الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ والسّكير..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 6 / 10
الادب والفن


الشيخ والسّكير..
- لن يُصدقني أحد ...!! قالها الظريف ، وقت صحوه فقط، الرفيق ابو عدي ..
والرفيق أبو عدي ، عضو في الحزب الشيوعي، مؤدبٌ، كريم وخلوق .. ربعةٌ وكتلة متينة وقوية من العضلات ..يعمل في أشقّ الأعمال ولا يحس تعبا.. لكنه ينقلب الى كائن آخر حينما يسكر ، فهو كتلةٌ متوثبة من الغضب، شعلة ملتهبة من العضلات المتأهبة للقتال. يفر من أمامه الأهل والأصدقاء.. ولحُسن حظ العائلة ،فبيته في مركز الحارة، حيث يتجمع الشباب والرجال ، في المقهى يلعبون الورق ويتبادلون الأحاديث وخاصة السياسية ،فيحتد النقاش بين معارض على موقف ما ومؤيد له، وتعلو الأصوات.. لكن لا صوت يعلو على صوت "أبوعلي". فعندما يثمل ،يعلو صراخه لأتفه الأسباب ويخرج مشرعاً قبضتيه للريح ،يبحث عن "كيس ملاكمة" على هيئة إنسان، جماد أو حيوان .. فيفزع مجموعة من الشبان الأقوياء محاولين بالكاد السيطرة عليه
لذا ، وعندما يبدأ بإحتساء الخمور الشديدة ، تنسحب زوجته من البيت، آخذة أولادها معها ، الى بيت أهلها أو أهله ، القريبين من بيتهما ..
لم يكن يسكر بسهولة ، وله قدرة على تحمل كميات كبيرة من الخمور، لكن بين فترات متباعدة ، تصيبه حالة الغضب الثَمِل ، أو الثَمَل الغاضب ... ولعل هذه الحالة تصيبه إذا شرب الخمر وهو غاضب فقط .. ربما..
أما صديقه وجاره الأبعد ، فقد حصل على لقب شيخ وهو في سن صغيرة، إذ أعتاد ومنذ طفولته على مرافقة والده الى مسجد الحي القريب من بيتهم ، وتأدية الصلوات في أوقاتها المعلومة مع الجماعة .. كان ملتزماً بتأدية فروض الصلاة والصيام ، على الوجه الأمثل .. ولندرة المصلين بين الأجيال الصغيرة في تلك الأيام، فقد أطلق عليه الجميع لقب "الشيخ عدنان" ..
يعمل الشيخ في شركة بناء كمدير لإحدى الورشات ،بينما يعمل أبو عدي ،في فرع آخر من فروع البناء، وهي "مواسرجي" بعاميتنا، وسمكري بعربيتنا.. يمد خطوط المياه في العمارات، ويلبي طلب المعارف والأصدقاء ، أيام العُطل ، فيقوم بتصليح تمديدات المياه في البيوت، بأجر قليل أو تطوعاً.
ويكون ذلك في أحد شهور رمضان .. وقلةٌ من الشباب تصوم ،تلك الأيام ... لأن غالبيتهم تعمل في فرع البناء الشاق ، وتسافر يوميا عشرات الكيلومترات من القرية الى المدينة اليهودية ذهابا وايابا.. فيدفعُ أغلبهم كفارة نقدية، ومن هؤلاء الشيخ عدنان الذي يدفع الكفارة ايضا، والتي تُعطى للفقراء حقا وحقيقة .. لكن أعضاء الحزب الشيوعي ، وبدون تدبير مسبق أو قرارات ملزمة ، يقررون مشاركة أهليهم وأحبائهم في الصوم ، فيصوم أحدهم يوما من رمضان تضامنا مع الصائمين ومنهم من يصوم أكثر من يوم ، ومنهم من لا "يتضامن" بتاتاً .. لكنهم جميعاً يتواجدون مع عائلاتهم على مائدة الإفطار الشهية والمليئة بكل ما لذّ وطاب ..
ويحتاج الشيخ الى صديقه لتصليح ورشة المياه في بيته ، ويلبي أبو عدي نداء صديقه ، فيحمل صندوق أدواته ويتوجه لبيت صديقه، ويكون ذلك في أحد نهارات رمضان .. فيطلب الشيخ من زوجته أن تُحضّر وجبة للصديق ..
- شكرا ...قالها أبو عدي.. وظن الشيخ بأن صديقه لا يريد أن يحرجه ويأكل أمامه ..
- لا عليك ..فأنا غير صائم .. قال الشيخ عدنان .. بسبب مشقة العمل كما تعلم..
- لكنني صائم .. أجابه أبو عدي ...
وبعد أن انهى التصليح، خرج الى الحارة والتقى بأحد أصدقائه ..
-من سيصدقني في الحارة ،إذا قلتُ بأنني اليوم صائم والشيخ عدنان مفطر ... لن يُصدقني أحد ..!! قالها وهو يقهقه عالياً بحيث ترددت أصداء قهقهته في أرجاء الحارة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للزميل قاسم نهاية الأسبوع الأول لشهر رمضان
مراقب طظ ( 2016 / 6 / 12 - 13:21 )
عندنا في العراق الرفيق أبوعدي، في حزب البعث، وابنه الأصغر من زوجة أخرى اسمه علي، وأيضا يغضب ولكن يسفك الدماء،

والمواسير يبالعربي الفصيح وفي اللهجة المحكية مهنة السمكري لتسليك مواسير الصرف الصحي قابلة التدوير إلى سكر كالضحك المشفوع بالبكاء والخوار المدني غير الديني


2 - اهلا عزيزي مراقب
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 6 / 12 - 14:08 )
تحياتي الحارة
وشكرا على التعليق الظريف
مودتي

اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم