الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آسفين يا رمضان

إكرام يوسف

2016 / 6 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كل عام وانتم بخير.. "مافيش رمضان إلا في مصر أو المدينة المنورة"!!.. عبارة سمعتها كثيرا على ألسنة أشقاء وزملاء عرب، مؤكدين على أن الفرحة في هذين المكانين بالشهر الكريم وسحر لياليه، ليس لها مثيل في أي مكان أخر من الدنيا!! لكن رمضان له عدة سنوات يمر على مصر منقوص الفرحة، فاقد البهجة!! فمازال المصريون يدفعون ثمن إصرارهم على الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. هذا خامس رمضان يمر على قلوب مكلومين، فقدوا أحبة كانوا يفرحون معهم بالشهر ويكملون أنسهم، ومازالوا بانتظار القصاص لهم حتى تبرد قلوبهم!! خمس سنوات، ومازال شباب مصابون، دفعوا عن طيب خاطر نور أعينهم، أو أعضاء من أجسادهم أملا في حرية لم تجئ بعد!! سنوات خمس مرت، وسجون الظلم تكتظ بساكنيها من الفتيات والشباب ممن واجهوا سلطانا جائرا بكلمة الحق!! يمضون اجمل سنوات شبابهم في زنازين غير أدمية، يقاسون فيها شتى صنوف التعذيب والإذلال من غير ان تنحني هاماتهم او ينكسر عزمهم! وتتفنن وزارة "الأخطاء الفردية" في ابتكار سبل الإذلال وكسر الإرادة، أملا في القضاء على شباب الوطن ومستقبل الأمة، ولا يفلت من هذه الابتكارات حتى المحكوم عليهم ظلما، وصار عليهم ان يمضوا السنوات في الأسر!! وتفتقت أذهان سادية عن فرض الحبس الانفرادي على الكثيرين منهم أحمد دومة (3سنوات تقريبا) و يوسف شعبان (أكثر من سنة) وعمرو علي (9 شهور) و مالك عدلي (أكثر من شهر) وغيرهم كثيرون، على الرغم من ان لائحة السجون المصرية تضع حدا للحبس الانفرادي ثلاثون يوما!! كما اعترت الأمم المتحدة في 2011 ان الحبس الانفرادي من أنواع التعذيب!! وتقول الدكتورة سالي توما الثائرة واستاذة الطب النفسي، في مقال لها بعنوان "وجع الوحدة في الزنزانة.. التعذيب بالحبس الانفرادي، انقذوا يوسف ودومة":
"في معظم الأحيان الحبس الانفرادي يعني 22 ساعة من العزلة في غرفة صغيرة لا تزيد عن بضعة أمتار.. السجين له ساعتين من التريض يحرم منها أحيانا كتكدير، أو يتريض وحيدا دون تفاعل إنساني يكسر ساعات الوحدة والألم النفسي.. في الماضي كان الحبس الانفرادي عادة ما يدوم لأيام معدودة أو بضعة أسابيع في حالات العقاب القاسي، وكان أمر الحبس الانفرادي يحدث كعقاب على سلوك في الأغلب عنيف من طرف السجين فيعزل حرصا على سلامته وسلامة السجناء الآخرين، لكن «هنا» و«الآن» في مصر، يمكن للمعتقل أن يقضي سنوات في الانفرادي مما ينتهك حقوقه الإنسانية وكل مفاهيم «العدالة الجنائية» المتفق عليها عالميا"

ويأتي رمضان هذا العام وقد تكثفت جهود الظالمين لسحق كرامة المصريين وكسر إرادتهم، ومسخ الشخصية المصرية بعدما كانت مشهورة بالطيبة والتسامح والإنسانية والشهامة والجدعنة، حتى يهون على البعض منهم التفريط في تراب الوطن والكرامة الوطنية..بل، ويصل به غسيل المخ إلى أن يعتبر من يصمم على التمسك بالأرض هو الخائن والعميل!! ويهلل لسجنه والتنكيل به، و لا يشعر بفداحة قمع حريات شباب دافعوا عن الأرض وعن الحرية، وتكميم أفواه الصحفيين والمصورين الذين خرجوا لأداء مهمتهم في نقل الحقيقة للجماهير! وبلغ القمع مداه بحبس نقيب الصحفيين وزميلين من مجلس النقابة، وإحالتهم إلى المحاكمة، عقابا لهم على وقوفهم في صف حرية التعبير!! بل أن خبل السلطة دفع بصغار المسئولين إلى استساغة إلقاء القبض على فريق من هواء الغناء الشباب، لمجرد انهم يغنون أغنيات ساخرة، تسخر من واقع يرفضونه ويريدون تغييره! ب
وفي الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم لتحسين مستقبلها عن طريق تمكين الشباب وتنشئتهم على حرية التفكير والإبداع والابتكار، وبناء العقلية النقدية الرافضة للسائد والطامحة للتغيير، تسعى حكومتنا الى فرض "قيود السمع والطاعة" أو "التفويض" على عقول الشباب والمواطنين، ورفض السماح بأي مساحة للتفكير الحر، أو التعبير عن الرأي!
لقد جئت يا رمضان هذه المرة، ومصر تشهد للمرة الأولى في تاريخها حبس اكبر رأس مهمتها كشف الفساد وفضحه، بإحالة المستشار هشام جنينة إلى المحاكمة لمجرد إصراره على إرضاء الله والشعب وضميره، والقيام بمهام مسئوليته في الكشف عن الفساد!! ونجح غسيل المخ الإعلامي ومسخ الشخصية المصرية، في دفع البعض إلى تقبل هذه الفضحة، بل وإدانة الرجل من قبل محاكمته! لمجرد خروجه على مقتضيات السمع والطاعة/التفويض!!
جئتنا يارمضان هذا العام، وقد اعتاد بعض المصريين للاسف على تقبل تعرية بناتهم في كشوف العذرية، وميدان التحرير، فلم يهتز لهم جفن عندما تمت تعرية مسنة صعيدية على ايدي الأوغاد! بل وأجبروها وأهلها على ابتلاع المهانة، وتم تمزيق محضر شكواها الأولى وعمل محضر أخر بإملاءات أمنية! وحتى الشاهدة التي سترتها، القوا القبض على ابنها، فاضطرت لتغيير أقوالها، وتكذيب أقوالها الأولى عن كونها سترتها! على الرغم من ان عمدة القرية في معرض نفيه جريمة التعرية قال ان ثوبها تمزق “فقط” ولم تتعر تماما! وقال المحافظ انها حادثة “بسيطة”!
وعلى الرغم من انباء مفرحة سبقت دخول الشهر الكريم، مثل نجاح أحرار شرفاء مخلصين خلال اسبوعين، عبر المساهمة بجنيهاتهم القليلة، تدبير فدية قوامها أربعة ملايين و700 ألف جنيه، لفك أسر عدد من زهور بساتين الوطن، لم تقبل نخوتهم الصمت إزاء التفريط في الأرض، وخرجوا إلى الشوارع، يعلنون ـ سلميا ـ تمسكهم بسلمية جزيرتين ارتأت السلطة، وهي لا تملك، التنازل عنهما لمن لا يستحق! كما استطاع محامون "جدعان" أحرار الحصول على حكم ببراءة 33 من زهور البساتين فيما عرف بقضية قصر النيل، كان قد سبق الحكم عليهم بالسجن عامين؛ إلا أن الفرحة بخروج الشباب بعد دفع كفالاتهم، او براءة بقية رفاقهم، لم تكن بالطبع فرحة كاملة..فرفع الظلم لا يعد عدلا، إذ كان المفروض الا يسجن من يعبر عن رأيه من الأصل! كما أن نفس يوم خروجهم شهد تقديم مجموعة شباب أخرين إلى المحاكمة، كل تهمتهم أنهم شباب موهوبون، شكلوا فرقة للغناء الساخر، بعنوان "أطفال الشوارع" ورفعوا أغنياتهم على قناة يوتيوب، فلقيت إعجاب الكثيرين!! لم يحملوا سلاحا، أو يحطموا ممتلكات أو ينشروا إرهابا.. غنوا فقط!! لكن غناءهم كان يحوي كلمات لا تعجب أولي الأمر، فكان لا بد من قمعهم والقبض عليهم!! ليؤكد لا النظام للمرة المليون أنه " مش خايف"!! ولعل ابرز دلائل عدم خوفه، أنه أطلق العسس يتلصصون على كل من يملك كلمة، أو يفكر في الجهر بقول الحق، وعلى حد قول شاعرنا المناضل زين العابدين فؤاد "والمخبرين خارجين كلاب سعرانة، بيجمعوا العشاق في الزنزانة.. مهما يطول السجن مهما القهر، مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟" غير أنهم يظنون أن بمقدرتهم حبس مصر بالفعل، عبر خنق الكلمة في الحلق، ومصادرة القلم والكاميرا وإخراس المغنين، طالما لا يسبحون بحمد الحاكم!!
أسفين يا رمضان، لم يعد بمقدورنا استقبالك كما في السابق.. فقلوبنا ثكلى، وعقولنا مهمومة بوطن لم يجد من يحنو عليه! وانا وجد من يعمل جاهدا على تقزيمه وتركيعه أمام من يطمحون إلى ريادة إقليمية كانت له، وأعداء يتحينون الفرصة للإجهاز عليه!!
لكننا نعدك يا رمضان، إننا بفضل شرفاء هذه الوطن وأحراره الحقيقيين، وفي الصدارة منهم الجدعان القابضين على الجمر، الذين يؤمنون أن بقاءهم على قيد الحياة بعد استشهاد رفاقهم، او وجودهم خارج الأسوار بعد أسر زملائهم، يحملهم مسئولية لن تنتهي إلا مع قيام دولة القانون المدنية الديمقراطية التي تحقق للجميع، العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. أوائك الذين نشهدهم يعملون في صمت لتلبية احتياجيات إعاشة الأسرى في الجون، او تدبير الكفالات،من دون إعلان أو زهو!! ومنهم أبطال هذا الزمان: المحامون المتطوعون للزود عن الحق وعن الجدعان، يصلون النهار بالليل في عمل مضن، مواجهين كل صنوف الخطر، بروح من يؤدي واجبا؛ لا ينتظر عليه كلمة شكر!!
سيأتي اليوم الذي تجدنا فيه قادرين على استقبالك بالقدر الذي يليق بك من الفرحة.. يوما تخلو فيه سجون الوطن من عشاقه، ليدخلها أعداؤه الحقيقيون، من أمعنوا فيه بيعا وظلما وفسادا واستبدادا.. يوما يعود فيه المصريون إلى طبيعتهم السمح وطيبتهم وشهامتهم، واعتزازهم بالكرامة!! يوما تمحى فيه صور كل من قبلوا ان يقفوا امام الكاميرا حاملين "حذاء" فوق رؤوسهم، وتعود بدلا منها صور مصريين هتفوا بشموخ، ومازالوا "ارفع راسك فوق انت مصري"!! عذرا يا رمضان.. جئتنا ونحن في لحظة اضمحلال، اختلطت فيها ـ عن سبق إصرار وتعمد ـ مفاهيم كنا نعتبرها من الثوابت، بقيم الانتهازية والجبن والمذلة!! عذرا يا رمضان، فالبعض يحاول ان يعلم أبناءنا أن التفريط في الحق وتبرير الظلم والقمع، والتحريض على سجن الشباب، من باب حرية الاختلاف، ويمكن التجاوز عمن يرتكب هذه الجرام، طالما كان من "الشلة"؛ بحيث يمكن أن يستحق التكريم، مثله مثل مع من ظل ثابتا على الحق لأخر نفس في عمره!
أسفين يا رمضان.. لكننا على وعد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24