الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة حكومة الوحدة الوطنية و كرنفال توزيع الفشل الحكومي

محمد محسن عامر

2016 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من الطريف حقا في المشهد السياسي التونسي في لحظات انهياره المشوق هذه أن يخرج الحاكمون على الناس مطأطئي رؤوسهم , للدعوة إلى حكومة وحدة وطنية . التقليعة السياسية الأخيرة الشبيهة بحركة الجمباز للرئيس مالك الصلاحيات الفخرية حول حكومة الوحدة الوطنية ليست جديدة عن سنن خطابات الساسة التونسيين , إذا بعد أن أخذت تونس في عهد الترويكا بزعامة الإسلاميين الطريق بكل ثقة نحو طالبانية المجتمع التونسي , و بعد أن دخلت مقولة الإغتيال السياسي القاموس السياسي التونسي و بعد انهار الإقتصاد و أصبحت البلاد على شفى المجهول في مواجهة تخريب الإسلاميين المنظم للدولة و هيمنتهم على أجهزتها و خلق أمن موازي ميليشياوي متزامن مع تجمع بقايا النظام السابق في حزب زلماني علماني سمي نداء تونس , داخل كل هذا الجو الأسود جاء الإسلاميون مع ترويكاهم للحديث عن حكومة وحدة وطنية أو في حدها الأدنى حكومة تكنوقراطية محايدة و المهم في محصلة السجال التبرؤ من حفلة الجنون التي مارسوها فترة حكمهم على البلاد .إن كان الإسلاميون أرادوا بحكومة الوحدة الوطنية في ما سبق التملص من مسؤولية تحويل الدولة في وضعها الانتقالي إلى حطام , و النجاة من موجة اقتلاع أضراس الإخوان من كل مكان من رابعة حتى ساحة باردو عن طريق دعم الفاعلين الإقليميين للدولة العميقة كما يحلو للبعض تسميتها . ماذا يريد شيخ قرطاج الهرم بهذه الدعوة .

حكومة الحبيب الصيد التي تنال دعما قويا من حركة النهضة الحزب الأقوى و المهيمن الفعلي على السلطة أصبحت في وقتها بدل الضائع.لقد فشل حزب نداء تونس على لملمة شتات بقايا النظام خلفه حتى و إن لبس الباجي قايد السبسي طاقية الحبيب بورقيبة و افتتح له نصبا في الشارع الرئيسي للعاصمة , و بنا بالكاشف أن ولاءات المهيمنين على دواليب الدولة و المجتمع متغيرة حسب الظروف و أن الولاء لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي لم يتجاوز أغنية طللية لأم كلثوم عن وكر قديم تجمع فيه مافيات الفساد و أصبح بعد الثورة هيكلا غير قادر على استيعاب متغيرات المشهد الداخلي و الخارجي .في خضم هذا التوزيع الجديد للهيمنة السياسية لم يكن شعار النمط المجتمعي و حداثة تونس التي رفعها نداء تونس في خضم النزاع الانتخابي مع حركة النهضة سوى كلمات دعائية استحال إلى تحويلها إلى برنامج سياسي متمايز عن حركة النهضة , و دخل فور فوزه الإنتخابي في احتراب داخلي انتهى بتوريث ما تبقى من الحزب لابن الرئيس عديم الخبرة و المحاط بجزء من المافيات المستنفذة ذات الإرتباطات المعقدة داخل الدولة التونسية و خارجها .
سمات ثلاث تميز المشهد السياسي التونسي في هذا المناخ السجالي حول مبادرة حكومة الوحدة الوطنية :
أولا: البلاد في وضع أزمة اقتصادية خانق لم يسعفها فيه سيل القروض الأجنبية المتتالية من الإتحاد الأوروبي و البنك الدولي و بعض الصدقات الهبوية من بعد الأشقاء المتناغمين مع التمشي السياسي للبلاد . بالإضافة إلى وضع أمني شائك بحدود مفتوحة في الشرق و خطر إرهابي متربص بعد محاولة تعتبر جدية لتنظيم الدولة الإسلامية لخلق "مناطق محررة" في مدينة بن قردان . ثالثة الأثافي أن الصعود نحو الهاوية الذي تقوده الحكومة سيجعل الأحزاب الحاكمة الان في مواجهة مسائلة شعبية و ستطرح للجلد انتخابيا إذا مر سيناريو الإنتخابات المبكرة . بالتالي ما هو المخرج للحاكمين من هذا المستنقع .

ثانيا : الباجي قايد السبسي الرئيس بالإضافة إلى تشريفية مهامه كرئيس للجمهورية فاقد للسند الحزبي الذي من خلاله سيستطيع خلق التوازن مع خصم القوي و شريكه في الحكم , أكبر دليل على ذلك تكلفي الباجي الصغير إبن الرئيس عديم الخبرة السياسية بقيادة المشاورات حول حكومة الوحدة الوطنية و هذا إن دل على كون نداء تونس في حالة فراغ و شلل تجعل شخصا عديما الخبرة السياسية لقيادة مشاورات مصيرية حول مستقبل البلاد .

ثالثا : حركة النهضة بوعي تام بالأزمة الحالية واصلت لعب دور الشريك النزيه المتقاسم للحكم لا الفاعل و المحدد الحقيقي فيه , و اتجهت نحو كلينيك مؤتمرها من أجل تجميل بعض المناطق الحساسة من قبيل الإنتماء للحركة الإخوانية العالمية و إسقاط إسلامي من خلفيتها الفكرية و نفخ بعد الدعاوى اللبرالية المدينة , و هذا خرجت حركة النهضة من مؤتمرها باستعراض قوى هو رسالة لخصومها و حلفائها على حد سواء و للقوى الدولية من أجل القول أن النهضة مستعدة دوما أن تكون فاعلا يوثق فيه بل أنها الفاعل الوحيد الواجب التعامل معها.

الدعوة لحكومة وحدة وطنية و كما كان متوقعا خلقت حالة بلبلة و فوضى بين القوى السياسية في البلاد في وقت أصبحت فيه الرؤى حول البدائل الممكنة شديدة الضبابية . سهام الدعوة "السبسية" وجهت لثلاث قوى مختلفة و لكنها محددة في تشكيل المجال السياسي التونسي : القوة النقابية للمنظمة الشغيلة و القدرة الاقتصادية لمنظمة الأعراف و اليد الجماهرية و قوة الإحتجاج الشعبي لدى الجبهة الشعبية . هذه الدعوة لهذه القوى الثلاث الغاية منها وضعها في إحراج سياسي كونها ضد الوحدة الوطنية باعتبار هذه الوحدة كما يزعم سقيفة ستجمع كل الفرقاء من أجل "إنقاذ البلاد" حتى لو غاب برنامج الإنقاذ ذاته .
دعوة الرئيس التشريفي للدولة التونسية الغاية منه أولا إثارة غبار السجالات و المبارزات السياسية حول المبادرة و مضمونها الغير واضح حتى الآن. ثانيا دفع الخصوم السياسيين إلى تناطح خطابي سجالي يجعل يخلط المشهد من جديد من أجل شق تحالفات جديدة بين تناقضات الفاعليين السياسيين قادر لو مر كما يحسبه الحاكمون على تكوين تحالف سياسي جديد أكثر صلابة و هو المستبعد كثيرا . في حال فشل مبادرة الوحدة الوطنية التي أوصلت القوى السياسية الحاكمة للإقرار بالفشل الحكومي و حالة الأزمة سيكون سيناريو الإنتخابات المبكرة وارد و هو الذي سيكون حتما في مصلحة حركة النهضة التي تبدي حاليا جهوزية تنظيمية و سياسية قصوى قياسا بكل الخصوم . لقد ضاع دم مشروع النمط المجتمعي الرخو أمام ضرورات السياسة التي لا ترحم و أصبح المجهول هو الحاكم بأمر المجال السياسي بل و كل مستقبل البلاد .. لنأمل أن لا يحصل الزلزال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات