الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انْعِطافات الخراب

كمال عبود

2016 / 6 / 16
الادب والفن


الانعطاف الأول ..
وكان صباحك يا دمشق .. ندياً .. من أين لك هذا السحر؟.
من وهب لكَ تلكَ الصباحات ياوطني شرقك غربك .. جنوبك شمالك .. سهلك والجبل والبادية ..
ما زلتُ أذكر غوطتيك يا دمشق ..
في سبعينات القرن الماضي كان في الغوطتين ستة مليون شجرة وعدد سكان سوريا يوم ذاك ستة مليون ونيف .. لكل مواطن سوري ظل شجرة في عاصمة بلاده ..
كيف تصحرت أرضنا وحياتنا؟
هذا الجيل أغلبه لا يعرف ولا يريد أن يعرف؟



الانعطاف الثاني ..
وكان الشروق أخّاذاً .. والغروب أسطورة الجمال ..
المطر ورعشة السواقي ياسمين دمشق .. ابتسامات البحر والجداول .. ..
كل شئٍ يبتسمٌ .. حتى نبات البادية وأشجار الجبال والقمح وأخواته .. أين بريق العيون التي تمتزج مع تنفس الصباحات الجميلة؟ ..
كنّا نذهب إلى الجامعة وكان المزارعون هم السبّاقون والعمّال إلى المصانع .. وحماة الديار الى ثكناتهم بأمل وثقة ..
هذا الجيل (أغلبه) لا يعرف نشوة الاستيقاظ باكراً .. ينام حتى ما بعد الظهر .. ويرعد ويزمجر مهدداً من يوقظه ..



الانعطاف الثالث ..
كانت البيوت متلاصقة تعانق بعضها وساكنوها محبون ودودون يحافظون على أسرار بعضهم يتشاركون في الأفراح والأحزان ..
يندفعون بشهامة .. تدفعهم المرؤة والشهامة الأصيلة للمشاركة للتخفيف عن الآخر قريباَ كان أم بعيداً ..
هذا الجيل (أغلبه) ابتعد عن الأصالة ..
إذا توفي جاره القريب ينتظر إلى اليوم التالي يحلق ذقنه، يلبس طقمه المكوي، يتعطر ولا ينسى تلميع حذائه ثم يذهب إلى خيمة العزاء .. (دقائق معدودات) ..


الانعطاف الرابع ..
لم تكن في سورية الوطن أسئلة يطرحها شخص على شخص غريب .. من أين أنت؟ من أي عشيرة؟ ما هو مذهبك؟ ..
كان المعيار الأخلاق، الأدب والإخلاص في العمل ..


الانعطاف الخامس ..
العمل يا سادتي هو واجبٌ وضرورة .. هو صدقٌ ومحبة وإتقان .. يزهو الجميع بما أنجز وبما أتقن .. نوعاً وكماً ..
العمل هو اللقمة الحلال الشريفة للعامل وأسرته ..
أما الآن فالهدف تغير وأصبح السؤال: هل يستطيع الموظف أن يغيب عن الدوام وهل هناك مجال (الشفط) ..
هذا الجيل (أغلبه) يريد وظيفةً لا تعب فيها ولا دوام بل دخلاً يتضاعف وفق حاجاتٍ ليس لها نهاية ..


الانعطاف السادس ..
لا أحد يبحث عن الزعامة .. عن رئاسة القرية أو الحي أو (الحزب) أو شيخ الكار/المهنة ..
الوجاهة والرفعة تلحق بالشخص لإعتباراتٍ فيه .. لعناصر قوة (فكرية، حكمته، تجارب تُحسب له ..) ..
هذا الجيل (أغلبه) لم يقارب ويلتصق بمن يختار ..


الانعطاف السابع ..
منذ سنوات حدثني صديقي (رياض): "قلتُ لإبني الذي استيقظ الساعة الثانية بعد الظهر: يا ابني لقدرات وزنك فوق ال 120 كيلوغرام .. حاجتك رغيفين عالفطور ورغيفين عالعشاء" ..
أجاب الولد (عمره 25 عاماً) وهو لا يعمل ولا يحب أن يعمل: "اسكت أو بكسر الدنيا عاراسك"! ..
(صديقي رياض أصيب بجلطة دماغية فأصبح مشلولاً ومرمياَ في زاوية البيت) ..
ابنه الشاب مازال يدخن ويسهر ويصرف من مدخرات والده المريض ..
هذا الجيل (أغلبه) لا يعرف الأصالة ..



الانعطاف الثامن ..
كانت المؤن قليلة والتعب كثير وكانت بركة ..
صارت المؤن كثيرة والحضارة أوسع ..
غابت البركة..


بعض هذه الانعطافات .. وغيرها كثير .. أحد أسباب خرابنا .. وسنذكر لاحقاً ما رأيناه من انعطافات أخرى ..

-----
2016
اللاذقية، القنجرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي