الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الجمهوري العربي

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


حين يؤدي رئيس الجمهورية القسم يعلن أنه سيحافظ على الدستور المبني بشكل عام على ثلاثة مفاهيم ، هي :
1 ـ التداول السلمي للسلطة .
2 ـ تعزيزالمواطنة .
3 ـ التركيزعلى التنمية.
ومن الملفت للانتباه أن الثورات العربية التي أطلّت برأسها ، بغض النظر عما آلت إليه ، حدثت في ظل النظام الجمهوري ( تونس ، مصر ، ليبيا ، اليمن ، سورية ) وكانت دوافعها الشاملة والمشتركة ، هي انقلاب السلطة في تلك الجمهوريات على الثوابت الثلاثة المذكورة التي أقسم عليها رئيس النظام الجمهوري.
1 ـ التداول السلمي للسلطة :
إن قسَم رئيس الجمهورية بالحفاظ على النظام الجمهوري؛ يعني أنه سيحافظ على الانتقال السلمي للسلطة ، فلا يعمل على البقاء في منصبه مدى الحياة، و لا يورّث منصبه لأحد... ولكن ما حصل في النظام الجمهوري العربي هو الانقلاب على الدستور ، من خلال الاستبداد بالسلطة مدى الحياة ، والعمل على توريثها. وهذا ما حصل في تونس حيث بقي زين العابدين يحتكر منصب الرئيس لمدة 24 عاما ، وكان يسعى للبقاء في منصبه مدى الحياة ، ولكن الحظ لم يحالفه إذ ثار الشعب عليه فاضطر للهرب . والأمر ذاته في الجمهورية الليبية ، فقذ بقي معمر القذافي رئيسا لليبيا لمدة 42 سنة ولم يحالفه الحظ أيضاً في مسألة مدى الحياة، إذا اعتبرنا أن الثورة عليه قتلته في مجاريرها، وأوقفت حياته قبل أن تأخذ مداها الذي كان يتوقعه حتى يُتمّ توريث المنصب لابنه . وفي جمهورية مصر العربية بقي حسني مبارك رئيساً لمدة ثلاثين سنة ، وكان يعد الظروف لتوريث ابنه ، ولكنْ بعد أن يستنفذ مفهومه لـ " مدى الحياة "، غير أن الشعب المصري كان عنيدا إذ صرخ بوجهه " كفى " و لم يمنحه " مدى الحياة " ولم يسمح له بالتوريث .
وفي الجمهورية العربية اليمنية بقي الرئيس علي عبد الله صالح في الرئاسة مدة 34 سنة ، وكان كأمثاله في النظام الجمهوري العربي يعمل من أجل الحصول على مدى الحياة ومن ثم التوريث ، ولكن الشعب اليمني انتزع منه السلطة قبل أن يصل إلى أرذل العمر ، مما أفقد ابنه الوريث أيضاً الحلم بالرئاسة . وفي الجمهورية العربية السورية ، حدث استثناء في ذلك ، فالظروف التي أحاطت بالربيع العربي ، وحرّكت الشارع ، كان قد سبقها حافظ الأسد بالرحيل ، وبالتالي تحقق له الحكم مدى الحياة ، ومن ثم التوريث . ولكن ذلك الاستثناء لم ينقذ السلطة السورية من تبعات مخالفتها لفكرة تداول السلطة في النظام الجمهوري ، والدليل على ذلك التحاق الشارع السوري باحتجاجات شوارع النظام الجمهوري العربي. مما يعني أن فكرة البقاء في السلطة مدى الحياة ثم توريث السلطة في النظام الجمهوري غير صالحة للتطبيق ، وإن بدا تحقيقها شكلياً من معطيات الواقع.
2 ـ تعزيز المواطنة :
إن الانقلاب على تداول السلطة يمر عبر الانقلاب على مفهوم المواطنة التي تعني الانتماء للوطن ، حيث يربط المواطنين خط أفقي ، على اختلاف انتماءاتهم الفردية ؛ قومية أو دينية أو مذهبية أو عقدية أو جغرافية ، يجتمع تحته ، ويعمل من أجل تعزيزه كل أفراد الوطن ومكوناته . ويشكّل هذا الانتماء الرابط الأول والرئيس في العلاقة مع الوطن والعلاقة مع الآخر داخل الوطن
إن السلطة في النظام الجمهوري العربي انقلبت على مفهوم المواطنة حين ربطته بالانتماء إليها أو إلى رمزها ، من خلال اختصار الوطن برمز النظام ؛ فتغيّرت أسماء الأوطان ؛ فالجمهورية العربية السورية غدت " سورية الأسد " والجمهورية العربية المصرية أصبحت " مصر مبارك " و " ليبيا القذافي " و...و...
وصُنّف انتماء المواطن لوطنه بناء على قربه من دولة الرمز ، وأصبحت المواطنة صالحة أو فاسدة ، وذلك وفق تأييد الرمز أو معارضته ، أو الوقوف على الحياد منه ومن مظاهره الاحتفالية ، وإنجازاته الوهمية . وغدا المواطن السلبي ، وفق ذلك ، مشروع عميل خارجي ، وأصبح كل المعتقلين السياسيين يحاكَمون بتهمة الخيانة الوطنية وإن تعددت أسماؤها ، من مثل " إضعاف الشعور الوطني ، والـتحريض الطائفي، وتعريض الأمن القومي للخطر، وعدم مواكبة مسيرة الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية ، و ... "
إن التصاق مفهوم الوطن برأس النظام فكرة انتهازية ونفعية ومؤقتة ومرتبطة بوجود الزعيم ، على عكس فكرة الانتماء للوطن الثابتة والإنسانية لارتباطها بمشاعر نبيلة ومخلصة للمكان بوصفه المكون الثقافي ، المادي والروحي ، لشخصية المواطن .
ولأن فكرة ربط الوطن بالزعيم انتهازية ونفعية ومؤقتة فهي غير قابلة للحياة ، ولا بد أن يؤول مصيرها إلى الانهيار ، وهو ما حدث في الربيع العربي ،فلم يعد مبارك رمزاً للوطن ، والقذافي خوزقه شعبه، وزين العابدين هرب من وطنه وهو في أرذل العمر... وبقي الانتماء للوطن بوصفه مكوناً ثقافياً ، مادياً وروحياً ، هو الرابط بين الوطن والمواطن .
ولكن النظام الجمهوري العربي الذي حاول تجيير الانتماء لرموزه زرع فتنة نائمة كالقنبلة الموقوتة بين مكونات الوطن الواحد ، فعلى مستوى التمثيل الحكومي ، كانت المحاصة الطائفية ، بثوبها الديني أو القبلي أو الجغرافي ، حاضرة بحجة العدالة بين مكونات الوطن ، على الرغم من أن العدالة تقتضي وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بناء على انتمائه التراتبي الأول / المواطنة ، وليس الطائفة بأي صورة من صورها .
إن ذلك الاعتراف التمثيلي بالمكونات من قبل النظام الجمهوري العربي ، كان يترافق مع حبكات خفية تتنافى مع روح المواطنة ، وخطها الأفقي، كالاعتماد على المكوّن القبلي ، كما حدث في ليبيا واليمن ، و الاعتماد على تناقض التوجّهَيْن ، العلماني والديني ، كما حدث في سورية وتونس ومصر ، بالإضافة إلى الفرز بين المنتمي " للوطن الرمز " والمشكوك في و طنيته بناء على مفهوم الانتماء الذي صاغه النظام الجمهوري العربي .
إن الانقلاب على مفهوم المواطنة ذاك الذي مارسه النظام الجمهوري العربي أدى إلى انفجار القنبلة الموقوتة التي زرعها حين هيمنت على الصراع بمجمله فكرة الاقصاء ، إقصاء الآخر المختلف ، قبليّاً أو دينياً أو مذهبياً من الوطن وحق المواطنة وسماتها ، والإقصاء لم يشمل سحب الهوية الوطنية فحسب ، بل سحب حق الآخر في الحياة ؛ ولذلك كانت البشاعة في القتل والتدمير هي المهيمن على المشهد السوري و الليبي و اليمني بشكل خاص .
3 ـ التنمية:
حين يتولى رئيس الجمهورية منصبه في النظام الجمهوري يعد شعبه في قسمه بالتنمية . ومؤشرات التنمية عالميا متعددة مثل معدل التنمية البشرية و التعليم ومستوى الدخل ، والبطالة ...الخ . ولكننا سنقف عند معدلات البطالة في بلدان النظام الجمهوري العربي الآنفة الذكر .
تكشف دراسات البنك الدولي أن نسبة البطالة في تونس وصلت إلى أكثر من15 بالمئة ، وفي ليبيا وصلت إلى 20 في المئة ، وفي مصر 13 بالمئة وفي اليمن 29 بالمئة وفي سورية 14 بالمئة ... ويشير ذلك إلى ان التنمية غير متوافرة في تلك البلدان . وهو مؤشر بالتالي إلى ضعف الحالة الاقتصادية للمواطن وتفشي الفساد الإداري وتغير المنظومة الأخلاقية الاجتماعية لصالح " الشاطر " الذي يستطيع تدبير نفسه !!
إن ذلك الانقلاب الذي نفذته السلطات الحاكمة في النظام الجمهوري العربي بحدوده الثلاثة المذكورة ، كان الدافع الرئيس لثورات شعوب ذلك النظام ، ويمكن ملاحظة مؤشر ذلك أن الربيع العربي لم يمتد للأنظمة الملكية في الوطن العربي ، ولا نقصد بذلك أن وضعها أفضل حالا مع شعوبها ولكنها تحتفظ لذاتها بخصوصية فاعلة من نوع آخر ليس إلّا ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج


.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش




.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا


.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة




.. الخارجية الأميركية: السعودية تشترط لعلاقات مع إسرائيل التهدئ