الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة اوباما لفيتنام وهيروشيما، وهديته الوداعية لمحبي السلام: الفلوجه والرقة

ميشيل حنا الحاج

2016 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الرئيس باراك أوباما جاء الى مقعد الرئاسة الأميركية وهو يحمل باقة زيتون دليلا على حبه ورغبته بالحفاظ على السلام، فكأني به قد دخل في منافسة مع المرحوم ياسر عرفات لدى زيارته للأمم المتحدة منذ عقود مضت، اذ ولج عرفات عندئذ بابها حاملا غصن الزيتون الأخضر. واذا كان غصن الزيتون قد ذوى وذبل في يد الرئيس المرحوم ابو عمار، دون أن ينجح في التوصل الى سلام حقيقي نتيجة التعنت والمراوغة والمماطلة الاسرائيلية، فان الرئيس أوباما قد تشبث بباقة الزيتون التي من أجلها حصل على جائزة نوبل للسلام، مصرا على عدم خوض حروب في عهده الا حربا واحدة أعلنها ضد الدولة الاسلامية، رغم كونه ظل مقيدا في كم حركته القتالية ضدها، والمحددة بالتحجيم دون التصفية والانهاء طالما بقي تنظيم القاعدة قائما، وذلك تنفيذا لسياسات أميركية رسمت من قبل سلفه الحاقد على "القاعدة" نتيجة ضربة الحادي عشر من أيلول الموجعة التي وجهت للولايات المتحدة في عهده. فهو، أي الرئيس بوش الابن.. سلف أوباما، لغايات تنفيذ مهمة متعلقة بتنظيم القاعدة، سمح بظهور الدولة الاسلامية تحت أعين وبصر كل العيون الأميركية، معتمدا استراتيجية خاصة لكيفية وحدود التعامل معها، والتي قد تأذن بالسعي لتحجيمها اذا خرجت عن الخط المعتمد لها، لكن دون بلوغ مرحلة قتلها أو اغتيالها، طالما أنها لم تزل تخدم مصالح أميركية متمثلة بتفكيك تنظيم القاعدة وتحجيمها.

ولم يكتف الرئيس أوباما بعدم اشعال حروب أسوة بما فعله أسلافه، أي الرئيس بوش الأب الذي أعلن حربا على العراق باسم عاصفة الصحراء، وبيل كلينتون الذي خاض معارك في البوسنة-هرسك ثم الصومال، وبوش الابن الذي خاض حربين في كل من أفغانستان والعراق ... بل سعى أيضا الرئيس لاطفاء حروب أو نزاعات كان أسلافه قد أشعلوها. وهكذا سعى لاطفاء نار النزاع مع ايران عبر اتفاق خمسة زائد واحد حول ملفها النووي، كما سعى لانهاء النزاع الطويل مع كوبا، بل وزار فيتنام التي خاضت الولايات حربا مريرة طويلة على أرضها، كما ذهب الى هيروشيما، ليس معتذرا نادما، لكن معزيا بضحاياها.
وحاول جهده أن يشق الطريق نحو حل أو لحلحة حل ملف آخر مستعص هو ملف الشعب الفلسطيني الذي هضمت حقوقه وابتلعها أسد كاسر اسمه اسرائيل. لكنه جوبه بالتصلب الاسرائيلي وبغروره المستمد قوته من السلف الأميركي. وبسبب عدم مباركته، كما فعل أسلافه، للموقف الاسرائيلي المتعنت، دخل أكثر من مرة في مواجهة مع نتنياهو رئيس وزرائها، الأمر الذي شكل سابقة في نوعية العلاقة بين الدولتين، وهي سابقة استفزت رئيس الوزراء الاسرائيلي، ودفعته لسلوك متحد ومستفز مقابل للرئيس الأميركي في اكثر من مرة، ضاربا عرض الحائط بدوافع ونوايا الرئيس أوباما، والتي أفرزت مواجهة مع اسرائيل، لا عداء منه لاسرائيل، بل تأكيدا لمساعيه لتحقيق السلام ولعزوفه عن الحروب.

ورغم قيود فرضتها عليه استراتيجية رسمها سلفه ومؤسسات أخرى عديدة تلعب دورها الفاعل في النهج الأميركي الخاص بكيفية التعامل مع الدولة الاسلامية، ومنها مجموعات الصناعة العسكرية الأميركية، ومخططو الاستراتيجية الأميركية بعيدة المدى والتي تحد من قدرات الرئيس في كيفية ومدى التعامل مع تلك الدولة الشرسة... رغم تلك القيود التي تحيط به وتشكل خيوطا حوله تكاد تكون كخيوط شبكة العنكبوت ، قرر الرئيس أوباما أن يوجه الآن ضربة مميزة للدولة الاسلامية، ليست قاضية عليها، ولكنها ضربة معطلة ومؤخرة لفترة زمنية ما، لمخططاتها التي خرجت عن حدود المتوقع.

ومن هنا اعتمد نهج معركة كبرى متزامنة في كل من الفلوجة في العراق، والرقة (أو محيط الرقة) في سوريا، كهدية وداعية غايتها تحجم الدولة الاسلامية ولو الى حين، بشكل أكثر جدية وقدرة على الحد من شططها فيما تنفذه من أعمال همجية فاقت كل التوقعات. تلك اذن هي هديته الوداعية قبل مغادرته لمقعد الرئاسة بعد بضعة شهور. ومن أجل تحويلها لهدية قيمة تذكر به وبعهده، قرر أن يجعل من الضربات التي ستنفذ خلالها، ضربات موجعة، ضربات ومتميزة نوعا وكما، عن كل الضربات الواهية الوهمية التي نفذت خلال ما يقارب العامين الماضيين.

والواقع أن تنسيق توقيت العمليتين في آن واحد، والاستعداد الجيد الملموس لهما والمرجح بتواجد مزيد من الخبراء العسكريين الأميركيين على الجانبين، العراقي والسوري، وخصوصا الى جانب جيش سوريا الدمقراطي ذو الأغلبية الكردية، حيث زاد عدد الخبراء كثيرا عما ذكر أنه بحدود الخمسين عنصرا، اضافة للتغطية الجوية المركزة هذه المرة (أكثر من المرات السابقة التي تعلقت بحماية اكراد العراق أو سوريا)، والساعية الآن لتمكين جيش سوريا الدمقراطي من السيطرة على المناطق المحيطة بالرقة، وعلى المواقع الحدودية مع تركيا ومنها موقع "أعزاز" الذي يشكل نقطة هامة لتموين وتعزيز القدرات العسكرية للقوى الداعشية... بل والأهم من ذلك كله، سكوت الرئيس أوباما مضطرا عن مشاركة الحشد الشعبي في معركة الفلوجة خلافا لموقف سابق اعتمده لدى معركة تحرير تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين قبل قرابة العام، عندما تردد في المشاركة فيها احتجاجا على مشاركة الحشد الشعبي فيها. فهذا يدل على مدى جديته الآن في خوض هاتين المعركتين ، ليجعلهما معركتين مميزتين يذكر التاريخ أنه تم خوضهما في عهده كهدية وداعية رمزية منه، تؤكد حبه للسلام، وترجح أن عجزه السابق في مقاتلة الدولة الاسلامية، لم يكن مرده تعاطفا معها أو حبا بها، بل نتيجة قيود فرضت عليه رغم ارادته، ورغم كل سلطاته كرئيس للجمهورية، وهي القيود التي تفرضها عليه مراكز هامة للقوى في الولايات المتحدة تأكد وجودها عندما تمت تصفية الرئيس جون كينيدي عام 1963 في عملية مشبوهة تعذر حتى الآن الكشف عن حقائقها وخفاياها، بل ومن كان وراءها، رغم كل المؤشرات التي تلمح الى دور فيها لمراكز القوى والنفوذ في الدولة الأميركية، التي قررت تصفية الرئيس كنيدي عقابا له على تحديه لرغباتها في الدخول في مواجهة عسكرية مع كوبا ومع الاتحاد السوفياتي، وتفضيله اعتماد الحلول السلمية لهاتين الأزمتين.

فالرئيس أوباما الدمقراطي الانتماء، قد تعلم درسا من تجربة الرئيس كنيدي الدمقراطي الانتماء أيضا، والذي ربما اعتمده مثلا أعلى له... تعلم من تجربة كنيدي المتحدية لمراكز القوى الخفية في الولايات المتحدة.

فقد أحب الرئيس أوباما السلام واعتمده نهجا، لكنه وضع حدودا لنفسه لا يتجاوزها، رغم كونه الرئيس، القائد العام للقوات المسلحة، صاحب حق اتخاذ قرار الفيتو على قرارات مؤسسات أخرى كالكونجرس مثلا.

وقد تجنب تخطي تلك الحدود، في نهج وأسلوب ومدى التشدد في التعامل مع قضيتين هامتين:
أولهما كيفية التعامل مع اسرائيل. فقد جابه نتانياهو، ولكن الى حد ما لم يستطع تجاوزه خوفا من مراكز القوى التي تعتبر أمن الولايات المتحدة وأمن اسرائيل جناحان لطير واحد.
وثانيهما: حدود التعامل مع الدولة الاسلامية. فقد دخل في مجابهة معها، ولكن الى حد ما لم يستطع تجاوزه، مع أنه يقدم الآن على توسيع مواجهته معها كهدية وداعية لمحبي الخير والسلام. وهي هدية وداعية بات الآن قادرا على تنفيذها لكونه في أيامه الأخيرة على كرسي القيادة، ولن يجد المهيمنون على مراكز القوى في أميركا، فائدة من اغتياله أو ايذائه طالما أنه راحل لا محالة بعد شهور قليلة.

ولعل قيام الرئيس أوباما بتصفية حسابات الولايات المتحدة مع كوبا، واعادتها الى نقائها، هي هديته لروح الرئيس جون كنيدي الذي دفع حياته ثمنا للموقف المعتدل والحكيم الذي اتخذه في عام 1962 حماية للسلام العالمي، وصونا لأمن البشرية كلها التي من أجل حمايتها، دفع كينيدي حياته ثمنا لما أثاره من غضب في نفوس وحوش تقبع في مراكز القوى في الولايات المتحدة، ولا تقيم حسابا أو وزنا الا لمصالحها الأنانية.
ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف