الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغباء في معاداة اليهود : هل كان ستالين غبيًا ؟

سيلوس العراقي

2016 / 6 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من المعروف أنه لم تكن حال اليهود في الاتحاد السوفيتي السابق مزدهرة كثيرًا، وخاصة في عهد الزعيم السوفيتي ستالين. كان ستالين منذ شبابه المبكر معاديًا للسامية حيث كانت لديه مواقف وكلام معادٍ ومهينٍ لليهود، بالرغم من أنه تعلّم فيما بعد كيف يخفي بمكرٍ معاداته للسامية ومخفيًا إياها تحت قناع (أقنعة) الادعاء أو الاعتقاد بأن الحزب الذي ينتمي اليه يعتبر حزبًا عالميًا أو أمميًا.
مثلما يحاول لغاية اليوم من يدعون اليسار والشيوعية والماركسية من الاحزاب التي تدعي بأنها أممية واشتراكية إخفاء معاداتهم لليهود تحت أقنعة مختلفة ، يظنون بأن زيف الخطابات وبهلوانية استخدام الاقنعة ستخدع الشعب اليهودي وسياسييه وخبرائه وعلمائه السياسيين والستراتيجيين ومراكز الابحاث المختصة بمتابعو وتحليل خطابات أيتام الاتحاد السوفيتي والبلشفية الفاشية المندحرة تمامًا.
بالرغم من محاولات ستالين الخبيثة وغير الجديرة بالثقة تمامًا، وبالرغم من ادعائه الشيوعية والأممية خاصة، ازدادت واشتدت كراهية ستالين لليهود كثيرًا في سنوات الثلاثينات (من القرن العشرين)، وكثيرًا ما أظهر عداءه لليهود بأشكال مختلفة وفي أحداث كثيرة مختلفة نسرد نتفة صغيرة منها، اقتباسا من كتاب رومان بروكمان : الملف السري لجوزيف ستالين ـ الحياة السرية،2001.
حينما علِم ستالين بأنّ عددًا من اليهود قد لعبوا دورًا مهمًا في كشف قصصه وتاريخه في وثائق الاورخانا، والادعاء بأن ستالين كان وكيلا للاورخانا، بالرغم من تشكيك كثير من الدارسين اليوم بصحة هذه الوثيقة، والاورخانا (أو الاوركانا) هي تسمية للشرطة الروسية (القيصرية) ومن هؤلاء اليهود الذين كان لهم دور في هذا الشأن :
رابينوفيتش الذي وجد الوثيقة (الفايل أو الملف) بين أوراق دجيرشينسكي،
ياكوف بلومكين الذي حاول تهريب الفايل الى الخارج،
شتاين الذي اكتشف الفايل في مكتب مينجينيسكي ،
زينوفي كاتسنيلسون الذي تسلّم الفايل من شتاين،
يان جمارنيك الذي خبأ الفايل في مكان آمن في مكتبه والذي قام معًا برفقة توكاتشيفسكي بمحاولة لمؤامرة عسكرية ضد ستالين،
ايغناس رييس الذي أخبر أنصار تروتسكي باكتشاف الفايل،
جينريك ليوشكوف رئيس مكتب الشرق الأقصى في مفوضية الشعب للشؤون الداخلية NKVD (إحدى المؤسسات الأمنية للسلطات السوفيتية، وهي مؤسسة شرطة سرية كانت مسؤولة عن القمع السياسي الستاليني)، الذي تم تعيينه من قبل ستالين في مهمة الفايل المزمع والمسمى "رسالة ايريمين" لكنه هرب الى اليابان.
فالتر كريفيتيسكي والكسندر اورلوف المنشقان الهاربان الى الغرب، وكان ستالين يعتقد بارتباطهما بمعرفة أسرار رسالة ايريمين ـ الفايل.
لقد تعاظمت ونمت كثيرًا كراهية ستالين لليهود مع الوقت، وأصبحت أكثر حدة من كراهيته واشمئزازه من البولونيين.
فابنته سفيتلانا كتبت واصفة أباها ستالين بأنه كان معاديًا للسامية، ولكنه لم يكن يُظهر عداءه للسامية علنيًا، فقط في وقت متأخر بعد الحرب.
وكذلك كتب خروشوف بأن ستالين خلال السنوات الأخيرة الخمسة (الغبية) من حياته لم يتمكن من إخفاء معاداته للسامية.
ان كراهية ستالين لليهود كان لها أذى خاص في حياة ابنته سفيتلانا شخصيًا، حيث نفى ستالين السناريست (كاتب السيناريوات) الكسي كابلر، الحبيب الأول لسفيتلانا. ورفض والدها ستالين مقابلة زوجها اليهودي غريغوري موروز.
بعض من الأمور الستالينية الغريبة:
واحدٌ من أكثر الجوانب غرابة وتناقض في معاداة ستالين للسامية، هو انتهاجه سياسة داعمة في وقت تأسيس الدولة العبرية لليهود دولة اسرائيل. حيث أن ستالين كان يأمل في استمالة اسرائيل لتكون أو ليجعلها تدور في الفلك السوفيتي تمامًا كحال الجمهوريات الديمقراطية في اوربا الشرقية التي أسّسها لتدور في فلك المنظومة السوفيتية.
لكن الغريب في أمر ستالين من جانب آخر، انه يقوم باغتيال ميخويلس و ايبشتاين والقاء القبض على أعضاء اللجنة اليهودية المعادية للفاشية.
والجانب الغريب الآخر في أمر الذكاء السياسي لستالين ـ لو كان لديه القليل منه ـ في تناقض سلوكه وطرق تعامله مع اليهود بشكل واضح لا ينمّ عن ذكاء (بل على العكس منه) بقيامه بهذه الاجراءات وغيرها من الأعمال المعادية لليهود، تمامًا بعد أن كان قد قرّر أن يُتبع دولة اسرائيل الحديثة في فلكه السوفيتي. ومن جملة الأمور والحوادث الأخرى:
في نهاية مؤتمر طهران أخبر روزفلت ستالين بأنه كان قد اعتزم مراجعة كلّ المسألة الفلسطينية مع ملك السعودية.
فأجابه ستالين بشكلٍ غامض، بأن المشكلة اليهودية كانت صعبة الى درجة قصوى، وأن الاتحاد السوفيتي حاول تأسيس وطن قومي لليهود، بقوا فيه لسنتين أو ثلاث ومن بعدها تسربوا الى المدن الأخرى. إن اليهود تجار بالطبيعة، يستمر ستالين في إخبار روزفلت مضيفًا، فقط مجموعة صغيرة منهم تستقر في مناطق زراعية.
كان في فكر ستالين بيروبيجان والمشروع الذي كان ينوي تنفيذه هو، إعادة توطين جميع اليهود السوفيت، وربما أيضًا يهود من بلدان أخرى، في منطقة مستقلة يهودية، الى الشرق الأقصى من سيبيريا.
وحينما تمّ اعلان تأسيس دولة اسرائيل في 14 مايس آيار 1948م، تم اعتراف السوفيت والأميريكان بها مباشرة. ومثلما قلنا فأنه كان في نية ستالين جلب اسرائيل لتنضم الى الفلك السوفيتي، فقرّر تزويد اسرائيل بالأسلحة حينما شنّت الدول العربية السبعة حربها على الدولة العبرية الوليدة.
وفي الوقت الذي كانت فيه قناة السويس تحت سيطرة البريطانيين، فكّر ستالين بحفرِ قناة أخرى في صحراء النقب لربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر.
بينما في نفس الوقت تقريبًا، كانت هناك بعض الحوادث في اوربا الشرقية وبالخصوص في بولونيا نموذج "الديمقراطية الشعبية" التي أسسها ستالين، حوادث لا تساعد اليهود في الثقة بستالين، بل كانت علامة تنبيهية وتحذيرية للكثير من اليهود في اسرائيل. وحادث الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا في شباط 1948 ومقتل وزير الخارجية التشيكي يان ماساريك كان بمثابة تحذير آخر للاسرائيليين، حيث تم العثور على جثة الوزير ماساريك في فناء وزارة الخارجية التشيكية، وكان هناك ثقب لرصاصة خلف أذنه إشارة ودليلا على أنه قد تم قتله باطلاق رصاصة عليه ومن بعدها تم رميه من نافذة مكتبه الى الفناء. وحادث آخر هو الصراع بين المارشال جوزيف تيتو الرئيس اليوغسلافي والزعيم ستالين في صيف عام 1948، يضاف الى ذلك حادث الحصار السوفيتي لبرلين في نفس السنة.
كانت كلّ هذه علامات تحذيرية لعديد من يهود اسرائيل من ستالين ولعدم الثقة به كما أنها كانت في نفس الوقت دليلا عمليا لمعاداته لليهود ـ للسامية.
فالرئيس الاسرائيلي حاييم وايزمن كان معترضًا على اليسار الاسرائيلي الذي كان يمجّد ستالين.
ورئيس الوزراء الاسرائيلي ديفيد بن غوريون لم ينخدع ولم تكن لديه أية أوهام بخصوص ستالين وخداعه، ففي عام 1938 اعترض بن غوريون على المحاكمات في موسكو مستنكرًا ما قام به ستالين واصفا اياه "خام ها كروزيني " أي الفتى الصلف أو البلطجي.
ومن جانب آخر ، منذ نيسان 1948م ـ في عهد ستالين ـ حينما بدأت العلاقات الدبلوماسية بين السوفيت ودولة اسرائيل حديثة التأسيس. ارتبط ذلك الحدث التاريخي مع وصول كولدا مائير في نيسان 1948م الى موسكو، كأول سفيرة لاسرائيل لدى الاتحاد السوفيتي. وتم استقبالها من قبل ستالين بحفاوة وحرارة !! ومن بعدها تم استقبالها في السيناغوغ (كورال)الكبير في موسكو في أول أيام عيد رأس السنة اليهودية. تماما بعد مايقارب 5 أشهر من الاعلان الأممي لتاسيس دولة اسرائيل، ومن المعلوم بأن حكومة ستالين كانت ثاني دولة في العالم قدمت اعترافها الرسمي بها.
وبالرغم من هذا فان الجهات السوفيتية المختصة حذّرت ونبهت اليهود المحليين السوفيت بالابتعاد عن الدبلوماسيين الاسرائيليين. كما أن الاسرائيليين كانوا حذرين هم الآخرين في الاتصال الشخصي أو في اقامة أية علاقة شخصية مع اليهود السوفيت.
ففي جريدة البرافدا (نقلا من مقال لديفيد كرين أحد كتاب الأعمدة في هاآريتس) كتبت اليا ايهرينبرغ: إن دولة اسرائيل الحديثة لا علاقة لها البتة بيهود الاتحاد السوفيتي، حيث لا توجد أي مشكلة يهودية، لذلك فلا حاجة لهم باسرائيل".
ومع كلّ هذا فأن حضور كولدا مائير جذب الآلاف من اليهود السوفيت الى سيناغوغ موسكو . فتذكر مائير في مذكراتها بأنه بدلا من 2000 يهودي سوفيتي كانوا يحضرون السيناغوغ أيام الأعياد، حضر جمهور كبير منهم قارب 50000 كان ينتظر هناك ليلتقيها ويراها. وتضيف مائير للوهلة الأولى لم أتمكن من فهم ماحدث ولا حتى مَن كان هؤلاء كلهم، ومن ثم اتضح لي السبب، إن هؤلاء الطيبون، اليهود الشجعان، أتوا لاظهار مشاعر القربى التي يشعرونها وليشتركوا في الاحتفال بفرحة تأسيس الدولة العبرية".
وبعد أشهر حضرت مائير حفل استقبال كبير في الكرملين على شرف ذكرى الثورة السوفيتية، وتم الترحيب بها من قبل بولينا مولوتوف زوجة وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف، وتحدثت بولينا بلغة الييديش مع مائير وحثتها للحضور في السيناغوغ دائمًا. ومعروف أن بولينا زوجة مولوتوف اليهودية كانت مثل زوجها من المعجبين بجنون وبتعصب وبطريقة متطرفة لستالين.

في ذلك الحين ، لم تكن قد مضت فترة طويلة على ردّ ستالين على التهديد الذي تمثل في اليهود السوفيت في اعادة احياء مسألتهم القومية، وفي أوائل شهر نوفمبر تشرين الثاني من ذات العام 1948م، تم القاء القبض على اليهود ذوي النفوذ من قادة الحركة المناهضة للفاشية، وتم اغلاق المؤسسات الثقافية اليهودية من كافة أراضي الاتحاد السوفيتي، وبشكل خاص تلك التي في بيروبيجان التي تم انشاءها لتكون منطقة لحكم ذاتي لليهود. وفي ديسمبر كانون الأول من ذات العام تم القاء القبض على بولينا بتهمة الخيانة، وتم اجبارها على الطلاق من زوجها مولوتوف، وتم ارسالها الى معسكرات الأعمال الشاقة. ومن بعد ذلك قامت السلطات السوفيتية بعمليات تطهير عديدة، ومن ضمن ذلك ما سمّي بمؤامرة الأطباء، والتي تم فيها اتهام مجموعة من الأطباء اليهود بالتآمر لاغتيال عدد من القيادات السياسية السوفيتية، وتوقفت اجراءات هذه المحاكمات مع غيرها من عمليات سفك دماء اليهود السوفيت كما أفرج عن بولينا مولوتوف عند الوفاة المفاجئة لستالين عام 1953م.
في 21 ديسمبر كانون الاول عام 1950 تم الاحتفال بعيد ميلاد ستالين السبعين، وتم وصول الهدايا الى ستالين بمناسبة عيد ميلاده من دول مختلفة من العالم، وكان من ضمن المعجبين به عدد من اليهود، ومن ضمن الهدايا الثمينة معطف من الفرو النادر قام باهدائه له مجموعة من أفخر الخياطين اليهود النيويوركيين، مثلما قاموا بارسال أثمن الهدايا له في اوغسطس آب عام 1949 بعد اعلان نجاح تجربة أول قنبلة ذرية سوفيتية.
ماكينات الدعاية الاعلامية السوفيتية كانت قد أُصيبت بنوبة من الجنون في اطرائها الخيالي فائق الوصف في ذلك الحين، ومثال على هذه النوبة الجنونية في التأليه، في مقالة "نبوية" لكاتب سوفيتي في جريدة برافدا السوفيتية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوفيتي، ليونيد ليونوف الذي يكتب نبوءته: أنه سيتم الاحتفال بعيد ميلاد ستالين في كل أنحاء المعمورة، وسيكون عيد ميلاد ستالين بدءًا لتقويم عالمي جديد ليحلّ محل التقويم الذي يبدأ مع ميلاد يسوع المسيح.
في مايس آيار من عام 1950 استنكرت اسرائيل الى جانب الولايات المتحدة الاميريكية العدوان الشيوعي المُدان والمستهجن على كوريا. وحينها أدرك ستالين فشله التام في حلمه (الوهم) بجعل اسرائيل قاعدة سوفيتية في منطقة الشرق الأوسط. مما أدى الى صعود الغضب والحنق في رأس ستالين الذي رأى في هذا الموقف نكرانًا للجميل وخيانة من قبل اليهود (يبدو أن ستالين كان قد فقد عقله تمامًا).
ومع أن الاعلام السوفيتي بقي صامتًا ازاء تراجع القوات في كوريا، لكنه بقي مستمرًا في أمر تافه آخر، حيث كان منشغلاً ظاهريًا وبشكل مقنّع ٍ في "مسألة لغوية ـ لينكويستيك" لكن العنوان المستترٍ المخفي كان "المسألة اليهودية" ومعاداة ستالين لكل ماهو ساميّ ـ يهودي، من دون ذكر اليهود صراحة. ففي حينها بدى ستالين مهتمًا بمسألة لغوية، وكأنه أصبح عالمًا في اللغات بالصدفة!! بعد الاعتقالات للعديد من اليهود السوفيت التي قامت بها أجهزته الأمنية في عام 1948 ومصادرة مجلدات الموسوعة اليهودية، كان ستالين منهمكًا في مراجعة المجلدات البالغ عددها 16 للموسوعة اليهودية باللغة الروسية المطبوعة في عام 1913، وتوقف ستالين عند تلميح في موضوعة اللغة الجورجية التي يأتي فيها ذكر الألسني اللغوي ـ اللينكويستيكو ـ الشاب نيكو مار ونظريته الخاصة في كون أصول اللغة الجورجية هي أصول لغوية سامية.
ففي عام 1896 كتب نيكو مار مقالا في صحيفة "ايفريا" الجورجية وفي عام 1907 قام بنشر كتيبًا يدافع فيه ويحاجج نظريته هذه. وأصبح نيكو مار في أواخر حياته أحد الأكاديميين السوفيت المهمّين والبارزين، وبعد وفاته في عام 1934 ترك عديدًا من التلاميذ وأغلبهم لم يدركوا ولم يكونوا يعلموا بأنه كان قد وقع في شبابه في الخطيئة (المميتة !!) ضد ستالين بطرحه نظرية تنسب الأصل السامي للغة الجورجية لغة ستالين الأم.
وحتى الموت لم يسعف الباحث الأكاديمي نيكو مار في استدراك الاثم الذي وقع فيه، فشنّ ستالين هجومًا على الأكاديمي نيكو مار بشراسة في مقالات توبيخية للمتوفي على صفحات البرافدا. ودعا ستالين اللغوي الأكاديمي الجورجي أي. إس. جيكوبابا الى عشاء في الكرملين وطرح عليه الموضوع اللغوي إياه. حتى خروشوف الذي كان حاضرًا في ذلك العشاء لم يكن يعرف سرّ الاهتمام المفاجيء لستالين بمواضيع لغوية، حينها طلب ستالين من مسؤول سكرتاريته بوسكريبيشيف إحضار المطبوعات اللغوية الصادرة قبل الثورة، وفي لحظة ما تداخل أحد الاميرالات الحاضرين حين قيام بوسكريبيشيف باحضار المطبوعات قائلا باعجاب في عبقرية وذكاء قائده ستالين غير المحدود: "مالذي لا يدرسه ستالين"، قائلا ذلك برهبة وإعجاب.
لم يكشف ستالين عن السرّ المخفي تحت حملته الهجومية على مار Marr التي تحمل اتهامات بشعة . فرفض ستالين (كأنه عالم لغوي !!) بكل بساطة كلّ الرؤية اللغوية الأكاديمية لمار، مدعيًا بأن اللغة لم تكن أبدًا بنية فوقية super بل انها كانت بكل بساطة لغة بسيطة simple language . فيبدو أنه كان في أعماق ستالين مخاوف كبيرة من صحة وحقيقة نظرية مار.
ولم تتوقف مخاوف ستالين ورعبه عند هذا الحدّ بل استمرت تقلق فكره وعقله الباطن.
ففي عام 1949 أصدر ستالين أمرًا يخص مجلة "ايفريا Iveria " الجورجية (ايفريا هو الاسم القديم والشاعري لجورجيا في اللغة الجورجية القديمة) وتضمّنَ أمرُ ستالين إلغاءَ تسمية المجلة "ايفريا" وليصبح "ساكارتفيلو" وهو اسم لجورجيا في اللغة الجورجية الحديثة.

