الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نعالج الإرهاب بعيداً عن الطرق الأمريكية

سامر نصر

2005 / 12 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


لم تزل مسألة الإرهاب بتشعباتها وآثارها وأطرافها مادة خام لكثير من الباحثين والدارسين والمحللين والواعظين على اختلاف مشاربهم وجنسياتهم ودياناتهم والقيم التي يؤمنون بها.

هذه المادة التي أنهكت عقول وأجساد وأموال الكثير من الشعوب التي كانت ضحية هذا العمل البشع والنبيل في آن معاً.

أما وصفه بالجبن والبشاعة فكان من الدول التي يقع عليها الفعل أو التي تتأثر بشكل أو بأخر بهذا العمل دون السؤال والنظر وراء الأسباب الجوهرية والموضوعية التي أدت إلى حدوث مثل هذا الفعل، أما وصفه بالنبل والشجاعة والبطولة فكان من الدول والجماعات والأفراد التي ذاقت بهم السبل والطرق لتحقيق؛ حقها الطبيعي والشرعي في الحياة الآمنة الخالية من الاستعمار والظلم والهيمنة الخانقة على شعوبها وثرواتها وتاريخها وحضارتها، فاعتبرت مقاومة الاستعمار واجب وطني يمليه حرص الإنسان على نيل الحرية والكرامة التي خصها الله للبشر، فمشكلتنا مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة بين الإرهابي والمناضل.

فالمناضل أو الإرهابي (حسب نظرة أمريكا) لايهدف من راء عمله الحصول على حفنة من الدراهم أو أي مكاسب مادية، وهو لاينتحر رغبة أو محبة بالانتحار بل يقوم بهذا العمل البطولي من أجل طرد الاستعمار وللوصول إلى الهدف الأكبر وهو الاستقلال والحرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق... هل وجهة النظر الأمريكية والتي أيدتها الكثير من الدول الغربية كانت ناجعة لاجتثاث جذور الإرهاب في العالم، أم أن هذه الحلول لعبت دوراً كبيراً في انتشار الإرهاب وانتعاشه حتى أصبح يهدد كل دول العالم دن استثناء حسب تأييد أو إدانة كل دولة لهذه الأعمال...؟

والمتفحص للواقع الدولي حول هذه المسألة يلاحظ أن مسألة الإرهاب دخلت وبشكل هادئ إلى خانة الصراع الأيدولوجي الحاد، لكن أطرافها هذه المرة ليست الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث توازن الرعب وتوازن القوى صمام الأمان في هذا الصراع.

بل دخلت الدول العربية والإسلامية ومحبي الحرية والسلام طرفاً مواجهاً للولايات المتحدة في هذا الصراع، والمفارقة الكبيرة في هذا الصراع هو قوة الولايات المتحدة وهيمنتها، وضعف وهشاشة الدول المواجهة لها مما غلب أفكار وحجج وادعاءات الطرف الأقوى وجعل الطرف الأخر عرضة للاحتلال والتهديد والوعيد إذا ما خضع للإملاءات الأمريكية وطريقتها في معالجة هذه المسألة، بالرغم من معرفة الجميع أن الولايات المتحدة استغلت مسألة الإرهاب كذريعة لتحقيق مآرب وأطماع ومصالح أنانية دون اي حساب لمصالح الغير.

وفي الإجابة على السؤال المطروح حول نجاح الطرق الأمريكية في معالجة مسألة الإرهاب، فنحن نؤكد على أن الطرق والأساليب التي اتبعتها الإدارة الأمريكية وحلفائها في القضاء على الإرهاب من خلال ما يسمى (الحرب على الإرهاب) فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ولو الحد الأدنى من الأمن والاستقرار المنشودان من قبل الإدارة الأمريكية والجهات الغربية التي أمنت بفزّاعة الإرهاب التي سوقتها الإدارة الأمريكية لكسب تأييد الغرب في حربها المزعومة، فعمليات المقاومة والإرهاب في العراق زادت بنسب كبيرة، وبشكل طردي مع فترة الوجود الأمريكي في العراق وحسب مصادر مستقلة إن عمليات المقاومة اليومية بلغت أكثر من مائة وخمس وستون عملية في اليوم الواحد، هذا على الصعيد العراقي أما على الصعيد الدولي فما زالت العمليات الإرهابية مستمرة من واشنطن إلى لندن إلى مدريد وأفغانستان ولبنان والهند والباكستان وإندونيسيا ومصر وأخرها العمل الإرهابي الذي حصل في عمان، والدليل القاطع على فشل الولايات المتحدة في السيطرة على ما يسمى الإرهاب داخل العراق هو سعي الولايات المتحدة للتفاوض مع رجال المقاومة داخل العراق رغم تأكيد بوش قبل غزوه العراق أنه لاتفاوض مع الإرهابيين، والآن يطلب من الحكومة العراقية عقد لقاءات مع رجال المقاومة لعقد صفقة ما.

بعد أن لحق الإنهاك واليأس بأمريكا وجيشها التائه بين إنسانيته وأفعاله الإجرامية، وبين رسالة الديمقراطية والحرية، وخوابي النفط العراقي.

فما هي إذاً بعد كل ما ذكر الطرق الناجعة في مواجهة الإرهاب...؟
في البدء لابد من الإشارة إلى أن الإرهاب يبدأ كفكرة تحاكي بشكل أو بأخر الجانب الإيماني في عقل مريديها إلى درجة تتحول معها إلى عقيدة جديدة وإيمان مطلق بمصداقيتها وموضوعيتها، وبالتالي واجب تنفيذها كحل لا بديل له للتعبير أو لتحقيق أهداف عجزت كل الطرق الأخرى عن تحقيقها، وهذا يقودونا بالضرورة إلى أن معالجة الإرهاب تبدأ من الفكر، أي يجب أن نمنع الإرهابي من التفكير في تبني فكرة الإرهاب وتنفيذها، ولايكون ذلك بوضع البندقية وتهديده بالعزوف عن الفكرة أو قتله، فهذه طريقة أمريكية نازية فاشلة، بل يجب منعهم من التفكير بالعمل الإرهابي من خلال معالجة والقضاء النهائي على الأسباب الكامنة وراء تبني هؤلاء لفكرة الإرهاب. وهنا يكمن جوهر الحل.

فما هي إذاً الأسباب الحقيقية وراء القيام بالأعمال الإرهابية...؟
يمكن تقسيم الأسباب إلى:

أولا: أسباب دولية وعالمية.

ثانيا: أسباب محلية أو داخلية.

ثالثا: أسباب دينية وعنصرية.

رابعا: أسباب نفسية أو سيكولوجية.

أولا: أسباب دولية وعالمية.

أما بالنسبة للأسباب الدولية فيمكن الحديث عن عدة أسباب منها:

1- سعي الدول الكبرى لتحقيق مطامعها وأهدافها بكافة الوسائل الممكنة دون الاهتمام والنظر بمصالح الآخرين وخاصة الدول النامية، ودول العالم الثالث مما خلق شعور بالغبن والظلم والاستغلال لدى شعوب هذه الدول، حيث أصبحت الكراهية صفة ملازمة للعلاقات بين هذه الدول، والكراهية كما هو معلوم هي مفتاح فعال في نمو الإرهاب وممارسته.

2- النظرة الدونية التي يمارسها الغرب على شعوب الدول النامية والعالم الثالث وخصوصاً العرب والمسلمين، حيث يعتبرونهم شعوب متخلفة وهمجية ومختبراً مثالياً لتجاربهم العلمية و نظرياتهم الاجتماعية والسياسية ومكب لنفاياتهم النووية وملاعب جيدة لأفكارهم الخلاقة نحو الحياة والحضارة المزعوم.

3- الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقد يتساءل البعض كيف يمكن اعتبار الأمم المتحدة ومجلس الأمن من الأسباب الدولية لانتشار الإرهاب وهو المسئول الأول عن مكافحة هذه الظاهرة.

نحن نقول أن ما تمارسه الأمم المتحدة ومجلسها الموقر من تشريع للحروب الصليبية وهضم حقوق الآخرين، كان له الدور الأكبر في انتشار الإرهاب، حيث أنها دعمت حملة الولايات المتحدة وحلفائها على الأمة العربية والإسلامية، ولم تنفذ قرارات مجلس الأمن الصادرة بحق بعض الدول التي تعتبر فوق القانون كإسرائيل وغيرها، ولن تتوانى عن استخدام الفيتو ضد الشعوب المظلومة لصالح الدول الظالمة، حيث يعتبر الفيتو سيفاً مسلطاً على رقاب الدول التي لاتخضع لإرادة الدول العظمى، فمجلس الأمن يعتبر أداة في يد الولايات المتحدة لإخضاع العالم والشعوب للهمجية الأمريكية وهذا يظهر حقيقة مجلس الأمن كجزء من المشكلة وليس جزء من الحل.

ويكفي التذكير بقرارات مجلس الأمن الصادرة ضد إسرائيل والتي تأمرها بالانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة وجنوب لبنان وهضبة الجولان السورية التي تغض أمريكا الطرف عنها، بينما تلهث لإصدار قرارات ضد العراق وسوريا وكل دولة لاتسبّح بحمد أمريكا هذا بالإضافة للدور السلبي الذي تلعبه كل من منظمة التجارة العالمية (جات) والبنك الدولي في اتساع الهوة بين الدول الفقيرة والغنية.

4- العولمة السلبية التي تهدد ثقافة الشعوب وحضارتها وقيمها وتحاول فرض أنماط الحياة والقيم التي لايؤمن بها إلا أصحابها متناسية إن للشعوب الأخرى قيما اكتسبتها وكرستها خلال مئات السنين وتاريخاً وحضارة متجذرة في أعماق وجدانهم يستحيل محوها أو تغيرها.

ثانيا: الأسباب المحلية أو الداخلية:

هي الأسباب المتعلقة بالعلاقة بين الأنظمة الحكومية وشعوبها والكيفية التي تتعاطى بها هذه الأنظمة حيال شعوبها في القضايا التي تمس حياتهم اليومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن هذه الأسباب:

1- ممارسة الشمولية داخل الدولة ومنع الحريات والديمقراطية وفرض رؤية الدولة حيال كل القضايا الداخلية المتعلقة بتسيير أمور المواطنين ودورهم داخل حدود هذه الدولة.

2- انعدام العدالة الاجتماعية وسوء الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة بالإضافة لعدم جدية الدولة بالإصلاح والبحث عن الحلول الناجعة حيال كل القضايا التي تهم المواطنين.

3- الجهل والتخلف وانتشار الأمية بين أبناء الطبقات المختلفة وخاصة الفقيرة منها، حيث يعتبر الجاهل أو الأمي فريسة سهلة للمتشددين والمتطرفين، حيث أن الثقافة و التعليم تحمي الإنسان ولو بشكل نسبي من تبني الأفكار الهدامة بشكل أعمى.

4- عدم جدية الدولة في القضاء على التطرف والمتطرفين والداعين إلى الأعمال الإرهابية تحت أي مسمى كان، بالطرق المناسبة التي تكفل سلامة الجميع و لا تؤثر بشكل سلبي على الممارسات الديمقراطية والحريات العامة.

5- إثارة النعارات الطائفية سواء من الداخل أو من الخارج وعدم التصدي لها بالشكل الصحيح مع الاهتمام بتساوي كل الطوائف بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الدولة.

ثالثا: الأسباب الدينية والعنصرية

وهي من أخطر الأسباب على الإطلاق حيث أكد التاريخ الإنساني من خلال الحروب والمجازر التي ارتكبت لأسباب دينية وعنصرية هذه الخطورة أما بما يخص الأسباب الدينية فيكفي أن نذكر الأعمال الإرهابية التي حصلت في لبنان والبوسنة والهرسك وأوروبا وكثير من دول العالم.

وأما فيما يخص التمييز العنصري فيعتبر من الأسباب التي أدت للكثير من المآسي والمجازر عبر التاريخ، لان مبدأ التمايز الإنساني يؤدي إلى إجبار بعض الحركات العنصرية إلى إشعال فتيل الحروب، واشتداد الكراهية لدرجة يصعب السيطرة عليها وقد مورست هذه العنصرية في أمريكا ضد السود وفي فلسطين ضد الشعب العربي المسلم من قبل اليهود وفي جنوب أفريقيا ضد السود، وفي العصر الحالي هناك تمييز عنصري مبطن بين الغرب المتحضر ودول العالم الثالث وخاصة الإسلامية منها.

رابعا: الأسباب النفسية والسيكولوجية

وهي الأسباب التي تتعلق بالإرهابي نفسه من حيث توازنه الداخلي والعقد والمشاكل التي تسيطر على شخصيته وملكاته العقلية، فعدم التوازن هذا يؤدي إلى تمحور الأفكار وتبلورها داخل الإنسان وبالتالي سيطرتها على عقله حتى يصبح الدماغ خادما لهذه الفكرة يغذيها بكافة القناعات الممكنة لانتعاشها وتحقيق فرضياتها، وبالتالي يتم استغلال هذا الخلل في توازن شخصية الإنسان من قبل بعض الأفراد وتلقينهم أفكاراً هدامة وبالتالي السيطرة عليهم بشكل كلي، وتحويلهم إلى أداة أو وسيلة لتحقيق أهدافهم بكافة الطرق الممكنة وما القنابل البشرية إلا إحدى هذه الحالات.

وفي النهاية: نستطيع القول وبثقة كبيرة أن المشاكل الحالية التي تواجهها الشعوب سواء" ما كان منها المشاكل المتعلقة بالاحتلال اوالمشاكل الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية،فلو تم حلها بحسن نية وبشكل يرضي كل الأطراف بعيداً عن التعدي على حقوق الآخرين وثقافاتهم وقيمهم ودينهم لأصبح الإرهاب شيئاً من الماضي، فكيف على سبيل المثال نطلب من حركة الجهاد الإسلامي وحماس التخلي عن السلاح ومهادنة الاحتلال وما زالت أرضهم وممتلكاتهم وأرواحهم تحت رحمة الصهاينة وعنصريتهم القاتلة، فلو حصل الشعب الفلسطيني على كل حقوقه المشروعة وتمتع بالسيادة الكاملة والكرامة فوق أرضه لما وجدت واستمرت هذه المنظمات في مقاومة المحتل.

وفي النهاية لابد من الإشارة إلى أن ممارسات الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي بالتهديد والوعيد وشن الحروب واحتقار الشعوب وفرض سيطرتها على العالم ومص دماء وخيرات الشعوب الضعيفة وعدم احترام الشرعية الدولية و القانون الدولي يجعلها تشكل أكبر خطر يهدد السلام العالمي وتشكل أكبر إرهاباً دولياً عرفه التاريخ الإنساني لأن حلمها الإمبراطوري جعل الشعوب والدول الصغيرة وقود هذا الحلم الكابوس على شعوب العالم.

قائمة المراجـــــــــــع
1- د. فكري عطا الله عبد المهدي، دار الكتاب الحديث، 1994.
2- فوزي البشت، الإرهاب الأمريكي في التاريخ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1986.

3- أحمد أبو الروس، الإرهاب والتطرف والعنف الدولي، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2001.

4- عبد الناصر حريز، النظام السياسي الإرهابي الإسرائيلي، الطبعة الأولى، 1997.

5- نورتون فريش وريتشارد ستيفنز، الفكر السياسي الأمريكي- ترجمة: هشام عبد الله (المكتبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا