الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بريكاريات بدل بروليتاريا.. الليبرالية الجديدة توسع دائرة ضحايا الرأسمالية
سعيد مضيه
2016 / 6 / 17ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة
بريكاريات بدل بروليتاريا .. الليبرالية الجديدة توسع دائرة ضحاياها
الحلقة الأولى
تقْصر الليبرالية الجديدة ليبراليتها على نشاط الرأسمال الكبير؛ بينما تقلص لأقصى حد الحريات المتاحة للجماهير في الدفاع عن العيش الكريم. مناخ الليبرالية الجديدة اطلق العنان للاحتكارات الكبيرة لنهب الشغيلة والبلدان الفقيرة بأساليب غاية في المكر والخديعة والنهب المكشوف. دُمرت نقابات العمال والغيت مكاسب الطبقات العاملة التي اضطر الرأسمال تقديمها للشغيلة بموجب اقتصاد الرفاه، أثناء المنافسة مع الاشتراكية.
ترافق العدوان الاقتصادي بغطاء إيديولوجي يرمي لتقويض المقاومة لنهج الليبرالية الجديدة. بات هجوم الليبرالية الجديدة في مجال الثقافة والتعليم مركز اهتمام العديد من الأكاديميين في الولايات المتحدة ، نظرا لما يتهدد الثقافة من مخاطر التجريف. من بين رجال المقاومة الثقافية هنري غيروكس ، أستاذ الدراسات الثقافية بجامعة ماكماستر، الذي تصدى مبكرا مع اكاديميين اميركيين للحملات الإيديولوجية لليبرالية الجديدة. استغلت هذه هيمنتها على أجهزة الثقافة والمجالس المنتخبة في الولايات المتحدة، وسخرتها لإشاعة الإرهاب وثقافة الخوف وعروض العنف، ولإضفاء الشرعية على ما يجري من عسكرة الحياة العامة والمجتمع الأميركي. نرجئ إلى فقرات لاحقة مقاربة غيروكس لإيديولوجيا الليبرالية الجدية كي نستكمل توصيف تداعيات النهج الاقتصادي للسيبرالية الجديدة.
يستند غيروكس، في مقدمة البحث ، إلى تحليلات مؤلف ميشيل ييتس (فجوة اللامساواة الواسعة ) ، حيث " الرأسمال يثري في اللحظة الراهنة من العنصرية ونشر الخوف وإشاعة ثقافة الإجرام ونظام اللامساواة الذي يؤثر في جميع جوانب المجتمع. يجمل حصيلة نشاط الرأسمال الكبير في زيادة نفوذ رأسمالية الهبش واللهف، جنبا لجنب اللامساواة في الثروات والمداخيل والسلطة والفرص. "لم يعد الرأسماليون يرغبون في التوصل إلى تسويات؛ ووسعوا استخدام القوة للهيمنة على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية" . "عولمة السلطة وسياسات محلية" أتاح لنخب الحكم ابتزاز العمال والجماعات الأخرى موضع الاستغلال الافتراسي وعدم تقديم التنازلات لها؛ بل اعتبرت جميع هذه الشرائح فاشلة في سباق السوق ومن ثم فهي فائض عن الحاجة او فضلات. وسط هذا الكابوس الرهيب لم تنشأ الهوة بين أغنياء وفقراء فحسب ، بل وكذلك يجري تخفيض الطبقات الوسطى والعاملة إلى صفوف مجموعات ما يسمى البريكاريات(بروليتاريا إلى جانب شرائح اجتماعية محرومة من الامان الوظيفي )... مضت سياسات الفضلات لتغدو تيارا رئيسا ، حيث المزيد والمزيد من الأفراد والجماعات تعتبر فائضة عن الحاجة وفي موقف الضعف. إن لبرلة التجارة في السلع واستثمار الرساميل وإلغاء تنظيم الحكومة للمؤسسات والشركات المالية وتدمير دولة الرفاه والنقابات، وكذلك العملية التي لا تتوقف لتسليع المجتمع وتعريضه لقيم السوق.. كل ذلك ينخرط ضمن نتائج النشاط المنفلت لليبرالية الجديدة".
ضمن نهج الخصخصة يتنامى هجوم الليبرالبة الجديدة على موظفي القطاع العام. وعلى الجانب الآخر أسفرت مفاهيم الفضلات وسياساتها عن ثقافة انتهاك القوانين والقسوة المتجلية في تراجع نسب التصويت والحرب ضد حقوق النساء، وبروز دولة الرقابة وتنامي عسكرة قوات الشرطة المحلية. تلك القوة لا تولد فقط اتجاهات مناهضة للديمقراطية، بل وتفرض كذلك كوابح وقوانين وحرمانات على جمهور التسعة والتسعين بالمائة، ممن لم يتبق لهم سوى خيار الكفاح من اجل البقاء.... سقطت من الأدب السياسي مفاهيم تعويض البطالة والخدمات الاجتماعية ودولة الرفاه، وبات "التضامن " و"التعاطف" من بقايا لغة خشبية يجب ان تنقرض. بالمقابل استعين ب "تسليح الشرطة والحد من الحريات المدنية والتوسع في دولة القصاص وتجريم كل مسلك يومي وقمع المعارضة.
في مقال بعنوان " امبراطورية الشر تزج العالم في قبضة الموت" تناول باول كريغ روبرتس ، الكاتب الذي عمل مساعدا لوزير الخزانة الأميركية ومحررا بصحيفة وول ستريت جورنال قبل أن ينتقل للصحافة الإليكترونية المعارضة لنشر مقالاته (كاونتر بانش23 شباط 2016)..تناول إحدى فضائح النهب اللصوصي من جانب الرأسمال الكبير للبلدان الفقيرة، نقلها عن كتاب بيركينز " اعترافات هداف اقتصادي". جوهر المخطط "تحليلات مالية مشوهة، مشاريع ضخمة بحسابات مشكوك بها "، يسند لأحد الهدافين الاقتصاديين الترويج لها في إحدى البلدان. وإذا لقي الصد ، يأتي دور "التهديدات والرشى" ، وربما يتدخل رجل الاغتيالات. يدخل في مرحلة تالية صندوق النقد الدولي، ليعرض قرضا يضمن تسديد القرض الممول للمشروع التخييلي. القرض ليس مساعدة ، إنما تبديل المديونية للشركة بمديونية الصندوق.
يفرض الصندوق على الدولة المقترضة قبول خطة تشديد التقشف، وتخفيض نفقات الخدمات الاجتماعية والعمالة والأجور، كي تسدد الوفورات الناجمة أقساط قرض الصندوق. وأحيانا يشترط التصويت بجانب الولايات المتحدة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مثلما حدث أثناء فرضد دولة إسرائيل في رئاسة اللجنة القانونية للمم المتحدة. اما الخصخصة فتعني بيع شركات النفط والتعدين والبنية التحتية العامة( الطرق والمطارات مثلا). وإذا تعثرت الصفقة فالاغتيالات او تحريك القطعات العسكرية، اذا لزم الأمر. يورد كتاب بيركينز عدة حالات اضطر فيها حكام دول تغيير مواقفهم نتيجة الضغوط الأميركية.
أسفرت الوسيلة او غيرها من اساليب النهب عن اتساع الفجوة بين الفقر المدقع والثراء الفاحش. مركزة الثروة والمداخيل يضمن السلطة للنخب المالية والبؤس الجامح لأغلبية المجتمع. نقل روبرتس عن كتاب بيركينز استنتاجه ان "موقف الولايات المتحدة لمساعدة البلدان الفقيرة ليس سوى مخططات لنهب تلك البلدان". في ظل الليبرالية نشأت شرائح كبيرة ممن يكابدون عدم الاستقرار الوظيفي والمعدمين فتوسعت البروليتاريا إلى بريكاريات، جميع ضحايا الليبرالية الجديدة.
في نظر ميشيل ييتس بات من الملح تفهم كيف تعمل القوة في ظل الرأسمالية العولمية، وذلك لكي نمسك بفجوة اللامساوة الشاسعة ونستوعب تعدد عوامل إنتاجها، وما يمكن عمله لتغيير الحالة.
غدت السياسة احدى قنوات الثقافة ؛ تولد الليبرالية الجديدة من خلال سياسيات الدول المتواطئة ، الولايات المتحدة وغرب أوروبا وإسرائيل، ثقافة القوة المنفلتة والعنف والقسوة وكل ما تسفر عنه ممارسات النشاط العالمي للرأسمال الاحتكاري. ألا تدخل الضغوط الأميركية لتنصيب إسرائيل رئيسا للجنة القانونية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ضمن الجهود الحثيثة لإشاعة قوانين الغاب بدل القوانين الدولية الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية مثل اتفاقيات جنيف؟ بزغت الليبرالية الجديدة عن مساعي المحافظين الجدد دعاة الأصولية المسيحية، ممن يستبدلون قيمهم ومعاييرهم، المموهة بطلاء ديني، بمبادئ القانون الدولي الإنساني. واستنفر المحافظون الجدد داخل المجتمعات العربية وعلى صعيد العالم تيارا أصوليا مضادا لكنه يخدم أغراضهم. إنها حركات التكفير الإسلاموية التي تنفذ ممارسات تخرجها على الدين الإسلامي. والمحافظون الجدد من ناحية اخرى هم رعاة نهج دولة إسرائيل والداعمون له على مسرح السياسة الكونية. بمثال أفغانستان قدم نوعام تشومسكي كيف ترعى السياسات الأميركية الإرهاب الدولي. "استهدف الرئيس بوش الابن القاعدة، وكانت بضع مئات ينتسبون لعشيرة أفغانية؛ وبعد غزو العراق باتت القاعدة تضم عشرات الآلاف... اما منظمات الإرهاب مجتمعة فتضم مئات الآلا ف موزعين على العالم بقاراته الخمس، ينشطون في غرب إفريقيا حتى العراق وجنوب شرقي آسيا"، كما يقول تشومسكي، ويتساءل : هل " الحرب على الإرهاب " حرب حقيقة ، ام هي دخان لتبرير سياسات الهيمنة على العالم؟ .
أقر صندوق النقد الدولي في دراسة اجراها عن تأثير الليبرالية الجديدة في اقتصادات العالم (مجلد 53 عدد 2 حزيران 2016) بمسئولية الليبرالة الجديدة في تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي. حسب الدراسة فإن "سياسات شد الأحزمة لا تعمل فقط على رفع تكاليف الرفاه الاجتماعي، في جانب العرض منها فقط، بل وتخسف جانب الطلب- تدهور العمالة والبطالة". تجنبت الدراسة البحث عن وسيلة لتعويض الأضرار، مساعدة أقطار مثل اليونان مثلا. تواصل أسلوب التقشف ، ذلك الكرباج التي تجلد به الشرائح المحرومة .
مع ذلك تحتفظ الدراسة بموقف إيجابي كبير؛ حيث تعير مصداقية هائلة لادعاءات امثال ساندرز بصدد اللامساواة، ونسبة ( الواحد بالمائة الغارمين من الليبرالية الجديدة) والأنشطة اللصوصية للبنوك الأميركية. على كل حال فدراسة الصندوق تقدم اكثر من شعاع امل في ان تواجه سياسات الليبرالية الجديدة بتحديات قوية بينما الاقتصاد العالمي يهبط إلى ما دون الكساد المكشوف، ما يشكل بيئة للعقول التقدمية كي تتصدى في هجمة مضادة لجدول أعمال الليبرالية الجديدة، أي التركيز على برامج الرفاه الاجتماعي وليس تدميرها. وأكثر ما يهيج المحافظين الجدد مفهوم الرفاه الاجتماعي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تواصل التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان • فرانس 24
.. هاريس تلتقي ممثلين للأمريكيين من أصول عربية بميشيغان لإقناعه
.. أم فلسطينية: لا أستطيع أن أخبر ابنتي عن بتر رجليها
.. تجدد الغارات على ضاحية بيروت الجنوبية والقسام تنعى أحد قادته
.. تجدد الغارات على ضاحية بيروت