وما هو السرّ الكامن في رأس ستالين الذي دعاه الى إلغاء تسمية ايفريا Iveria ؟
ان المفردة "ايفريا Iveria " كانت قد وردت في نظرية الأكاديمي نيكو مار كمثال من الأمثلة التي استشهد بها كشواهد باقية لأصولٍ ساميّة للغة الجورجية. المفردة التي هي الأخرى لم تسلم من دموية ستالين فلم يتركها ستالين على قيد الحياة ، فقرر ستالين وأصدر أمرًا بأن يتمّ الغاء كلمة "ايفريا Iveria " أينما وردت وفي كلّ المطبوعات، ومن ضمن ذلك أينما وردت المفردة، حتى في بعض قصائد الشعر التي كتبها ستالين نفسه في صباه مستخدمًا المفردة البريئة. كما تم اصدار أوامر من ستالين تقضي بفصل كافة تلاميذ نيكو مار من أعمالهم، والغاء وحرق كافة أطروحاتهم، وفصلهم من كافة مناصبهم، كما تم إلقاء القبض على البعض منهم. ولم يشتبه أي منهم بأن ستالين قام بمعاقبتهم بسبب نظرية مار (التي تنسب أصولا ساميّة للغة الجورجية) التي تكاد تكون منسيّة.

وهل توقف الأمر عند هذا الحدّ ؟
يبدو أن ستالين كان في غاية القلق وأصيب بالأرق من المفردات اللغوية الأخرى ذات العلاقة بالكلمة "ايفريا Iveria" وبنظرية مار التي تزعم الأصول السامية للغة الجورجية.
فكانت هناك نظرية لغوية أخرى، تقول أن الباسيك والألبانيين والجورجيين ينتمون الى مجموعة شعوب ايبريا Iberia التي تعيش في مناطق حوض البحر المتوسط في عصور قديمة.
وللتجانس الملاحظ بين Iveria و Iberia و Ivrei وهي تسمية اليهود في روسيا و Uria تسمية اليهود في الجورجية، فاعتقد أنه من الأرجح أن تكون كل هذه المفردات لها ذات الجذر اللغوي، فيمكن ادراك بأن اليهود والجورجيين ينتمون إلى شعوب ايبريا. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا ابتدأ ستالين في إظهار (مقته) أو عدم اعجابه بالجورجيين أيضًا. فيخبر ستالين ابنته سفيتلانا بأن الجورجيين يفتحون افواههم ويصرخون كالحمقى. وبدأ يتنكر لأصله الجورجي مغيّرًا لهجته حين التحدث بالقول: "نحن الروس ..." .
والغريب أن العديد من اليساريين والشيوعيين العرب ، ومن كتّاب هذا الموقع ، مع الاحترام لشخصهم، لازالوا يقدسون ستالين وينزهونه من فاشيته ودمويته ومن معاداته لليهود وللسامية، ويعتقدون أن لهم وحدهم الحق في ابداء الرأي في ستالين وممارساته وممارسات الحكومات التعسفية السوفيتية، متناسين التحالف (المقدس !!) الستاليني النازي، التحالف العار، ومتناسين معاداة كليهما لليهود واقتراف الفاشية السوفيتية والستالينية كما النازية الهتلرية لجرائم ابادة اليهود التي لا يمكن للضمير الانساني أن ينساها مطلقًا.
إن كان العرب من يساريين وشيوعيين وماركسيين ينسون ذلك ويغفلونه، فان التاريخ لا يمكنه أن يغفل حقائق الماضي الموثقة، ويبقى العار لكلّ من ينكر جرائم إبادة اليهود التي قامت بها النازية والفاشية والشيوعية الستالينية، وأحفادها الأيتام اليساريين والشيوعيين العرب لازالوا يمجدون الماضي العار لما اقترفه سادتهم ومعلموهم ورفاقهم السفاحين مقنّعين بقناع الشيوعية والأممية واحترام الشعوب.
بالتأكيد فان هؤلاء لن يحصدوا إلا العار ومزبلة التاريخ حيث يقبع سفّاحو ايديولوجيتهم الشريرة.
وهذا جزء بسيط جدًا في البرهان على صحة معادلة المفكر يعقوب ابراهامي :
البولشفية الستالينية = ماركسية + فاشية ..


أو الماركسية الستالينية = الفاشية
ويمكن أن تكون أيضًا = النازية الهتلرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال