الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المركزيّة عودة إلى نقطة الصفر

صلاح الدين مسلم

2016 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الحرب هي اللغة الوحيدة التي أنتجت هذا الحوار اللا معرفيّ بين التيارات المتصارعة التي لا تعرف لغة الفكر والحياة والإنسانيّة، إنها لغة الفكر القومويّ الذي تمخّض عنه ذاك المسخ الذي ظلّوا ينطقون بترّهاته في فصول الحقد والكراهيّة، لغة جعارة وغيره عندما تتحرّر قرية ما من براثن الوحش الداعشيّ، هو الحقد الأعمى الذي فضّل فيه لغة الموت والسواد والابتعاد عن الإنسانيّة، والقتل والهلاك على الكرد الذين يرون وكأنّنا نقتطع جزءاً من جسده، قد يكون ذاك الحاقد الذي تجاوز عمره الخمسين عاماً لم يزر روج آفا قبل هذه الحرب قط، وقد لا يعرف عنها شيئاً، لكن بمجرّد الارتباط بالمركز الدمشقيّ الذي يقتات على الأطراف لهو مَبعث سروره الذي لا سرور بعده.
الحرب لغة الانحطاط الأخلاقيّ الذي يعدّ الشعار الرئيس لهذه الحرب الفوضويّة، فسيول الدماء تجري، والتهجير والقصف، والتشريد، واللااستقرار، إنّها الدولة التي تُبنى أبداً على الجماجم والدماء، والقتل والتدمير، ومازالت المعاناة وشبح كل سواد يخيّم في الأفق، لكن مازال هناك دعاة للمركزيّة، دعاة للدولة، فكيف سيتخلّص هذا المواطن الذي تمنحه حرّيّته فيرفضها؟! بحجّة الوهم الذي عشّش في داخله ألا وهو أنّه لا يوجد هنالك أي شيء في العالم اسمه إدارة ذاتيّة لا مركزيّة، لا توجد اتّحاديّة بين الشعوب، فيجب أن يكون هناك إناء يجمع كلّ شيء في طياته، ولا تعريف لذلك إلّا الدولة، الدولة فحسب، والقومويّة هي المركزيّة فحسب، هي التمحور حول نقطة معيّنة، هو الدوران حول الكعبة التي تهدي الناس جميعاً، وهكذا يتحوّل الدين إلى المركز، إلى النقطة المركزيّة في الدائرة، وكأنّ الأطراف لا حول لها ولا قوّة.
لم يستطع الإسلام السياسيّ (بصفته قوميّة بحلّة جديدة) بريادة أردوغان أن يلقى نجاحاً في العالم العربيّ، إذْ حاول أن يوظّف الإسلام الثقافيّ لخدمته، وصارت الدول العربيّة تباعاً تعود إلى الركوع للسلطان الجديد، وبدأ النفوذ الإسلامويّ الراديكاليّ العنفيّ يهدّد كلّ شيء حيّ على الوجود، ليسعى الإسلام السياسيّ أن يكون غاية لا وسيلة كما هو مخطّط له، فأُجهض هذا الحلّ قبل أن يلقى النور كفاية، وقلّمت أظافر أردوغان، ليس لشيء وإنّما تحوّل المركز إلى إسطنبول وهذا ما أقلق الدول الغربيّة بحدّ ذاتها، الدول الغربيّة التي أنتجت فكرة المركز، وصار الصراع حول فكرة المركزيّة واللامركزيّة منذ أن تسلّم مرسي الحكم وصار تابعاً للمركز الإسطنبوليّ.
كلّ هذه الحرب الضروس التي تجري خارج الدول الغربيّة هي لإعطاء دروس لشعوبها، وترويضها، وذلك من خلال قمع الأفكار المناوئة للفرديّة والتملّك والسلطة، فكلّ غربيّ يعتقد بروح الجماعة يجب أن يُحارب لا محالة، وكلّ غربيّ يمتلك آليات دفاعيّة يجب أن يُجرّد من آلياته، ليكون هناك أفراد لا يمتلكون أيّ مناعة سوى المناعة المرسومة لهم وفق قواعد القانون، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، فتتهدّم الكيانات التي تعتمد على المركزيّة، وتقوى القوى التي لا تعتمد على المركزيّة وتجعل اللامركزيّة نبراسها.
لقد كان البديل الداعشيّ الحلّ الإسعافيّ والوصفة السحريّة لعقم الحلول البديلة عن الدولة القوميّة في الشرق الأوسط، بل في العالم، حتّى يتمّ ترميم هذه الحلول من جديد، أو البحث عن حلّ جديد بعد رسم الحدود من قبل هذا الهجين الداعشيّ، والذي يعدّ أفضل وسيلة لتوجيه بوصلة الحرب أينما أراد النظام المهيمن، وكذلك لقتل كلّ هذه القيم المتراكمة في الذاكرة الشرقيّة من خلال التشويه الداعشيّ للتاريخ والحضارة الشرقيّة هذا عدا عن إبادة الآثار ومحو معالم المنطقة حول الفرات ودجلة، فقد كان خلق داعش في هذه البقعة الحضارية ليس بالمصادفة بمكان، هذا بالإضافة إلى أنّه تنظيم منقطع السلالة عن التنظيمات الراديكاليّة المعهودة كالقاعدة وغيرها، وإن لم تكن تختلف عنها كثيراً، لكن على الرغم من أنّ الحضارة الإسلاميّة استمرت أكثر من أربعة عشر قرناً على هذه المنطقة لكنّها لم تدمّر هذه المعالم التاريخيّة ولم تمحُ كلّ هذه الذاكرة كما تفعل الآن هذه التنظيمات الهجينيّة، فهذا يعني الصراع بين المركزيّة الحضاريّة والمركزيّة المادّيّة، فهناك فارق كبير بين المركزيّة الحضاريّة وبين المركزيّة الدولتيّة، فستظلّ مكّة مركزيّة روحيّة بالنسبة للمسلمين، وستظلّ فلسطين أو إسرائيل المركز الروحيّ لليهود، وستظلّ شنكال وأورفا المركزيّة الروحيّة للكرد، لكن لن تستطيع دمشق أن تكون المركزيّة المادّيّة ولن تسطيع أيّة مدينة أن تتحوّل إلى مركزيّة، حتّى اسطنبول أو أنقرة أو طهران وحتّى آمد أيضاً، فالمركزيّة الإداريّة ولّدت الحرب كما قلنا، ومن يخوض الحرب الآن فلن ينتظر حرباً أخرى ليحسم الأمور، فالآن تحسم الأمور لا شكّ.
إنّ كلّ حلّ يعتمد على المركزيّة التي يطرحها الائتلاف والمركزيّة التي طرحها داعش والنظام السوريّ على السواء سيكون عودة إلى الحرب ثانيّة، فاللامركزيّة هي الحلّ الوحيد الإستراتيجيّ، ولا يمكن أن يكون حلّاً تكتيكيّاً إطلاقاً، فلا يمكن أن نحارب كلّ هذه الحرب التي وقعنا في فخاخاها، وقدّمنا كلّ أولئك الضحايا لنعود إلى نقطة الصفر؛ المركزيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر