الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهامة عراقي أصيل..قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2016 / 6 / 14
الادب والفن


في ظهيرة صيف العراق القائظ، وفي البصرة الفيحاء ،حيث الشوارع خلت من المارة، والناس دلفت بيوتها يبحثون عن ظل ٍ يحميهم من حرارة الشمس، وعن نسيم هواء بارد قد يخرج من نافذة أو من ثقب حائط، او من مروحة يدوية "مهفة" مصنوعة من سعف النخيل تضرب الهواء فيها ويبرد جسم الطفل المائع من الحر ِّ ومن رطوبة الجو؛ حيث لا كهرباء ولا ماء، وجميع الخلق هناك يعانون من هذا الحال ،يتضرعون الى رب الأرض والسماء ان يزيل هذه الغمة عنهم وعن وطنهم كي يحيوا بصفاء وهناء..
صوتُ عياط في الشارع، أفزَعَ أهل المحلة!؛ إذ كانت النيران ملتهبة، تلتهم ما تبقى من أثاث البيت... أمٌ تعيط مستغيثة بوجه الناس، تلطمُ خديها: نسيتُ ولديَّ في الغرفة!...
لا يوجد مهرب للخروج فألسنة اللهب أحاطت المكان، والأم مازالت بعياطها تبحث عن نخوة وعن منقذ بوجوه الناس المتجمهرين في المكان :
هناك طفلاي ستحرقهم النار، واوشكت ان ترمي نفسها في النار وتدخل دارها؛ لكن هبَّ لنجدتها من بين الناس شاب اسمه "ناجي" ركض صوب النار مقتحماً ألسنة اللهب!! اخترق النيران وازاحها وكأنها صارت "برداً وسلاماً" !!.
اندهش الواقفون لبطولته ففغرت أفواههم، والنساء وضعن أكفهن على أفواههن وبعضهن وضعنها على خدودهن مندهشات!! لجرأةِ هذا البطل الذي يوحي لهم بأنه سيرمي نفسه في الهلاك...
وماهي إلاّ دقائق معدودة واذا به يخرج حاملاً بيديه طفلاً، ويصيح إنه حيٌ. إنه حيٌ، والناس اخذت تكبر الله اكبر.. الله اكبر !!، وحناجر النساء تزغرد، والرجال يصفقون.
وانتخته الأم ثانية: هناك طفل ثانٍ يا ولدي.. لم يتهاون ونسي لابل تناسى في تلك اللحظة الإنسانية مقتل" آرام" أقاربه ابن البصرة ذلك الشاب اليتيم الذي نحره جاره في العام الماضي بسكينه ويصيح الله اكبر.. الله اكبر !! ولسبب طائفي اعتبره كافراً؛ كونه صابئياً مندائياً!!؟.
نسي ناجي كل ذلك بل قفز مرة أخرى واخترق لجّة النار والسنتها المتصاعدة.. منظر موجع نيران مشتعلة ودخان يعمي العيون وناجي يفتش في الغرف عن الطفل الثاني فوجده، وكان يبكي بصوت واهن وهو في آخر الانفاس منزوياً عند ركن الغرفة.. حمله وركض به الى خارج الدار ..لكنَّ القدر كانت له عيون أخرى، وقبل ان يخرج دوى صوت انفجار هزَّ البيت والمكان !! وكانت أسطوانة الغاز لقد انفجرت من خلفه كالقنبلة ،رماه عصفها مغمياً على الأرض والطفل بين يديه. فأحرقه اللهب وتشوه جسمه.. اخذته الحروق فقفز اليه بعض الرجال فسحبوه والطفل.
مات ناجي ابن سومر وبابل وآشور، مات ابن الرافدين وترك ولديه الصغيرين وزوجته يعيشون باقي أيام العمر حسرة عليه، وهم فخورون به وبشهامته.
-هل مات ناجي الصابئي المندائي شهيداً بفعل نخوته وشهامته وخلقه وحبه للناس والوطن؟، أم انه سيكون "نسياً منسياً" مع مرور الأيام..؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل