الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور أقباط المهجر في التغيير

هويدا طه

2005 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حظيت المسألة القبطية مؤخرا بمساحة إعلامية لا بأس بها على الفضائيات، ساهم في حجزها مؤتمر الأقباط الذي عقد في واشنطن منذ أيام.. وأحداث العنف الطائفية في الإسكندرية منذ أسابيع.. وطغيان الحدث الانتخابي في مصر حيث عدد المرشحين الأقباط شحيح إلى درجة لا تتناسب وعددهم، وربما ساعدت أجواء دولية- مهما كانت دوافعها- يتزايد اهتمامها بحقوق الأقليات، أو كل تلك الأسباب مجتمعة.. هذا الظهور الإعلامي للمسألة القبطية- أيا كانت أسبابه- هو أمر إيجابي وليس مقلقا أبدا، فمن المهم طرح قضية كامنة في أحشاء مصر على سطح الأحداث، لأن (هروب) أو تهرب أي مجتمع من مواجهة مشكلة (مكبوتة) فيه.. بتأجيلها يوما بعد يوم وعقدا بعد عقد ثم جيلا وراء جيل.. لا ينتج عنه إلا تفاقمها وزيادة صعوبة حلها، لكن المهم هو كيف تطرح ومن يطرحها وفي أي اتجاه..
جانب من معالم ذلك الطرح الإعلامي للمسألة القبطية يتضح من خلال متابعة برامج الفضائيات التي تتطرق إليها، هذا الأسبوع مثلا تناولتها برامج مثل: (ما وراء الخبر) و(من واشنطن) وكلاهما كان على قناة الجزيرة، و برنامج (الجهات الأربع) على قناة الحرة، إلى جانب فرص إعلامية عديدة.. سواء في الإذاعة أو في فضائيات عربية أخرى (ما عدا القنوات المصرية طبعا.. التي تنافس النعام في دفن أقمارها الصناعية في الرمال)! هذه الفرص الإعلامية ذات فائدة كبيرة في تصحيح (الفكرة العامة) عما يسمى بالمسألة القبطية، سواء لدى المسلمين أو الأقباط أنفسهم.. أحد أهم تلك الفوائد هي تغيير أو تصحيح الصورة (النمطية) عن أقباط المهجر.. التي تمحورت حول تصويرهم وكأنهم طابور خامس أو خونة للوطن أو ما شابه، وهي صورة ساهم بعضهم في صنعها بقدر ما صنعها لهم آخرون، يساهم بعضهم في صنعها عندما يسقط في فخ تديين القضية.. بالغوص في مستنقع (المقارنة) بين الديانتين، أو عندما يتبنى التفسير الديني لتاريخ مصر.. المثخن بجراح توالي الأديان فيه دينا وراء دين.. فلم تكن المسيحية دين مصر الوحيد والأزلي تاريخيا، أو عندما يلوذ بالتدين للخلاص من ظلم سياسي أو اجتماعي لا يحله إلا اللجوء إلى وسائل مدنية.. بغض النظر عن دين الظالم ودين المظلوم! وهو نفس الفخ الذي وقعت فيه الأغلبية المسلمة عندما تزايد عليها ضغط القهر والقمع السياسي والاقتصادي فلجأت إلى الدين.. حتى تكاد تشعر أن مصر كلها- بمسلميها وأقباطها- تعيش حالة الحساب العسير في (الحياة الآخرة) قبل أن تفنى الأرض ومن عليها! الصورة النمطية للقبطي المهاجر الذي يلوذ بالمسيحية تدينا.. مقابل تزايد تشدد شركاء الوطن المسلمين.. قوبلت بكل ما يحمله المصريون تاريخيا من توجس تجاه الخارج وما يأتي منه، وزاد من تأجج ذلك التوجس مبالغة بعض أقباط المهجر في تصوير (أقباط الداخل) وكأنهم- جميعهم- مقيدون بسلاسل في ساحة كبيرة بينما تهاجمهم جحافل الوحوش المسلمة! هذا التقسيم المريع للمصريين يتناسى أن هذه (الجحافل) هي أيضا تعاني من تفشي الفقر والجهل والبطالة والتهميش وامتهان الكرامة.. على يد رجال نظام بوليسي لا يعير اهتماما لدين الضحية، وإذا كانت شكوى الأقباط من تعمد الدولة إبعادهم عن مناصبها الكبرى هي شكوى محقة تماما.. فإن الشاب الموهوب الذي انتحر عندما رفضت وزارة الخارجية تعيينه لكونه في نظرها (غير لائق اجتماعيا) بسبب فقر أسرته كان مسلما! على كل حال.. متابعة الحضور الإعلامي لذلك الجيل الجديد من شباب أقباط المهجر.. الذي يتسم بوعي كاف جعله يضع مشاكل الأقباط المزمنة في مصر ضمن (إطار عام) للأزمة المصرية ككل، أثارت تفاؤلا ليس فقط بشأن تغيير الصورة النمطية عن أقباط المهجر (وإن استغرق ذلك وقتا).. وإنما بشأن تصحيحهم لرؤيتهم هم أنفسهم للمسألة القبطية، بدا ذلك واضحا في تلك البرامج الحوارية التي استضافت عددا من الشباب القبطي- ربما لا تزيد أعمارهم عن بدايات الثلاثينيات- إذ كان طرحهم للمسألة برمتها عميقا يكاد يكون خاليا من العقد التاريخية المهلهلة، واضعا مطالب الأقباط ضمن (مطلب التغيير الشامل في مصر)، مما أبعدهم عن عبثية- وعدم عدالة- البحث عن حل يحقق (واحة الأقباط) وسط صحراء الظلم القاحلة لباقي المصريين! ظهر ذلك سواء في حواراتهم مع وسائل الإعلام أو في وثائق مؤتمرهم الأخير- مع التحفظ تجاه بعض مقرراته- فبدوا بذلك أكثر علمانية وانفتاحا وعقلانية من جيل أسبق.. تشوش تفكير بعض أفراده تحت وطأة ظاهرة (الدين والدين المضاد)!
كلما ابتعد الأقباط إذن عن الملاذ الديني في صراع سياسي.. كلما كان دورهم أكثر إيجابية في (التغيير الشامل والعادل) في مصر! وإذا كان الجيل الشاب في أقباط المهجر لا يثير القلق بما يبديه من وعي.. فإن القلق الأكبر حقا هو على الكثيرين من أبناء الجيل الجديد بين مسلمي مصر.. وهم الأغلبية الساحقة في الشعب المصري، الذين أغلقت في وجوههم كل أبواب (الدنيا) حتى يأسوا من الحصول ولو على الحد الأدنى من- ضرورات المعيشة- على الأرض بكرامة.. ليجدوا من يحكي لهم عن لا محدودية كنوز الجنة وعما فيها من رغد العيش! المخيف في ترحيل الشباب المسلم لأحلامه الدنيوية إلى الآخرة.. أن المجتمع كله- إن لم ينصف هؤلاء الشباب في الدنيا- فسوف يدفع من أمنه واستقراره.. ثمن وصولهم إلى تلك الكنوز!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله