الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة المهمشين في رواية (عذراء سنجار) لوارد بدر السالم .

حيدر جمعة العابدي

2016 / 5 / 31
الادب والفن


صورة المهمشين في رواية (عذراء سنجار) لوارد بدر السالم .
(ليس من الضروري أن تحفظوا أناشيد الوطن، تقول أمي لأطفال المخيم ) ازاد خضر –شاعر أيزيدي.
قد لا يختلف الحاضر في مضمونه الثقافي وحتى المعرفي من حيث نمطية الثقافة والسلوك في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية عن الماضي، كونها مجتمعات تتمركز خلف وعيها الديني والتاريخي الساند لكل ما هو تقليدي، ما يجيز إعادة إنتاج الثقافة كخطاب أحادي البعد مغلق على ماضيه الذي يحتكم في الكثير من سردياته الدينية والتاريخية لرفض الآخر المختلف وممارسة كل أشكال العنف والإقصاء التعبوي ضده دينيا وثقافيا، وهو ما يحدد طبيعة تفاعلنا الرمزي مع أكثر الأحداث التاريخية دمويةً، ويتمثل هذا التحديد في عملية الإلتفاف على الواقع بالتاريخ، والمستقبل بالرمز لفرض الهيمنة (الايدولوجيا) انطلاقا من تحديد حتمية الانتصار واستمرارية ترسيخ القناعات العدائية المشتركة اتجاه هوية الآخر المختلف والمهمش والمغلوب .
تعيدنا رواية عذراء سنجار (لوارد بدر السالم ) الصادرة عن دار ضفاف – بيروت عبر صفحاتها (400)إلى الصورة الأصل الأكثر ثباتًا في ذاكرتنا والأكثر نمطية من حيث التكرار والتصور، صورة المهمش والمغلوب دينيا، وثقافيا واجتماعيا، لكن بنسخة معاصرة أكثر بشاعة ودموية، وهو ما دعا الكاتب لافتتاح الرواية بدعاء أيزيدي (آمين..آمين) ص7، وذلك لترسيخ البعد الديني للأحداث عبر استدعاء نمطية الصراع التاريخي ما بين الأديان، وهو ما يعكس وجهة نظر الكاتب من الأحداث التي وقعت في منطقة سنجار ضد الطائفة الأيزيدية التي يقول عنهم المؤرخ توماس بوا (الأيزيديون كرد ويطلق الناس عليهم صفة عبدة الشيطان، مما يضعهم في الحال في بؤرة الاتهام ) ص9. اعتمد الكاتب في توزيع فصولها رؤية نمطية، أي وفق تصور الغالب (جيش الخلافة) مستعينا بنفس الصيغ التاريخية والدينية المتداولة، ولاية سنجار، ولاية الموصل، فرمانات، سبايا، جنود الحسبة، سيدة النكاح، وهو تصنيف ديني يرتبط بالفتوحات الإسلامية والذي يبدأ من عصر الخلافة ويمتد إلى نهاية الدولة العثمانية، مما يدفعنا ذلك للبحث فيما نقلته لنا كتب التاريخ الإسلامي من غزوات ليتسنى فهم الحدث ضمن سياقه التاريخي الأول الساند والمنتظِم خلف ثنائيات عدة، مقدس/ مدنس، كافر/ مسلم، وجود/ عدم، وهو ما يحدد خط سير الأحداث من لحظة دخول داعش مدينة الموصل الصدمة الأولى وسقوط سنجار وصولا إلى مدينة الرمادي، وصلاح الدين، وديالى، (لم يقلق سربست كثيرا حينما دقق الملتحي بأوراقه الشخصية وقرأ غير كافر) ص19،ما يعطي للسرد بعدا سسيوتاريخيا يكشف الكثير من الأنساق الثقافية المضمرة المترسبة في عمق اللاوعي الجمعي لهذه المجتمعات، لم يمنع ذلك الكاتب من توظيف الأحداث وفق إطارها الأدبي من خلال كسر رتابة هذه الثنائيات عبر المتخيل الفني (الفنتازيا ) مستفيدا من الإرث التاريخي والأدبي والديني الكبير للديانة الأيزيدية، كالطقوس والرموز الدينية والعبادات وسردياتهم التاريخية، كونها تشكل الإطار المفاهيمي المرجعي للشخصية الأيزيدية والتي تتميز بخصوصية المكان/ الهوية بوصفه انتماء وطنيا وتاريخيا ودينيا، لذا كان التحدي الأكبر للأيزيديين هو محاولة نسف وتدمير ذاكرة المكان وتغيير هويته تغييرا يبدأ بنسف القرى وتغيير أسمائها وتراثها، وهذا ما انعكس على الشخصيات الأيزيدية في الرواية، كونها شخصيات تعيش وفق زمكانين متصلين ومنفصلين في نفس الوقت؛ الأول المكان الجغرافي الطبيعي (سنجار أسيرة داعش) أما الثاني هو المكان الأسطوري الديني (شنكال) التي لا تموت رغم بشاعة المشهد، وهو ما يشكل ثيمة الرواية موضوع الرواية (المكان الهوية)
تدور مجمل أحداث الرواية حول شخصية سربست بطل الرواية الذي فقد ابنته نشتمان عندما هاجم داعش المدينة فيقرر البحث عنها داخل المدينة التي يصفها لنا بلسان راوٍ عليمٍ ( مع لحظات التأمل السريعة أخذ يتشمم رائحة الشتاء التي يعرفها حينما تكتظ الأرض بالماء وتبث رحيقا ما يزال يعرش في روحه وتتدلى عناقيد ورده في قلبه الضعيف ) ص21، حيث تكشف عملية البحث هذا التداخل والتماثل مابين نشتمان الإبنة وشنكال الذاكرة والهوية التي تتجلى في نشتمان وسنجار عذراء مختطفة في صورة نشتمان، وبالتالي هو بحث عن المكان/ الجسد داخل المكان /الهوية (كنت أبحث بينهن على نشتمان فوجدتهن كلهن نشتمان..كلهن يصرخن توتكي دري بابو )64. الزمن في الرواية هو زمن فجائعي مغلق على شخوصه، لكنه يتحرك باتجاهين؛ زمن يتحرك أفقيا (محايثا) زمن الرواية ( سنجار أسيرة داعش) وزمن أسطوري يتحرك عموديا (مفارقا) زمن المكان الماضي، لذا كان خيار البحث خيارا وجوديا لتخفيف صدمة التهميش والإقصاء، وهو ما يخلق مفارقة زمنية من خلال انشطار زمن القصة الفعلي عن زمن المكان المتخيل مستعينان بأساليب سردية متعددة، كالاسترجاع والاستباق والتنبؤ والاستشراف، والمروحة في الزمن (تتخاطر صور العم آزداد وعيدو وسالار والحامل وكلبها والشرطي دلشاد ونالين التي رقصت عارية تحت المطر على الجبل وحرائق سنجار ) ص 328. هذا ما يفسر اختيار أبطال الرواية جلهم من (المهمشين) قبل وبعد داعش كونهم أقليات معزولة لا يملكون الحق في ملكية الأرض بفعل الاضطهاد السياسي الذي مورس بحقهم من الأنظمة السياسية المتعاقبة عربا وكردا، وهو ما دفعهم للبحث والتشبث بهويتهم الدينية والمكانية كدافعية وجودية مركزية، وكخطاب حجاجي ممانع يوظف داخل منظومة أسطورية رمزية لكسر السائد الفجائعي: تهميش، إقصاء، سبي وإخصاء، اغتصاب، جلد ومقابر جماعية، وجميع وسائل الإذلال الحديثة والقديمة، لذا تتخذ الأحداث طابعا سحريا متخيلا من خلال أبطالها، رغم أنها شخصيات تحاكي الواقع، فآزاد بطل الرواية يغير اسمه بعد حصوله على وثيقة مرور تسقطها حمامة على الجبل، على إثرها يتغير اسمه من آزاد إلى سربست (عدت إليك يا شنكال بورقة براءة من حمامة غريبة ) ص52 ، والمرأة الحامل التي تتجاوز في حملها المدة المحددة للإنجاب تحافظ على حملها دون موت الطفل، وعيدو المجنون الذي يخطفه نسر قبل إعدامه حرقا، والرجل الذي تبتلعه الأرض، والغراب والنسر الذي يمثل زوج الحامل، هذا المزيج مابين الغرائبي والواقعي، الغاية منه إحداث خرق وتجاوز لهذا الانهيار الحاصل من خلال المتخيل الأسطوري، ما يخلق تناصات مع أبطل القصص التاريخية والملاحم القديمة لإعادة إنتاج الأنا الرمزي اللاهي خودا كمعادل موضوعي وحل وجودي قادر على تجاوز الكارثة وجود/ عدم، للإفلات من الراهن المذل، لذا نجد أن فعل التجاوز ارتبط بالعودة إلى المتخيل الأسطوري لفك الارتباط مع الواقع، يتضح ذلك في أكثر مشاهد الرواية بشاعة قتل عيدو المجنون الذي قبل حرقه يفترض أبناء سنجار أن صقرا حمله إلى السماء، وزوج الحامل الذي تبتلعه الأرض ثم يزورها على شكل صقر ،وهي دلالة رمزية تكشف هذا الميل الأسطوري المكثف عند المهمشين ( شنكال يا سري الذي لا يعرفه أحد يا بيتي العتيق يا وحي الكون ونبوءة الأسلاف) ص117 . استخدم الكاتب لغة سردية مكثفة منسوجة بعناية تجعل من المتن السردي متنا متماسكا يصعب إيجاد ثغرات فيه، لغةً اختلط السرد الروائي فيها بالخطاب التاريخي تزخر بالإحالات الفكرية والتاريخية، تربط الماضي بالحاضر والواقعي بالأسطوري، وكأنما الكاتب نفسه عاش بشاعة الأحداث وذاق ويلاتها وخبر تفاصيل أحداثها بدقة، لذا يوثق معاناة الأيزيديين وطقوسهم وجرائم داعش بموضوعية تاريخية غاية في الأهمية، كونه ينقل هذه المعاناة بإحساس المهمش وبدقة الخبير ،وهو ما يحسب للكاتب ( نحن غنائم التاريخ السهلة وقنطرة العبور إلى اللذة الجنسية الإسلامية كما يبدو ) ص259.
اعتمد فعل الروي تقنية سردية ثلاثية الأبعاد في بناء المشاهد، مستعينا بطرق وصفية وسردية متخيلة؛ سمعية وبصرية وحسية، مما أتاح مساحة اشتغال واسعة و تنوع في الروي و حرية نسبية للشخوص، فبالرغم من أن سرد الأحداث يقع على عاتق راوٍ عليم كل العلم مشارك - لكنه يختفي حين تبدأ الشخصيات بإبداء وجهة نظرها، انعكس ذلك بالإيجاب على فضاء السرد، ففي كل قسم من أقسام الرواية يتحدث أحد أبطالها عن وجهة نظره، ينقل من خلالها صورا من زاوية مختلفة وفق قانون السبب والنتيجة، فسربست يرى أن ما تتعرض له سنجار نتيجةً للوهم الديني بالجنة والخلاص في الآخرة، فداعش يقتل ويسبي كوننا دين كفر كما أن الديانة الأيزيدية فشلت في الدفاع عن أتباعها، كونها ديانة مغلقة على مريديها، لذا هي تتشبث بالماضي وترفض التجديد والانفتاح على التحولات، وبالتالي دين لا يحمي مريديه على مر التاريخ لا نفع منه (وأخيرا فهمت أن الدين أحد أسباب آلام البشرية ) ص253 وسالار الذي يجد في أخفاء أطفاله في بئر حتى العمى والموت عملا بطوليا، والراهبة نالين تجد أن خلاص سنجار بيد خودا ، وعيدو يجد الحل بالمقاومة، لذا يقتل حجي خان ويحرق على أثرها ، ودلشاد الشرطي يعتقد الحل في مسايرة جنود الخلافة ....الخ. سعى الكاتب من العتبة الأولى للعنوان ( عذراء سنجار ) وصولا للعتبة الخاتمة (شجرة الدين) إلى الكشف عن الهدف غير المعلن في ظاهر النص وهو: الدين صناعة بشرية بامتياز، كون الدين لحظة عجز إنساني، لذا وجد لسد هذا العجز، ومع التطورات العلمية والحضارية الحاصلة لم تعد هذه الصناعة مقنعة وصالحة لإنتاج حياة إنسانية سوية متجددة، قيمها المعرفة والحب والعدالة، يقولها بصوت ضحايا الدين نفسه (المهمشين ) سربست والصبي وعيدو وابو يقين ( سنؤسس أنا وابنتي بعدما أجدها دينا جديدا) ص262، لذا يمكن لنا القول إن رواية (عذراء سنجار) تصنف ضمن تيار رواية المهمشين التي ظهرت بشكل ملفت وجلي مع بزوغ تيارات ما بعد الحداثة، لذا اعتمد الكاتب سرد الأحداث بوعي المهمش والمغلوب كونه تيارا نقديا قادرا على فضح كل أشكال الاستبداد داخل المجتمع، عبر فضح كل أشكال السلطة ومن ساهم في إعادة إنتاج خطاب السلطة السياسي والقتل والإقصاء الديني والمذهبي والعرقي ضد كل الأقليات في العراق صراع يتلون بشكل ذكي ليكون صالحا لكل زمان ومكان، فهو ديني إسلامي/ أيزيدي في سنجار، طائفي سني/ شيعي في باقي مدن العراق ،وعرقي كردي/ تركماني أيزيدي في كردستان، وبالتالي نحن أمام خطاب مصالح يحمل شعارا دينيا لتمرير أجندات خارجية وداخلية، صراعٌ ضحيته المهمشون والأقليات، لكنه يتسع ليشمل الجميع بما فيهم أصاحب الدين والمذهب والعرق الواحد نفسه (أجد نفسي في عصر غروب الأديان) ص263، فالصدمة الداعشية كشفت الكثير من الأنساق العدائية المضمرة اتجاه الآخر المختلف، أنساق تتخذ من الرموز الدينية والتاريخية أطارا مرجعيا ترسب عبر مراحل تاريخية طويلة إلى اللاوعي الجماهيري، وعليه أن فعل التدين فعل تعويضي لقصور ونقص ثقافي ومعرفي وإنساني قبل أن يكون فعلا إيمانيا نقيا، وهو ماعكسته شخصيات داعش في الرواية مثل حجي خان الأفغاني مهمته جلد الأيزيديات، أبو عائشة السعودي مهمته الذبح، صهيب بياع الموبايلات مهمته خطف النساء الأيزيديات، أحمد مهمته رمي الأطفال من أعلى البنايات،أبو معاوية مهمته اخصاء الأطفال، فلو تتبعنا طبيعة حياة هؤلاء سنجد حجم الفشل الثقافي الذي يعيشونه في الواقع، لذا وجدوا أسهل طريقة لتعويضه هي التدين، فمع كل جمعة هناك عملية قتل أو حرق أو ذبح، وكأننا نعيش زمنا دائريا مغلقا كعقولنا، لذا لا سبيل للخلاص من المأزق الديني إلا في ظل دولة يكون الإنسان فيها هو القيمة العليا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوني ديب قبل عرض تجربته الإخراجية الثانية في السينما : الشب


.. منح نجمة الأوسكار فيولا ديفيس والهندية بريانكا شوبرا جائزة ا




.. قطيفان: لن أتصالح مع فنانين دعموا الأسد


.. خارج الصندوق | الممثل السوري بشار إسماعيل يروي مأساته خلال ن




.. بريطانيا تبحث عن فنانين لتصميم نصب تذكاري للملكة إليزابيث ال