الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العائدون من المقابرالجماعية/جمهورية فاضل الديمقراطية العادلة

محمد خضير سلطان

2005 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بعد عام 2000 القى عدد من الفضائيات الغربية لا العربية الضوء على حكاية الصبي الكردي الذي هرب من براثن الموت باعجوبة بعد ان ساقته شاحنات النظام الوحشي المباد وعائلته مع عشرات العوائل في بداية التسعينيات من كردستان إلى صحراء السماوة ليتم اعدامهم جميعاً وتسوية جثثهم الطاهرة بالرمال الصحراوية، إلا ان سيل الموت البشع من كل اتجاه قد اخطأ الصبي الكردستاني، ربما لأنه كان يلوذ بجانب اجساد ذويه المخترمة بالرصاص... وفي غفلة من اعين السفلة وعواء الجرافات المنهمكة بالقاء الرمال، تمكن من التسلل واطلق خطواته على غير هدى في الفلاة حتى لاحت له من بعيد خيام القبائل في بادية السماوة... لم يعرف رجال البدو لغته لكنهم خبروا المكان كمنفى استخدمته كل الانظمة السابقة، وموقع لأبعاد جرائم الابادة عن اللغط في مدن العراق الكبيرة.
لم يعرف رجال البدو لغته لكنهم استدلوا بايماءات الرعب البادية على وجهه وكانت اكثر من ان تعبر عنها لكنته الكردية فادرك سليلو المحتد العربي جسامة الخطب وفداحة الامر، وعلى الرغم من بطش ووحشية النظام وفروا له الامان واخفوه بينهم حتى تيسر نقله إلى كردستان ليكون العائد الاول من المقابر الجماعية.
العائد الآخر، كتبت عنه الصحافة العراقية بعد سقوط الصنم هو الصبي العربي من مدينة الحلة الذي اخطأه رصاص البطش ايضاً وسط القتل الجماعي واستطاع ان يزيح لطمة التراب التي القتها الجرافات على جسمه ويهرب بعد ان دخل الروع كيانه ولازمه طوال المدة (اكثر من عقد) التي سبقت سقوط النظام وعد مكتئباً، شديد الشحوب ولا يصغي اليه احد او يحمل كلامه على محمل الجد ولكن بعد انهيار النظام كان اول من دل اهل مدينته الحلة على المقبرة التي قتلت فيها اسرته.
العائد الثالث تعرفه الاوساط الثقافية والادبية في مقهى الشابندر والاوساط الكتبية في شارع الكتب - المتنبي - هو فاضل الخياط في العقد الخامس من العمر.. لاقى أهوالاً مرعبة في سجون كثيرة، بقي شبه اعمى فاقداً للذاكرة ومرمياً على ظهره لمدة اربع سنين بعد ان سقوه سم الثاليوم عام 1980، لا نستطيع حصر سيرته في سطور قليلة قدر ما يتصل بكونه عائداً من الموت، تنقل بين المحاجر والسجون لأكثر من عقدين، آخرها مستشفى الرشاد للأمراض العقلية والنفسية.
ومن جولاته الكفاحية ان النظام المباد اعاده إلى محجر الرشاد لمدة ثلاث سنين (1997) بتهمة التهجم لانه طالب الطاغية في عنفوان طغيانه بالاستقالة من خلال رسالة ابرز فيها عدم آهليته لقيادة البلاد وارسلها مباشرة إلى ديوان رئاسة الجمهورية ومثل هذا الامر لا يصدق في العراق حتى هذه اللحظة ولكن الخياط سبق ازلام امن الكاظمية بالقبض الفوري عليه باستنساخ رسالته عشرات المرات وتوزيعها على رواد مقهى الشابندر وقد تسلم الرسالة ادباء ومثقفون في حيرة تبعث بهم على الرعب والسخرية المرة العميقة وتنتابهم فكرة الهرب من المقهى.
يوضح احد الادباءفي مذكراته عن محجر الرشاد من خلال وثائق خاصة يحتفظ بها ونشرها في كتاب اخير بان حبل المشنقة احياناً لا يطال القاطنين السياسيين في مستشفى الرشاد إذا كان التشخيص الطبي لايكسبهم الشفاء التام وهذا لا يعني قانوناً اساسياً ينطبق على الجميع فمن غير المعقول ان المقابر الجماعية لا تضم اشخاصاً على هذه الشاكلة.
ان العائدين من المقابر الجماعية شريحة مجتمعية عراقية لم يتعرف عليها المجتمع العراقي جيداً يقودهم الآن المفكر الحالم فاضل الخياط وهو يواصل دعوته إلى (جمهورية فاضل العادلة).
هم فائض الموت الذي يلحق بعوائد الحياة... الذين اخطاتهم العجلات المسننة في طاحونة البطش.
انهم سقط البطش العائد إلى الحياة ولا يستطيعون تحقيق وجودهم إلا من خلال تقمص فائض موتهم في رصيد الحياة.
اقل من ضرورة
واكبر من مصادفة
يعودون على شكل حكاية من المقابر، حكاية من بطل حقيقي ولكن ما ان ينتهي القص يعودون مثلما كانوا إلى المقبرة.
انهم الوحيدون الذين يكسبون تأييد الموتى اكثر من الاحياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات