الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية للمجموعة القصصية - اقتلاع - لبشرى أبو شرار

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2005 / 12 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أعترف أنه قد فاتني الكثير قبل أن أقرأ " اقتلاع " هذه المجموعة القصصية التي نقشتها المبدعة بشرى أبو شرار , وقد مرّت عدة شهور والكتاب يقف مستفزا لي على مكتبي منذ أن حصلت عليه ولم يسعفني الوقت لقراءته وحين قررت أن أتصفحه على عجلٍ وبدأت اقرأ أولى القصص التي يضمها وجدت أن بشرى اقتلعتني من غيبوبةٍ طال أمدها واستنهضتني للاستفاقة قبل أن يقتلعني الواقع المرير الذي نحياه ..
كانت ليلة الحناء في البدء . تخوض الكاتبة واقعنا الفلسطيني ومعاناة الفلسطينيين على الحواجز الاحتلالية وقد حملت قلمها كما يحمل المناضل بندقيته في أوج المقاومة , وتتنقل بين الأمنيات كأنها تسير على غيمة حملتها إلى العراق لمزج الواقع الفلسطيني في ظل الاحتلال مع الواقع العراقي الذي بات يفتقد اللحن والمقامات بعد أن داسته آلة القمع الأنجلوأمريكية , و تتحدث بطلة ليلة الحناء "أم نور " والتي وفدت إلى فلسطين عن إصرار ابنها نور على المقاومة ورفضه لطلبها مغادرة العراق قائلا " لا يا أمي , لن أترك بغدادنا , عراقنا " .
وتنبه الكاتبة ببراعة لدور الأمم المتحدة في التآمر على العراق وشعبه وتتحدث عن معركة المطار ومواد الإبادة المحرمة دوليا التي تذيب اللحم وتبقي العظم والتي استعملتها قوات الغزو الأمريكي , كما تنوّه للدور الإسرائيلي
في الحرب فلم تَغِب " نجمة داوود بحوافها الحادة والتي تنغز في أوصالنا وتريق دماءنا وتلم الدولارات , تشتري الرمال تشتري الهواء تشتري الحضارات وتفتش عن بقايا نبوخذ نصر وتأتي بالنقش السومري تبحث عن بقايا ما كتبوه هناك , قد تكون بقية لعهد جديد يبيح مزيدا من إراقة الدماء , مزيدا من تقطيع الأوصال " .
ورغم كل المآسي العراقية والفلسطينية المتلاحمة إلا أن النجمات فوق القدس ما زالت تنثر الياسمين ترسل برقياتها للعراق الجريح فيشدو على المعاصم المذبوحة بقيدٍ حديدي يمتد إلى أبعد من حدود الشمس , من بلاد العجائب ويسقط على نجمة داوود ممدودا ليضرب القيد بالبرميل فيعيده الصدى إلى الآذان , يعيده طبول حرب .
هكذا تختتم الكاتبة ليلة الحنّاء فطبول الحرب هي المؤشر الأول على انتصار المقاومة وعودة العرس الفلسطيني واكتماله ورجوع اللحن العراقي حتى وإن كان حزينا .
في قصة اقتلاع , يصعب أن يتحكم القارئ بانفعالاته , فالكاتبة ببراعة أبحرت في واقع اجتماعي مؤلم , فبعد الغياب الطويل الذي تجسده بطلة القصة التي عادت لتجد أخاها وقد تخلى عن موروثاته من أبويه وحاول طمسها من تاريخه فغطاها الغبار , فكان كمن يتخلى عن جذوره يريد أن يقتلعها , وصدمها الواقع الذي لم تتصوره فما كان منها إلا أن تنزف دمعها على إطارٍ يضم صورةً لأبيها وتمسح بدمعاتها الغبار الذي غطى الصورة فتعود لبريقها , تحضن صورته وتحزم أمتعتها في حقيبة حزينة أثمن ما فيها صورة أبت الاقتلاع من الذاكرة .
والجميل أن الحب لم يغب عن قلم الكاتبة فبعد مشوار من التعب تستريح في منتصف المجموعة بقصة " من أقصى المدينة " والقصة حين قرأتها شعرتها بمقام قصيدة " غلطة في التاريخ .. أنت من عمر الزمان خلقت لي , وأنا لك , ولكن هنا حدث خطأ , أنتِ جئتِ إلى كوني إلى قلبي لتسعدي روحا هفت إليكِ " وكأنها هنا تسرح في خيال عاشقين يدور بينهما حوارٌ دافئ باكٍ وكلاهما يخشى أن تذر الرياح من تبقى من رماد الآخر .
وفي تعبيرات صارمة تعود الكتابة بصرخة "لا .. لا " ترفض الكاتبة جدار الفصل العنصري وتعلن أنها لن تسمح لهذا الجدار اللعين أن يكبح الهواء عن فلسطين وترفض القضبان وتصر على الخلاص من القيود .
في لفتة جميلة تبرق بشرى برسالة إلى روح رفاقها أحياءا منهم وشهداءً في مقطوعة " أبحث عنهم " فيصهرها غليان الغياب , تتمنى لو كانت حيث هم وتخبرهم أنها إليهم تمضي .
وفي محصلة المجموعة القصصية الرائعة لبشرى أبو شرار تثبت لنا الكاتبة أن جذورنا الكنعانية ممتدة وضاربة في هذه الأرض لا تُقتلع وأن الاحتلال والقيود زائلة لا محالة وأن سياسات القمع ومحاولات تهويد الأرض لن تُجدِ نفعا في اقتلاع هذه الجذور العريقة .
وحيث يصعب الاستثناء مع بشرى أبو شرار والتي ارتدت قلنسوة الحكمة والإبداع في هذا الاقتلاع يخشى المرء إن أطالَ أن يُمِلْ وإن اقتضب أن يُخِلْ فالحديث يطول عما يدور في ثنايا كل قصة في هذه المجموعة والتي كانت بمثابة وليمة أدبية رائعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال