الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تفشل الدولة السورية في القضاء على الإرهاب؟

ناجح شاهين

2016 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



المجموعات المسلحة التي تقاتل جيشاً نظامياً يتفوق عليها في السلاح تختفي وسط المدنيين. تمارس حرب عصابات وكر وفر وتصطاد الجيش النظامي هنا وهناك وتستنزفه. ماذا يستطيع الجيش خصوصاً عندما لا يمتلك الخبرة في هذا النوع من القتال تجاهها؟ وبشكل أوسع ماذا تفعل الدولة في مواجهة التحدي الإرهابي؟ تعرفون أن الدولة بتعريف ابن خلدون وماكس فيبر تحتكر ما يسمى "العنف الشرعي". لا أحد يحق له رفع السلاح داخل الدولة إلا جيشها وأجهزتها. بمجرد أن يرفع سلاح آخر تقوم الدولة بالرد دون هوادة، وإذا لم تقم بذلك، سماها علم السياسة دولة فاشلة. دعونا نسأل التاريخ.
في الحرب الأوروبية الكبرى بين 1939 و 1945 واجه الألمان تمرداً شجاعاً في وارسو عاصمة بولندا. حاول الألمان بضعة أسابيع مواجهة الأمر بشتى الطرق. في النهاية اكتشفت القيادة النازية أن هناك طريقة واحدة لقمع التمرد: قتل المتمردين مع حاضنتهم الشعبية. وهكذا أزيلت وارسو عن طريق المدفعية والطيران من الوجود وانتهى التمرد.
في العام 1979 تحصنت مجموعة صغيرة من الشبان يقودهم شاب سعودي اسمه جهيمان العتيبي في الكعبة، كانت لهم مطالب سياسية متواضعة. بعد ساعات ليست بالكثيرة اقتحمت القوات الخاصة بإشراف المخابرات الأمريكية المكان، هدمت المباني على رؤوس المعتصمين فيها، قتلت من تواجد من متمردين ومصلين، وانتهى الأمر بموت كل من تواجد في المكان.
في العام 1985 اعتصم بضعة وستون شخصاً في مبنى في عاصمة الولايات المتحدة الأولى فيلادلفيا. كانوا عبارة عن عشرين متمرداً من حركة "موف" move وعائلاتهم من أطفال ونساء، حاصرت عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالية المكان بضعة أيام، وعززتها الطائرات وقوات الجيش. كان المحاصرون أضعف بالطبع من أن يشكلوا أي تهديد ل "أمن" الولايات المتحدة، لكن بعد انتهاء مدة الإنذار لهم بالاستسلام قامت طائرات ف 15 بقصف المبنى وتسويته بالتراب. قتل المعتصمون كافة، المسلحون والعزل على السواء.
في الأعوام التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق في الأعوام 2004-2007 كان هناك مقاومة عنيفة للمحتل. وقد شهدت مدينة الفلوجة أشد أشكال المقاومة. كان لا بد من القضاء على المقاومة دون فقدان الجنود الأمريكيين، مع أنه كان بالإمكان التضحية بجنود بلاك ووتر المرتزقة. تم قصف أحياء الفلوجة من الجو والبر بالأسلحة الثقيلة واسعة التدمير. قتل مدنيون أضعاف المقاومين، وتم للمحتل تدمير المقاومة وتصفيتها. لا يمكن القول إن هناك فارقاً كبيراً بين ما فعله هتلر في وارسو وما فعله بوش في الفلوجة.
في صراع الاحتلال "الإسرائيلي" ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته خصوصاً في غزة، لا يخفى على أحد التفوق الساحق للمحتل. لكنه مع ذلك عندما تحدث مواجهة من أي نوع يقوم بقتال الفلسطينيين باستخدام قوة هائلة "غير متكافئة" على رأي الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق يمكن أن يقتل عشرات أو مئات المدنيين من أجل اصطياد مقاوم واحد. وفي حالات كثيرة من قبيل اغتيال قادة حماس مثل "صيام" تم تدمير عمارات من عشرات الطوابق وقتل من فيها من عائلات بغرض القضاء على مقاوم واحد.
من نافلة القول إننا ضربنا أمثلة لم يكن فيها أي تهديد جدي لوجود الدولة أو أمنها بالمعنى المؤثر للكلمة. كانت مجرد حوادث متفرقة تحدى فيها مسلحون سلطة الدولة فردت عليهم بأشد قوة ممكنة. القاعدة طبقت بحذافيرها: رفع السلاح ضد الدولة هو في حد ذاته سبب لقيام الدولة بالرد بكل ما لديها من قوة.
لاحظوا أن حالة الاحتلال هي أشد شناعة وأقل تسويغاً من حالة التمرد ضد الدولة على أرضها. المحتل ليس في موقف "شرعي" أصلاً، مثلما في حالة الألمان في بولندا، الأمريكيين في العراق، والصهيونية في فلسطين.
المثال السعودي ومثال فيلادلفيا يخصان التمرد داخل نطاق الدولة ذاتها. وهذا ما تتعرض له الدولة السورية منذ سنوات. تخيلوا لو أن الجارة كندا أو المكسيك زودت المتمردين في فيلادلفيا بالسلاح، أو أرسلت متطوعين لدعمهم، ما الذي كان سيجري؟ لا نبالغ، أبداً لا نقصد المبالغة، مجلس الأمن القومي الأمريكي كان سيجتمع ويعطي الرئيس الضوء الأخضر لقصفها بالقنابل النووية فوراً، فوراً دون أي إبطاء.
وحدها الدولة السورية في سياق قواعد يقررها شرطي العالم الأمريكي يجب أن تقاتل مئات الآلاف من المتمردين المدججين بالسلاح والمدعومين من الجيران جميعاً، ومن أثرياء المنطقة، ومن عدو العرب وعدو الدولة السورية المسمى "إسرائيل" وتحت إشراف الاستعمار العالمي. وحدها الدولة السورية يجب أن تقاتل ملتزمة بأخلاق الحرب كلها التي قررتها منظمات الأمم المتحدة والتي لم تقررها. وإن حصلت شبهة استخدام السلاح الكيماوي في المعركة دون إثبات من الذي استخدمه فإن الدولة السورية تخضع للابتزاز ويهددها الأمريكي بالغزو إن لم تسلم سلاحها فوراً. وترضخ الدولة السورية إذ ليس أمامها خيار آخر.
الدولة السورية لن تنجح أبداً في القضاء على الإرهاب المعولم الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ومن يدور في فلكهم من أتباع وعملاء. على الأقل لن تنجح في ذلك في وقت قصير. هذه معركة طويلة جداً، إن ربحها الجيش العربي السوري وحلفاؤه المقاومون شكل ذلك ثغرة كبيرة في جدار الهيمنة الاستعمارية في المنطقة والعالم. أما إن خسرها، دخلت المنطقة حقبة الشرق الأوسط الجديد الذي قد يكون أول تغيراته الديموغرافية نقل من تبقى من سكان الضفة وغزة للعيش في العراق أو كندا. ولا بد من تغيرات أخرى ليس هنا موضع مناقشتها.
ملاحظة: لسوء الحظ لا مكان في تحليلنا أعلاه لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والديكتاتورية وبراميل البارود وعائلة الأسد وأقاربه وثرواتهم ....الخ نظن أن مركز عزمي بشاره وقناة الجزيرة يزودانا بعشرات الآلاف من الأوراق حول كل كلمة، بل كل حرف يخص تلك المفاهيم الجوهرية لبناء الشرق الأوسط "الإسرائيلي" الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يحصل على -الحصانة الجزئية- ما معنى ذلك؟ • فرانس 24


.. حزب الله: قصفنا كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا ردا على




.. مشاهد من كاميرا مراقبة توثق لحظة إطلاق النار على مستوطن قرب


.. ما الوجهة التي سينزح إليها السكان بعد استيلاء قوات الدعم على




.. هاريس: فخورة بكوني نائبة الرئيس بايدن