الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجولة الأولى

أمجد الرفاعي

2005 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


أسفرت الجولة الأولى من لعبة عضّ الأصابع بين لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس، والحكومة السورية حول المكان المناسب الذي يراه كل طرف لاستجواب الأمنيين السوريين سواء كشهود أو كمشتبه بهم، عن حل "وسط " تمثل في موافقة الطرفين على استجواب خمسة من المسؤولين الأمنيين في مقر الأمم المتحدة في فيينا.

وفيما كان القاضي الألماني من جهته مصراً حتى اللحظة الأخيرة على استجوابهم في لبنان تحديداً، فقد كانت دمشق ترى بأن تشبث السيد ميليس برأيه ما هو إلا محاولة منه للنيل من هيبة سوريا وكرامتها حين يصر على تعريض الرموز الأمنية للنظام السوري لشماتة أعداء النظام الذين يحتلون اليوم أماكنهم في قائمة المسؤولين الكبار في النظام اللبناني، وربما إلى حد ما تعريضهم للخطر في بلد مازال مخترقاً أمنياً إلى حد كبير.

غير أن "عقدة النجّار" في لعبة عضّ الأصابع هذه كانت تكمن بالدرجة الأولى في الصّلاحيات التي منحها قرار مجلس الأمن رقم 1636 للقاضي الألماني، وتأتي على رأسها إمكانية توقيف المشتبه بهم على ذمة التحقيق، أو الإيعاز بتوقيفهم إلى الحكومة اللبنانية فيما إذا ارتأى بأن هذا يخدم تحقيقه.

ولقد ظهرت من السيد ميليس إشارات كثيرة، إضافة إلى عناده فيما يتعلق بمكان التحقيق، تدلّ على عزمه على اعتقالهم في مجمل الأحوال، وإيداعهم سجن "رومية" إلى جانب نظرائهم اللبنانيين!

وهذا ما كانت الحكومة السورية تدركه جيداً، كما كانت تدرك ما يحمله هذا التوجه من مخاطر جسيمة على النظام برمته.ولهذا فقد سعت بشدة إلى أن يكون التحقيق في أي مكان يرفع علم الأمم المتحدة، حيث تنتفي إمكانية توقيف رموزها الأمنية المطلوب الاستماع إلى إفاداتها.

ومن هنا كان الخطاب المتحدّي للرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد على تبنيه لخيار "المقاومة" بدلا من "الانتحار" الذي يؤدي إليه بطبيعة الحال الاستجابة لإلحاح ميليس!

غير أنه في الفترة الأخيرة، بدأت بعض المؤشرات القوية التي دلّت على إمكانية أن يتخلى السيد ميليس عن عناده فيما يخص المكان.إلا أنها بالمقابل كانت تؤكد على أن القاضي الألماني كان يجري مفاوضات من وراء الكواليس مع الحكومات التي تقبل "باستضافة" التحقيق الدولي، للعمل على إعداد "بروتوكول" أو تفاهم ينسجم بشكل أو بآخر مع روحية نص القرار 1636 ويسمح له في نهاية المطاف بالطلب من حكومة البلد المعني إيقاف "المشتبه" بهم على ذمة التحقيق.

وقد بات من المعروف أن دولاً عربية عدة قد قابلت محاولات ميليس نقل التحقيق إلى أراضيها بالرفض (مصر مثلاً)، وذلك تجنباً للإحراج الناجم عن إصرار المحقق الألماني على اعتقال المشتبه بهم.

أخيراً، وفي ربع الساعة الأخيرة المشهورة في السياسة السورية! تم التوصل إلى الحل الوسط الذي أعلنه في مؤتمر صحفي كل من وليد المعلم نائب وزير الخارجية، ورياض الداوودي مستشار الوزارة بتاريخ (25-11-2005)، وذلك بعد تحركات ووساطات سياسية مكثفة قامت بها دول عدة على رأسها السعودية وقطر وروسيا.

يرى كثير من المراقبين بأن هذا الاتفاق قد حقق نصراً هاما للدبلوماسية السورية، كونه أتى وفق ما كانت تطالب به بخصوص المكان، ولأنها استطاعت أن تسقط بعض الأسماء من قائمة المطلوبين للاستجواب، رغم تأكيد "المعلم" على أن المطلوبين للشهادة هم هؤلاء الخمسة فقط، ولم يتم إسقاط أي اسم.

غير أن مراقبين آخرين يرون بأن الثعلب الألماني قد لعب لعبة في غاية الذكاء.

فهو بإظهاره أخيراً للمرونة فيما يخص مكان التحقيق، والاستجابة للمطالب السورية، فإنه ضرب عصفورين بحجر واحد.

فإظهاره للتعاون والمرونة في هذه المرحلة من التحقيق، أبعد عنه صفة التصلب والتشبث برأيه في مراحل أخرى.بل بالأحرى فإنه سيظهر سوريا بمظهر غير المتعاونة، إن أبدت أي نوع من التحفظات خلال المطبّات الكثيرة القادمة في مجرى التحقيق الماراتوني.

من ناحية ثانية فهو بالاستجابة للمطالب السورية فانه بنفس الوقت رفع العبء الثقيل عن الحكومة اللبنانية.التي لم تكن تتمسك بالتحقيق مع المشتبه بهم على أراضيها، رغم إعلانها بمناسبة وبدون مناسبة عن رغبتها بالكشف عن قتلة الحريري. وذلك نظرا للثقل الهائل الذي يتمتع به أنصار النظام السوري ومحازبوه (حزب الله، أمل، البعث، القومي السوري...) والذي كان سيؤدي في حال سلّمت سوريا رجالها إلى لجنة التحقيق في لبنان، إلى خلق حالة خطيرة لا تحمد عقباها على الساحة اللبنانية المتوترة أصلا.

بكل الأحوال، فإنه من السابق لأوانه تحديد الجانب المنتصر بهذه "الصفقة"، كونها لا تشكل سوى قمة جبل الجليد الممتلئ بالخفايا. ولأنها، وبغياب الشفافية الإعلامية، قد طرحت تساؤلات كثيرة بحاجة إلى إجابات.وعلى سبيل المثال:

هل ستكتفي لجنة التحقيق باستجواب هؤلاء الخمسة فقط؟ أم أنه تم الاتفاق على إجراءات أخرى فيما يتعلق بـ"مشتبهين" آخرين.

وكيف ستتمكن اللجنة من توقيف من يثبت عليه التورط في الجريمة؟

أسئلة كثيرة، ينبغي لها أن تنتظر بعض الوقت كي يتم الإجابة عليها.

الجولة الأولى من "اللعبة" بين النظام السوري ولجنة التحقيق تكاد تنتهي . وستتبعها جولات.

غير أن ما نخشاه اليوم، ورغم ما يتردد عن عزم ميليس على الاستقالة من منصبه، أن النتيجة النهائية للعبة عضّ الأصابع هذه بين لجنة التحقيق الدولية المسلحة بالأنياب القاطعة لـ"الشرعية الدولية"، والنظام السوري المحاصر منزوع الأنياب والقواطع والأضراس!، لن تكون لصالح سوريا على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