الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط بابل

عبد الجبار خضير عباس

2016 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


سقوط بابل
عبد الجبار خضير عباس
سقطت بابل عسكرياً مراراً، لكنها لم تسقط حضارياً، فحين دخلها كورش في العام 539 قبل الميلاد انبهر بحضارتها واحترمها على عكس ما يفعله المنتصرون في تلك الأزمنة، لكن عظمة بابل جعلته يحترم آلهتها...ولهذه الأهمية أحترمها الأسكندر المقدوني، فلم يخرب المدينة وأعز أهلها.. هذا يعني أن توهجها الحضاري لم ينطفئ عبر الزمن. وظلت رمزيتها الحضارية محل فخر لسكانها وأحياناً تختزل برمزيتها بلاد الرافدين كلها بحضارتها السومرية والأكدية والآشورية... وسطع نجمها المعرفي في العالم، إذ لا يوجد متعلم أو مثقف على كوكب الأرض لم يطلع على تاريخ بابل وعلومها، ويعلن فروض الاحترام والرهبة والإجلال لدورها الواضح في تاريخ التطور البشري، وأثرها بسلم تمدنه وتحضره، هذه الأهمية الحضارية ليس لها من مثيل في العالم، وتعد من أهم وأغلى كنوز الأرض للذين يعرفون قدرها ويثمنون معرفتها.
لكن لماذا يسعى الإسلاميون العراقيون الآن لتغيير اسم مدينة بابل، هذه العلامة السيميائية التي لا يوجد بشر على وجه المعمورة، لم يسمع بعظمتها، ولم يحترم رمزيتها الحضارية؟
ولِمَ الانزلاق غير المبرر والمسوغ نحو حقل السرديات الحضارية الكبرى مثل بابل وجعلها ساحة صراع فكري عنوة عبر محاولتهم إزالة ومحو مرتكزات الفكر الرافديني؟ تساؤلات ليس لها إجابة سوى أن هذه التوجهات لا تختلف عن ثقافة الدواعش الأوائل الذين غزوا بلاد الرافدين قبل 1400عام وفرضوا ثقافتهم وقيمهم وأعرافهم على سكان العراق، ولو أن العراقيين ما كان لهم تقبل الإسلام الجزري فكان لهم قراءتهم المختلفة وهي إسلام أهل العراق (المذهب الشيعي) والذي رفض الفتوحات/ الغزوات. لكن هؤلاء بفعلتهم هذه أوفياء لثقافة الدواعش الأوائل، وليس لفكر الإمام علي –ع- الذي يقول: "لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" هذه الرؤية الفكرية والسوسيولوجية التي سبق بها عصره بأنه يعي أن لكل مرحلة قراءة فكرية وسياسية وثقافية وسوسيولوجية تتناسب مع المتغير التاريخي والثقافي والاقتصادي... يقول هذا ولم يفصله عن زمن الرسول زهاء عشرين عاماً، فإنه حين عاش في الكوفة تماهى مع العراقيين واحترم، وعيهم وطباعهم وما قوله لمالك بن الأشتر: " الناس صنفان: إما أخ لكَ في الدين أو نظير لكَ في الخلق" إلا دليل على ما شاهده من تعايش المسلمين من أصل رافديني مع اليهود والمسيحيين والمندائيين ومع غيرهم بوئام. فهو لا يميز بين البشر مهما كانت دياناتهم، إذا كان الإمام -علي- لا يميز بين المؤمن والوثني، لماذا تكفرون الحجر والتاريخ، وتخشون الحضارة؟ ولمصلحة منْ تعيدون إنتاج ثقافة عكرمة، وحنظلة، وداحس والغبراء، وتقحموها في الألفية الثالثة على شعب مثل العراق؟!
إن الإسلام السياسي في العراق بدأ ينحرف عن فكر الإمام علي-ع- الذي هو محتوى المذهب الشيعي وجوهره، ويجرنا عنوة نحو ثقافة يثرب. فهو الآن ينشر ثقافته هذه بعد أن أزال كل مظاهر المدنية والتحضر عن مدن سومر، وأكد، فحوصرت الموسيقى، والفنون التشكيلية، والغناء في الجنوب العراقي ما بعد العام 2003 بوصفها مظاهر للعهر والكفر ورجمت التماثيل وأزيل بعضها، وهي البارومتر الذي يقاس به مستوى تحضر الدول. الآن ثمة محاولات لإسقاط بابل حضارياً بعد فشل عديد المرات التي سقطت فيها عسكرياً عبر الزمن، لكن هذه المرة بوساطة القوة الناعمة وألاعيبها السحرية، وسياسة التكفير، وإضفاء صفة القداسة.
وعلى الرغم من انسحابهم ونكرانهم لفعلتهم هذه، فإنه أمر ليس بغريب، كما تفعل أية مؤسسة بطريركية في أي زمان ومكان، لأنها تراهن على غباء المتلقي، لكن فاتها أننا نعيش في زمن الثورة المعلوماتية، والانترنيت... وهذا الأمر ذكرني بشخصية داعشية بعد هزيمتهم في الفلوجة، وسؤاله عن شعار (قادمون يا بغداد) قال: الحكومة فسرت الأمر بشكل خاطئ نحن نقصد زيارة أبي حنيفة النعمان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع