الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السعودي وصورته في المجتمع الغربي

ماجد عبد الحميد الكعبي

2016 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بالامس كان ينظر الى السعودية على انها منبع النفط ومصدر الطاقة واليوم ينظر معظم الغربيين لها على انها مصدر للارهاب والتطرف. وان النفط ( البترودولار) قد اسهم في تمويل ونشر تعاليم التطرف والارهاب في العالم منذ بداية السبعينات من القرن الماضي حتى يومنا هذا.
وذلك يعود - على الارجح- الى سببين رئيسين ، الاول : ان العالم من حول السعودية قد شهد تغيرا سريعا في مختلف مجالات الحياة بدءا من السياسة و الثقافة والسلوك وانتهاء بالدين . اما السعودية فلا يمكن مقارنتها بجارتها الخليجية دولة الكويت. ثانيا : بروز عامل جديد في رسم وصناعة السياسات الغربية بجانب العاملين السابقين المعروفين: ( السياسيون المحنكون ومراكز الابحاث التي يعمل فيها مفكرون وخبراء ومستشارون في مختلف الاختصاصات تقف خلفهم اجهزة اعلامية ومالية ضخمة، رسمية وغير رسمية) . وهذان الطرفان يمكن شراؤهما بالمال السياسي السعودي في كثير من الاحيان. بيد ان العامل الجديد والذي كان تاثيره غير مرئي فيما مضى قد اصبح مؤثرا في وقتنا الراهن تاثيرا لا يمكن ان يتم انكاره بل استطيع ان اخمن ان هذا العامل سيكون اقوى من العاملين السابقين : الساسة ومراكز الابحاث، في رسم وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية للغرب الديمقراطي.
ذلك العامل هو ما يسمى بالجماعات الضاغطة والتي تتكون من الافراد الذين لا ينتمي معظمهم الى المؤسسات الرسمية الحكومية وغالبا ما تضم منظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء من الاكاديمين والسياسيين والاعلاميين وفئات اجتماعية ناشطة اخرى. وقد ساعدتهم وسائل الاعلام الحديثة في الظهور المكثف على الساحة السياسية والاجتماعية في البلدان الغربية. والامر الذي يرجح كفة هؤلاء على غيرهم ، انهم دائما على اتصال مباشر مع الجمهور عن طريق المحاضرات العامة والمناسبات السياسية والاجتماعية والاحتفالات والمهرجانات بمختلف انواعها فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فان هذه الجماعات تستطيع تعبئة وحشد الرأي العام بطريقة اسرع واشمل فيصبح انتقال المعلومة سهلا وميسرا لتخلق رأيا عاما يؤثرتاثيرا مباشرا في القرار السياسي او في اقل تقدير يدفع باتجاه مضاد للقرارات السياسية المجحفة. وسيكون تاثير تلك الجماعات مؤثرا بصورة مباشرة في تغيير السياسات القديمة اذا وصل احد زعمائها الى السلطة وهنا ياتي الناشط في حقوق الانسان والسياسي المخضرم وزعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن ليكون مثالا حيا وواقعيا على ذلك. فقد استطاع كوربن ان يسهم بشكل اكبر في صناعة القرار السياسي البريطاني الذي كان ينتج في دائرة المحافظين بل لقد اصيب المحافظون بالحرج نتيجة لمواقفه ونشاطه الواسع في الاتجاهين معا: السياسة وحقوق الانسان. ويمكن ان يدخل دونالد ترامب المرشح الجمهوري للانتخابات الامريكية بوصفه ظاهرة جديدة قادمة من حراك اجتماعي بالدرجة الاولى ضمن الامثلة ايضا.
من هنا فان انتاج القرار السياسي قد تغير مساره عن السابق الى حد ما. فقديما كانت القرارات وبناء السياسات الداخلية والخارجية منوطة بافراد معينين ومستشارين خاصين. فقد كانت تنتج في قمة الهرم وتسوق الى القاعدة الجماهيرية. وبدءا من عصرنا باتجاه المستقبل القريب – وبفضل تلك الجماعات – سيكون مسار القراروصناعته معكوسا تماما حيث يبدأ من القاعدة الجماهيرية ليصل الى القمة حيث النخب والخاصة التي لا تجد بدا من الاخذ به – وان كان هذا الامر ياخذ وقتا اطول في وصوله لصاحب القرار وصانع السياسات .
ان معظم الناس في البلدان الغربية اصبح واعيا وقادرا على فهم المشاكل المعرفية والسياسية بفضل جهود تلك الجماعات الضاغطة التي تزودهم بطريقة سريعة وميسرة بالمعلومة الصحيحة التي –غالبا- ما تخلو من الدافع الايدولوجي. وهكذا شيئا فشيئا يصبح للجمهور دور في توجيه السياسات كونه صاحب الارادة القوية في التغيير اعتمادا على الصندوق الانتخابي صاحب الكلمة الفصل.
ولناخذ بعض الامثلة على فاعلية هذه الجماعات في كشف السياسات الخاطئة التي يرتكبها النظام السعودي ، فمثلا : الصحفية الامريكية سارة جيس (صاحبة كتاب لصوص الدولة ) تحدثت في محطة البي بي سي البريطانية في عام 2014عن دول الخليج ولا سيما السعودية ودوريهما في تمويل الارهاب وقالت : يجب ان نضغط على حلفائنا للتوقف عن دعمهم وتمويلهم للمتطرفين في الشرق الاوسط. ثم اخذ هذا القول يتكرر على لسان الساسة والاعلاميين الغربيين وان كان ذلك الامر يتم في الخفاء وفي ندوات ومؤتمرات ضيقة النطاق كما فعل نائب الرئيس الامريكي الحالي بايدن ، لكن الرئيس الامريكي اوباما جاء بعده ليعلن ان السعودية تنشر افكار التطرف في العالم . وفي احدث تصريح لسياسي امريكي ياتي موقف مرشحة الحزب الديمقراطي كلنتون لتعلن صراحة وتلقي باللوم على بعض الانظمة والحكومات الخليجية التي تغض الطرف عن تمويل الارهاب.
وهناك عشرات الامثلة لناشطين في حقوق الانسان ولمنظمات المجتمع المدني ولمفكرين غربين معروفين قد نندوا بالفكر الوهابي الذي تصدره السعودية فضلا عن الدعم المالي غير المحدود. ومن امثلة هؤلاء المفكر نعوم تشومسكي الذي لاشك في ان صوته كان مسموعا في البيت الابيض ، و المفكرة الباحثة في تاريخ الاديان وفلسفتها الانكليزية كارن ارمسترونغ والاكاديمي الانكليزي الشاب كريستوفر ديفيدسون المتخصص بقضايا الخليج. واذا ما اضفنا الى تلك القائمة النشطاء في حقوق الانسان في العالم العربي فان سمعة النظام السعودي في الاوساط السياسية والاجتماعية الغربية ستبدو مهزوزة ومضطربة. يشهد على ذلك الموقف الاخير لسفير السعودية في جنيف والذي كان مرتبكا جدا اثر سماع كلمة الناشط في حقوق الانسان الدكتور عبد الحميد دشتي اثناء القاء كلمته في مجلس حقوق الانسان والذي اتهم السعودية بانتهاك قوانين الامم المتحدة لحقوق الانسان في اليمن على وجه الخصوص. وليس بعيدا من تلك الادانة ما كتبته النائبة البريطانية عن حزب العمال البريطاني جو كوكس* في مقال لها في صحيفة التايمز طالبت فيها الامم المتحدة باعادة السعودية الى القائمة السوداء وقد اعادت نشره في صفحتها في الفيسبوك بتاريخ 14/6/2016 .
ان كل تلك الصيحات ستجد اذانا صاغية من لدن الجمهور الغربي الذي بات مهددا في امنه بسبب تلك الافكار الضالة والمنحرفة التي تصدرها السعودية للعالم فضلا عن الدعم المالي للمنظمات المتطرفة في انحاء مختلفة من الشرق الاوسط. لقد بدأت الصورة السعودية بالتغير في وعي الانسان الغربي من صورة المملكة النفطية الغنية المترفة التي تعج بالامراء والاميرات وحكايات الشيوخ الرومانسية الى صورة نظام دكتاتوري يرعى الارهاب ويصدره في العالمين الاسلامي والغربي. ومهما حاول الخبراء والمؤيدون والساسة السعوديون محو تلك الصورة او اعادة تجميلها فان الانسان الغربي لن يستسلم بسهولة لتلك المحاولات حيث ستشكل هذه الصورة وعيا نمطيا لدى الصغار والكبار ليرفع في النهاية شعار: السعودية فوبيا.
* تم اغتيال النائبة جو كوكس يوم الخميس الموافق 17/6/2016 ، فلها المجد والخلود والرحمة والغفران ولعائلتها الصبر والسلوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتذار
ماجد عبد الحميد الكعبي ( 2016 / 6 / 17 - 15:50 )
اعتذر للقراء الكرام عن خطأ في تاريخ اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس والذي صادف يوم امس الخميس الموافق 16/6/2016

اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك