي "مشاريع الفيل الأبيض"، التي يكون من ضمن أهدافها الكثيرة إشعال الخيال الوطني، وتنشيط الطلب الكلي الفعال في السوق المحلية، إلى جانب فوائد أخرى مثل إسالة لعاب الاحتكارات الدولية وتوفير منافع هائلة لقطاعات في النخب المحلية (لكسب التأييد السياسي الخارجي والمحلي) خاصة وأن المشروعات غير المدروسة جيدًا تكون أبهظ في التكاليف عنها إذا أجريت في ظروف عادية ومناخ محاسبة ديمقراطي وآماد زمنية معقولة.

وقد غاب عن أصحاب هذا "الخيار الاستراتيجي" أن تجارب الدول التنموية "الناجحة" (مثل كوريا الجنوبية والنمور الجدد في شرق آسيا) قد جرت في ظروف الحرب الباردة، وبإسناد إمبريالي هائل بالاستثمارات والتكنولوجيا وفتح الأسواق أمام منتجاتها، كما أنها جرت بتكلفة إنسانية رهيبة على المستويين الاجتماعي والسياسي. كما اهتمت تلك التجارب ببناء قاعدة صناعية وطنية وتطوير الزراعة والاهتمام بالتعليم وتوطين التكنولوجيا.. وهذه كلها تقريبًا تبدو من المحرمات على النظم التابعة، أو غائبة عن تفكيرها لأسباب طبقية وأيديولوجية واضحة.

وقد انتهت أحدث الدراسات حول إمكانية عودة تجارب الدولة التنموية إلى أنه من المستحيل تكرار التجارب بحذافيرها في ظل "الضعف" النسبي- مازال- للقوى الدولية الصاعدة (الصين، روسيا، الهند إلى حد ما)، فضلاً عن طابعها الرأسمالي الواضح أو المتزايد. أضف إلى ذلك انتشار مبادئ حقوق الإنسان (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى جانب المدنية والسياسية). ومن ثم يراهن البعض على بروز "دول تنموية ديمقراطية" في المستقبل.. وفي ظني أن هذا لن يتحقق إلا في ظل نظم من طبيعة طبقية مختلفة عما نراه..

....
ربما يكون من المناسب في الخاتمة أن نكرر القول بأن القوى الثورية الحقة هي التي تراهن على الطاقات الشعبية، لا على التناقضات الثانوية بين النخب الطبقية الرأسمالية والرجعية..

وأن القوى الثورية الحقة هي التي لا تراهن على تلقائية التحركات الجماهيرية، أو بالعكس تمعن في الانعزال بداعي النقاء والتطهر. وهي أيضًا القوى التي تُعلي قيم العلم السياسي الثوري، وتعرف أهمية التنظيم، وضرورة الجبهة، وجذرية البرنامج ومرونته.. مع الحفاظ دومًا على البوصلة الثورية..

وقبل هذا وذاك أن تغتسل من أدران الرطانة والنزعات الذاتية والشخصية، وأن تتواجد وسط المواطنين بالقول والفعل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بلد فى ازمه
عادل حسين ( 2016 / 5 / 27 - 04:19 )
شكرا لمقال تحليلى رائع , اعتقد ان التغيير الكلى للنظام الفاسد فى مصر شئ مستبعد بل ويكون مستحيل حدوثه ازاء مخزون الفساد المروع والكارثى على مدى اكثر من ستين عام كالحه وهى فتره حكم العسكر البغيضه الجدباء الفاسده , النظام الذى يحكم مصر الان هو نظام مبارك الفاسد العفن وان كان يقوم بالمهمه جنرال فاسد اخر كان من ضمن عصابه مبارك الاثمه , النظام الغبى يقوم الان بعمل ضمادات مؤقته ومسكنات لكى يخدع الناس ويستغفلهم ويضحك عليهم , لكن هذا النظام الاعور يجب ان يخشئ شئ محتمل جدا حدوثه قريبا الا وهو ثوره الجياع والبؤساء عندها سوف لن تنجح ابدا الضمادات المؤقته ولايعرف احد ابدا كيف ستكون تداعيات المستقبل الغامض وغضبه الجائع اليائس

اخر الافلام

.. ترامب يلتقي بايدن في البيت الأبيض ويؤكد أن عملية انتقال السل


.. فرنسا: الادعاء يطلب حبس مارين لوبن وحرمانها من المناصب العام




.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف تجمعا للفلسطينيين وسط قطا


.. معروف بدعمه -الشديد- لإسرائيل.. ترمب يرشح ماركو روبيو لمنصب




.. الطائرات الحربية الإسرائيلية تجدد قصفها على الضاحية الجنوبية