الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوزيع السكاني بالمغرب .. إشكالية تداعياتها كارثية

مصطفى المغراوي

2016 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن هجر الإنسان حياة المغاور والكهوف وانتقل إلى العيش في بيوت من الطين وتكوينه لتجمعات سكانية، تربط بينها علاقات قائمة على تبادل المصالح والمنافع، عرف أخيرا معنى الاستقرار الذي يقتضي وضع أسس وقواعد وقوانين، تمكن الإنسان من العيش في ظل جو تهيمن عليه العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي، مستفيدا من الظروف الاقتصادية التي تضمن له العيش بكرامته ومتمتعا بكافة حقوقه.
إن الإنسان دائما يسعى لتطوير نفسه تطويرا يراعى فيه الجانب الفكري والاجتماعي والاقتصادي بل والنفسي كذلك، ويستفيد مما استفاد منه غيره، فمتى انعدمت سكينته وتهددت حياته في المكان الذي يعيش فيه منفردا أو مع الجماعة، إلا وأصبحت الحياة بهذا الشكل شبه مستحيلة، في ظروف تطغى عليها هواجس الخوف والترقب والتوجس، ومن هنا يلزم لزوما ضروريا التفكير في إيجاد طريقة لمحاربة هذا الجمود الذي يجثم على المكان، ولعل أفضل وسيلة وأقرب حل يخطر بذهنه، هو شد الرحال إلى أماكن أخرى أكثر حركية وجاذبية.
تعاني المجتمعات جميعها من هذه الظاهرة، ولكنها أكثر حدة في بلدان العالم العربي، ولا نستثني منها المغرب الذي يعرف نزوحا قويا للسكان إلى مراكز اشد استقطابا من غيرها، لما توفره من ظروف مناسبة للعيش، بتوفرها على عدة مرافق هامة في حياة الإنسان، وعلى رأسها أوراش العمل، مما يدفع النازحين إلى الاستقرار فيها وعدم التفكير في تركها، وكان الأجدر خلق قرى نموذجية تشد إليها مختلف الشرائح والأعمار، ومن نتائج ذلك انخفاض عدد الضيعات بشكل واكبه عجز في اليد العاملة التي فرت إلى المدن خوفا من شبح الفقر والجوع، بسبب ارتباط البادية المغربية بالأمطار التي أضحت شحيحة بسبب التقلبات المناخية التي صار العالم يعيشها، مما كان له انعكاس على قلة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها بشكل اخذ يقض مضجع المواطنين عامة .
ومقابل ذلك نجد مناطق أخرى أكثر غنى بتنوع الخدمات التي توفرها، وأمام هذا التزايد المهول لعدد السكان والذي يؤدي إلى ارتفاع الكثافة السكانية، نجد أن مشاكل عديدة ومستعصية تبدأ في التناسل، ومنها على سبيل التمثيل فقط، مشكل الاكتظاظ والذي تنجم عنه سلسلة من المشاكل الأخرى، كانعدام الخدمات وضعفها في ميادين كالتعليم والتطبيب والسكن ، ومهما كان تدخل الجهات المعنية جادا للتخفيف من ذلك ، إلا أن الطموحات تبقى دون التطلعات، وأي تقصير في هذا الجانب تكون نتائجه وخيمة، تبدأ بتطويق المدن بحاجز متشكل من بيوت عشوائية من الصفيح، تنعدم فيها ظروف العيش الكريم، كغياب الماء والكهرباء وقنوات التطهير، مما يؤدي إلى انتشار أمراض وأوبئة خطيرة، إضافة إلى تنامي ظاهرة التسول الإجرام ، عبر اعتماد هذه الأماكن كأوكار لممارسة مجموعة من الأعمال المشبوهة، كالإتجار في المخدرات وتكوين خلايا إرهابية وغيرها.
و بلغة الأرقام نجد أن نسبة التمدن في المغرب قد ارتفعت إلى 60,3 في المائة، مما يعني ارتفاع معدل النمو الديموغرافي بالمدن ب 2,1 في المائة ، يرافقه تراجع بمعدل 0,01 في المائة في الوسط القروي ، فالساكنة تتوزع بين 20 مليون و 432 ألف و 439 الوسط الحضري، و 13 مليون و 414 ألف و 803 نسمة في الوسط القروي، مع العلم انه إلى حدود بدايات تسعينيات القرن الماضي ،كان سكان الأرياف أكثر عددا من سكان الحواضر، فهذا النصيب من الرأسمال البشري التي تحظى به المدن الكبرى تعجز عن استيعابه بشكل مفاجئ، كما إن الأوراش المفتوحة للعمل تكتفي بعدد يسير من العمال بعد أن عوضت الآلات المبرمجة اليد العاملة فتنتج عن ذلك أزمة البطالة وغيرها من الأزمات، ومن بين هذه المدن التي تعرف رواجا واكتظاظا قويا مدينة الدار البيضاء التي تعتبر المركز الرئيسي للتجارة والصناعة، والتي تستقطب لوحدها أكثر من 3 ملايين و359 ألف نسمة ، ثم مدينة طنجة بوابة أوربا نحو إفريقيا والتي أضحت هي الأخرى قطبا اقتصاديا قويا، إضافة إلى مدن أخرى تتميز بجذبها السياحي كمراكش و فاس.
إن تضاعف عدد سكان المدن بشكل سريع، يصاحبه تراكم خطير لمجموعة من المشاكل، منها ما هو اقتصادي و اجتماعي، ومنها ما هو بيئي ومنها أيضا ما هو أمني، ومقابل التركيز على إيجاد حلول ناجعة بهذه الأماكن ، يتم تهميش وإقصاء وتجاهل المناطق الأخرى، بعدم إدماجها في الخطة الوطنية لتحسين ظروف عيش الساكنة، فيترتب على ذلك حيف كبير، تعاني منه الساكنة أمام تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فتكون النتيجة هي نشوء منطقتين كبيرتين الأولى محرومة من أبسط الخدمات والثانية تحظى بعناية خاصة، الأولى مستهلكة ليس إلا، والثانية منتجة ومستهلكة في نفس الآن.
إننا الآن نطوف حول نفس المدار، فالريف يزحف نحو المدينة زحفا تتناقص معه تدريجيا نسبة القرويين، في حين تتسع نسبة سكان المدن والذين يصبحون هم الآخرون يعيشون حياة مأساوية نتيجة ارتفاع أسعار مجموعة من المواد، ناهيك عن غلاء ثمن العقار سواء المعروض للبيع أو للإيجار، فالكل الآن أصبح يعاني، فالتوزيع غير المتكافئ للمشروعات التي توفر العمل ، وتساعد على الاستقرار، تكون له عواقب خطيرة ، وبهذا فعلى الحكومات إيلاء جانب من الاهتمام بهذا الشأن لإعادة التوازن بين مناطق البلاد، لدرء الأخطار و تجنب الأضرار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات