الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحراق الجسد :الاسباب و الدواعي

جلال مجاهدي

2016 / 6 / 17
حقوق الانسان


ظاهرة إحراق الجسد هي ظاهرة قديمة أعيدت للواجهة مرة أخرى كشكل احتجاجي إثر النجاح الذي حققته حالة بوعزيزي تونس , أصبح راسخا في وعي عدد من المقهورين بالعالم العربي أنهم يملكون سلاحا يمكن أن يهددوا به الإدارات و أجهزة الدولة التي غالبا ما لا تستمع لأصواتهم و معاناتهم ولا تستجيب لمطالبهم و تقوم بظلمهم. في الغالب الأعم يبدأ هذا الانسان المظلوم الذي ينوي إحراق نفسه بالتهديد تم بعد ذلك في التنفيذ ان لم تتم الاستجابة لمطالبه , رد فعل لا يتناسب بتاتا مع الظلم اللاحق لكن تتعدد القراءات, نعم يجب التفريق بين حالات الانتحار العادية التي يضع من خلالها الفرد حدا لحياته لكونه لم يعد يطيق الحياة لأسباب مختلفة هي في باطنها نفسية اكثر منها واقعية و حالة حرق الذات فالمنتحر العادي غالبا ما يضع حدا لحياته بشكل سري بشرب السم او شنق نفسه دون علم احد او الارتماء من مكان عال في غفلة من الناس , لكن بخصوص إحراق الذات فما يميزه هو العلانية و مكان القيام به فالمنتحر احتراقا يقوم بفعله في الشارع العام و امام رمز من رموز الدولة سواء كان شخصا كرجال السلطة او مؤسسة كالبرلمان و غيره , المنتحر احتراقا بتصرفه هذا يعتبر نفسه انسانا كريما لا يرضى بالذل أمام الادارة او رجل السلطة الذي رفض الامتثال لطلبه او قام بظلمه و يعتبر لنفسه قيمة تسمو فوق الواقع او الموقف المخزي الذي تعرض له من طرف إدارة أو دولة جردته من كرامته و احترامه ,هذا الشخص يحاول أن يتحدث مع المجتمع ككل و مع الادارة الصامتة , فبارتكابه لفعل صادم للمجتمع يحاول استثارته و بانتحاره امام الادارة او احد رموز الدولة فهو يسطر متابعة في حقها و يشير لها بأصبع الاتهام باقترافها للقتل في حقه و التسبب فيه طالما ان المجتمع سيحمل مسؤولية خروجه من الدنيا لشططها و ظلمها له ,فالبوعزيزي سطر متابعة بالقتل و الظلم في حق نظام بنعلي ولن تنمحي هذه المتابعة و قام المجتمع التونسي بالاقتصاص لكرامة هذا الانسان التي هي من كرامته , الشخص الذي يحرق نفسه لم يكن ليفعل ذلك ان تعرض لنفس درجة الحرمان أو الظلم او افظع منها من جهة أخرى غير الدولة و رموزها لكن الفرق هو انه سيعتبر ذلك مجرد اعتداء و ليس نيلا ممنهجا من كرامته و احترامه , هذا الشخص لم يكن ليحرق نفسه لو وجد طريقة أخرى للتعبير عن تظلمه أو وجد جهة تأخد بحقه لكن لأنه يعرف ان صوته لن يصل امام جبروت ادارات و رجال سلطة الانظمة اللاديموقراطية , هذا الشخص يعلم أن جميع أبواب الكرامة موصدة في وجهه وأن القاعدة هي افلات المسؤولين من المحاسبة و العقاب , لا يمكن ان نلوم شخصا فقد أعز ما يملك و هي روحه بقدر ما يجب ان نلوم الانظمة المستحوذة و الظالمة التي جردت هذا الانسان من كرامته و احترامه , في الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها لا نجد أناسا يحرقون أنفسهم بالجملة كما يحدث ببلداننا ¸ في هذه الدول يعيش الانسان بكرامة و احترام , حقوقه مكفولة و ثروات البلد تقسم بالعدل و يحضى بمعاملة حسنة امام جميع ادارات الدولة ولا فرق بين رئيس الدولة و أبسط مواطنيها و لا غرابة ان يمتطي الرئيس الحافلة او الدراجة الهوائية للتنقل أو الذهاب لعمله كغيره من المواطنين , المسؤول لديهم هو مجرد موظف يتقاضى أجره من أموال المواطنين دافعي الضرائب و لا امتياز له عليهم و كل تظلم له قنواته القانونية و المسؤولية مرتبطة بالمحاسبة , فلاي سبب سيحرق هذا الانسان نفسه, لكن عندنا في الدول اللاديموقراطية الهرمية فكل شيء هرمي فالسلطة و الثروة تتركز في قمة الهرم و في اسفل الهرم شريحة عريضة من المواطنين المهضومة كرامتهم و حقوقهم و أرزاقهم و التي تعاني فداحة مشاعر اليأس و الاحباط و تستوي الحياة عندها بالممات , فالشخص الذي يقدم على إحراق نفسه لسبب رفض السلطة لطلبه أو تعرضه للظلم من طرف أحد رجال الدولة لا يعبر عن اعتراضه على الموقف في حد ذاته بل على اعتراضه على وضعه العام كمواطن مهضوم الكرامة و على النظام الظالم ككل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..