الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرطة العربية 2: القانون والقضاء أم الواسطة والعشيرة

سندس القيسي

2016 / 6 / 21
حقوق الانسان


الشرطة العربية 2: القانون والقضاء أم الواسطة والعشيرة

كثيرًا ما نسمع عن التجاوزات الكبيرة لأجهزة الشرطة تجاه مواطني الدول العربية، كإلقاء القبض التعسفي وتلفيق التهم والتخويف والترويع والتعديب والحبس، وطالما اعتقدنا بيننا وبين أنفسنا أن من يدعي أن أجهزة الأمن والشرطة (ولا أقول المخابرات) تلاحقه ظلمًا وتكيل له الإتهامات زورًا وبهتانًا وتريد الإيقاع به لجعله عبرة لمن يعتبر، طالما ظننا أن هكذا ضحايا هم من يتسببون بالمشاكل ولا بد أنهم يستحقون ما يجري لهم، كما أنهم لا شك يبالغون في مسألة الملاحقات الأمنية. لكن الحقيقة هي غير ذلك تمامًا، وإذا حصل أن وقع أحدنا في أيدي أجهزة الأمن لأي سبب بسيط كحادث سيارة مثلاً، حتى يكتشف مدى تعفن هذه الأجهزة القمعية، التي تعتمد كليًّا على مزاجية الشرطي والطرف الذي يرغب في الإنحياز له. وهذا الأمر يعتمد على كون أحد الطرفين من أقارب الشرطي أو طائفته أوملته، أو فيما إذا تلقى الشرطي رشوة أو تهديد من شخص متنفذ.

أما آلية عمل الشرطة الجبانة حسبما رصدتها أنا شخصيًا في إحدى الدول العربية، التي تدعي الشفافية والديمقراطية من خلال ثلاث حالات متشابهة على مر عشرة سنوات، فهي مستبدة، ولنفرض أن المواطن في كل الحالات كان مخطئًا نوعًا ما إلى غير مخطئ. دون أن يكون مجرمًا أو عنده سجلاً إجراميًا فكيف تعاملت الشرطة مع هذه الحالات؟

الحالة الأولى،

تاجر أحذية وألبسة في وسط البلد يبيع حذاءً قيمته 30 دولارًا لرجل من جنسية أسيوية. في اليوم التالي، يأتي الأسيوي مع زوجته لاسترجاع الحذاء، فيرفض التاجر ويستدل بيافطة تدل على سياسة عدم الإرجاع، فما يكون من الأسيوي إلا الذهاب إلى مركز الشرطة ليشكو التاجر، في وقت كان فيه رئيس المغفر غائبًا وتاركًا خلفه شرطيًا صغيرًا في السن لينوب عنه. ورغم أن هذه المسألة ليست من اختصاص الشرطة أصلاً، إلا أن المناوب المسؤول قرر التدخل وذهب إلى التاجر.

وحين وصل إلى المحل طلب من التاجر هويته وبمصاحبته إلى المغفر، فما كان من التاجر إلا وأن يرفض الأمرين معًا لعدم وجود مذكرة مع الشرطي. حينها ذهب الشرطي وعاد مع قوة مكافحة الشغب لاعتقال التاجر. فاعتذر التاجر فورًا قائلاً أنه سيذهب مع الشرطة طوعًا دون تكبيل. لكن الشرطي وقوته المصاحبة له ردت بالإعتداء على التاجر ضربًا وركلاً وتنكيلاً وتهديدًا.

ولما صار التاجر في المغفر، تم الإعتداء عليه مجددًا وحبسه. وبدأ الشرطي المناوب بإيكال التهم إليه مهددًا إياه ورافضًا كل وساطات التجار التي استمرت طوال الليل. بل قام الشرطي بنسب تهمة التحرش بزوجة الزبون الأسيوي للتاجر ومقاومة الشرطة والإعتداء عليهم بالضرب وملفقًا تهمًا خطيرة كالإرهاب وتهديد أمن الدولة. ولم يكتف بذلك، بل بدأ بإجراءات عمل تقارير مزورة عند الطب الشرعي لكي يثبت أنه وطاقمه تعرضا للضرب من قبل التاجر، لكن غاب عن باله أن محل التاجر مزوّد بالكاميرات، التي من السهل أن تثبت إفتراء رجل الأمن هذا.

ورغم أن التاجر لم يكن على خطأ ولم تكن هذه القضية من اختصاص الشرطة أصلاً، إلا أنه وقع ضحية استبداد هذا الشرطي، الذي أصر على تعليمه درسًا. ولعل دوافع الشرطي التي نتكهن بها هي ثلاثة؛ الشرطي قليل الخبرة وأراد استعراض عضلاته، الشرطي يرغب في نيل سلع مجانية من التاجر، لكن التاجر يرفض. عنصرية الشرطي تجاه التاجر الذي ينتمي إلى إثنية ثقافية مختلفة هي دونية عند الشرطي، الذي ينتمي إلى إثنية متنفذة تتسم بالعنصرية أيضًا. ولا يخفى أن شخصية هذا الشرطي سادية، تتلذذ بتعذيب الآخرين.

أما كيف تم حل المشكلة بشكل غير عادل، فذلك اقتضى تجميع وساطات كثيفة للتوسل بالشرطي مرارًا وتكرارًا لإخراج الشاب من الحبس، حيث تدخلت قيادات عشائرية، وتم الإصلاح بين التاجر والزبون الأسيوي في المحكمة، حيث أعاد التاجر ثمن الحذاء للأسيوي! وكان يتوجب حصول ذات الأمر بين التاجر والشرطي، إلا أن الشرطي خلف بالحل العشائري أيضًا واختفى في اليوم الذي كان يفترض فيه الصلح.

وهنا حاول بعض أفراد عائلة التاجر اللجوء إلى محامي، لحل هذه المسألة في القضاء. وقاموا برفع معنويات التاجر بدعوته إلى عدم الخوف ومواجهة الشرطي في القضاء. بل أنهم شجعوه على اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان والصحافة، لخطورة هذا الشرطي عليه وتهمه الملفقة، إلا أن التاجر وهو أب لأربعة أطفال لم يحتمل فكرة حبسه عدة أشهر أو سنوات على يد هذا الشرطي المستبد. بل إن أفراد عائلته الآخرين أعربوا عن خوفهم من قتل الشرطي للتاجر، في حال فوزه بالقضية ضد الشرطي. كما أن التاجر هو المعيل الوحيد لأسرته ولا يحتمل فكرة الإبتعاد عنهم. ولم يكف الشرطي شره عن هذا التاجر، حيث حذره من إقحام أي محامٍ في القضيه، وقال له: "إياك إياك أن تحضر محاميًا، وإلا سأريك الويل". وكأنه لم يره الويل!
وهكذا اضطر التاجر للجوء للحل العشائري مرة ثانية، وهو في هذا تحت إمرة الشرطي، الذي أرغمه على توقيع تعهد وما زال الحبل على الجرار، ولا زال هذا التاجر الشاب تحت رحمة هذا الشرطي الفاسد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا


.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر




.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة


.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا




.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة