الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيكيّا وأمثاله

كمال عبود

2016 / 6 / 20
الادب والفن


1958
-----
سائقُ القريةِ وإرثُها الجميل ، أقدمُ سائقٍ وأطيبُ الرجال ، سيّارتُه لا هي باصاً ولا صغيره ، هي ( بوسطه) ، لم يكن غيرها في القريه ، ( شيفروليه طراز 1948) ، البوسطه مازالت موجوده للعرض ( فقط) عند مالك آخر.

سليمان التيكيّا ، السائقُ الهادئ كنبع الماء ، المتّزن ، الودود، كان حريصاً على الركاب ، حريصاً ألّا يتأخرُ موظف أو طالب أو عامل عن عمله ، البوسطه كانت للبشر والدجاجات وسلال الخضار وأكياس الطحين والحبوب ، كانت للأعراس والسفر البعيد ... للأتراح والإسعاف ونقل المرضى والأموات...

سليمان - الجندي المجهول - استقال ... باع السياره واستقال ... رافق البوسطه 25 عاماً ، قال بطيبة خاطر : ليرزق الله أصحاب السيارات الجديده ...

عاش التيكيّا 40 عاماً بعدها .. كرّسها لجمع الكتب القيمة ونسخها ... ينتقل بين المدن والقرى باحثاً عن كتابٍ سمع عنه ، ساهراً الليالي لنسخه بخطٍ جميل... جمع الكثير... نسخ الكثير .. أهدى الكتب للآخرين الذين يحبون العلم ، كان شعاره ، لنحافظ على كنوزنا من الضياع ، وكان ينتشي فرحاً حين يعثر على مخطوط قديم و( ينقذه من الهلاك ) كما يقول.

لم يحصل من العلم إِلَّا قليلا لكنه - وإن عاش بسيطاً ومات بسيطاً- ترك مكتبةً وإرثاً لم ينجز مثله كل أهل ( المناصب ) في القرية.

1962
-----
نادرةٌ وسائط النقل كانت ، وقليلة هي الجرارات ، هي في حوزة الميسورين على الأغلب ، والميسورون ( بخلاء) على أنفسهم وعلى القريه ، وسائقوا الجرارات لا يخالفون أصحابها ...

السائق الشهم أبو علي ، خالف سَيِّدِه وغاب مع الجرار والمقطورة يومين كاملين ، وصاحب الجرار يضربُ كفاً بكفٍ ويقولُ متوتراً : قلتُ لَهُ لا تذهب .. لا تذهب .. وفي اليوم التالي رجع محملاً المقطوره بثلاثة أضعاف حمولتها .. ووقف في ساحة القريه .. لقد حمّل آلاف الشتول من انواع السرو والصنوبر.

قال لأهل القرية : هي مجاناً ، خذوا وسيجوا الحقول ، أزرعوا امام البيوت ، سمعت أنهم يوزعونها مجاناً ، فذهبت جكراً بهذا وأشار الى صاحب الجرار: خذْ مفاتيح الجرار ، لن أسوِّق لمن لا يحب ضيعته...

أبو علي كان أمياً لكن أشجار السرو والصنوبر مازالت تزين حقول وبساتين القرية وما زالت حديقة جارنا تزهو بأشجار الصنوبر بفضل ( ابو علي )...

مازال أبوعلي حياً ، يمضي فرحاً بخدمته للقرية ، حين عجز ( المسؤولون ) بعده بعشرات السنين أن يجلبوا للقرية شجرةً واحدةً.

1980
-----
أربعةُ رجالٍ بالكاد حصلوا على الإبتدائيّه ، اجتمعوا ، قرروا :
لقد مات اليوم ( داوود الفقير ) ، لا يملك أهله ثمن الكفن ولا تكاليف الدفن ، ومثلُه الكثير ،لذا سنعمل جمعيّة تُعنى بالموتى ،يجب تأمين كل شئ للموتى وتأمين خيم العزاء وبعض المال للفقراء والأرامل ، هذا ما قدمه وأسّسه رجال ( جمعيةٌ خيرية) توسعت وما زالت قائمة ، قدمت آلاف الخدمات ، أراحت الجميع أسست لفعل تضامني ، يعتز أهل القرية بالبسطاء الذين أنشأوها ، أولئك الذين أنجزوا مالم يُنجزه جميع الأحزاب وممثليهم الكثيرون في القرية وجميع ( المثقفون - الثرثارون )...
التاريخُ تصنعه المبادرات الفردية
التاريخ يصنعه الفعل الأجتماعي
( أصحاب الشأن) هم خارج التاريخ.

-----
2015 ... القنجرة









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي