الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طل الصبح ولك ميليس

لطيفة الشعلان

2005 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


"طل الصبح ولك ميليس"
يبدو أن الخيارات السورية للرد على (كذب) القاضي الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري منوعة إلى درجة أن الغناء الشعبي والطب النفسي اتحدا ليشكلا ردا يحمل من الأصالة و الابتكارية مايتجاوز الردود التقليدية المملة كأن يساق العجزة والمعاقون والتلاميذ إلى تظاهرات عرمرمية. فقد انضم علي الديك إلى نادي الغناء السياسي هاجيا تقرير ميليس يؤازره في ذلك الدكتور محمد أحمد النابلسي الذي هجا القاضي الألماني بشحمه ولحمه زاعما لنفسه منهجية تتجاوز التحليل النفسي إلى مدارس علم النفس مجتمعة. لكن علي الديك على أية حال وهو يقول: "إن كان بدهم منا حروب.. رح نعمل بالجبهة دروب"، لايدعي لنفسه حلف مارسيل خليفة ومحمود درويش الثقافي، ولا حتى اجتهاد جوليا بطرس في (الزمانات)، وقد لايعني لذاته أو لغيره أكثر من أن النسخة السورية من شعبان عبدالرحيم قد شقت طريقها للصفوف الأولى باعتمادها على حس قومي يلعلع، تخطى اعلان الحب على فاروق الشرع تقليدا لشعبولا في اعلانه الحب على عمرو موسى، ليصل إلى مواجهة التحديات الراهنة التي تريد تركيع إحدى جبهات الصمود والتصدي: "بدنا نعيش وإن متنا .. الموته ع الجبهة عرس".

المراد أن لا أحد بامكانه أن يصادر حق صاحبنا السوري لو أراد قبل (الميتة في العرس) أن يسلخ ميليس وتقريره وشهوده ومعهم (العبد المأمور لعبد مأمور)، فهذه السلخانة ستكون مفهومة في إطار واقع الغناء الشعبي وجمهوره والمتوقع منه وامكانات توظيفه، ومعادله الموضوعي وهو الخطاب السياسي الرسمي. لكن بيت القصيد الركيك هو ماكتبه النابلسي أحد أشهر الأطباء النفسيين العرب ورئيس "المركز العربي للدراسات المستقبلية" في هجاء القاضي الألماني. ففي خضم مقالة يقرص فيها مؤسس مجلة "الثقافة النفسية" وليد جنبلاط ومن سماهم بجماعته و المليح سعد الحريري وجبران تويني والسياسة الأميركية والإعلام المتأمرك وتلفزيون المستقبل، ويفترض فيها أنها مقالة هجائية كعشرات المقالات الصحافية التي تطالعنا ويتواضع فيها التحليل السياسي أمام ردح فيفي عبده، نرى النابلسي يزعم أنه قد توصل بـ (العلم) إلى كون ميليس يعاني من جملة من الاضطرابات النفسية منها: الاستعراض الهستيري، والشائعاتية، وعدم ثبات المرجعية الأخلاقية، والميول العدوانية، والإغواء السلطوي، والسادو مازوشية!. هذا يعني ببساطة أن القاضي الألماني قد أخطأ طريقه فبدلا من أن يذهب إلى إحدى مصحات ميونخ قادته خطاه المتعثرة إلى التحقيق الدولي في (مؤامرة) مكشوفة على سوريا. أي أن الطريف هو وصول مختص نفسي مرموق إلى تشخيص هذه الزملة من الاضطرابات العصابية المرعبة من مجرد تحليل هوائي استند إلى حركات ميليس الجسمية وسهام نظراته الفتاكة وبسماته الساحرة ولفتاته وتسريباته. فأي مصداقية بعد ذلك ستكون للطب النفسي أو لعلم النفس الذي اشتهر بتعرضه لقولبة شديدة في وسائل الاعلام والبرامج الكوميدية والقصص والنكات التي يتاولها العامة وكثير من المتعلمين. فصاحبنا لم يكن في سياق تحليل شخصية غازي كنعان مثلا أو رستم غزالة ! حيث يمكن الاعتماد على تاريخ شخصي وسياسي متسق وطويل ومعقد ويمكن تتبعه وكاف للخروج بأبحاث تحليلية (فاخرة) لن تخلو بالمناسبة من الشحنات العاطفية التي سيشار لها في الهامش، من (انتحار) الأول في مكتبه، إلى إهداء حسن نصر الله للثاني بندقية من غنائم "حزب الله"! . كما أن الأمر الطريف الآخر أن دراسة النابلسي تكشف الأواصر المتينة التي تربط (فئة) من اللبنانيين بالسوريين، أو إن لم أكن (مغرضة) فسأقول إنها تربط (علم النفس في لبنان) بـ (الغناء الشعبي في سوريا)، خاصة وعلي الديك يبدو كما لو أنه هو الآخر قد انضم إلى "المركز العربي للدراسات المستقبلية" معلنا الأهداف الخبيثة لذلك الألماني العدواني السلطوي المازوشي الهستيري: " كل تقريريك يا ميليس حقو فرنكين وفلس .. مسيس والغاية منو تشريد وقتل وحبس".

وحقيقة فلاشيء أكثر رداءة من التشريد والحبس سوى عسف العلم أو لوي عنقه ليخدم أهداف الباحث أو مسلماته أو قناعاته المسبقة. فالديك والنابلسي، أو الغناء الشعبي والتحليل النفسي، كانا الصدى الباهت لعنتريات السياسي وحزبه ومؤتمراته.

علم النفس يمتاز بقابليته لخلط اللاعلمي بالعامي بالديوكي (من ديك) بالاعتباطي بغرض توجيه النتائج، أو تعزيز النتائج المحسومة سلفا في رأس الباحث. وإن كان من الطبيعي ألا يتحرر الباحث في العلوم الانسانية بشكل تام من أفكاره وثقافته ومرجعيته مهما حاول، إلا أن البون شاسع بين انتفاء الحياد الكامل في العملية الوصفية والتفسيرية وبين فبركة النتائج أو التدخل فيها لتتواءم مع أفكار الباحث أوثقافته أو أهدافه الشعورية أو اللاشعورية. فغني عن القول أن هدف العلم إماطة اللثام عن الحقيقة لا صناعتها، وفي هذه الحالة فما عليك سوى أن تقرأ في بعض الدراسات العربية التي ادعت تحليل الشخصية اليهودية لترى كيف يمكن أن تأتي النتائج متوافقة مع الصور النمطية الشعبية والهوى الجمعي الذي يلغي أي خصيصة انسانية في الخصم حتى لوكانت مجرد ميزة البقاء مع الملاحقة والتقتيل والتهميش الحاد في أحقاب تاريخية كثيرة.

الخلاصة بعبارة أخرى أن فرويد وكارل يونج وكارين هورني غادروا العالم قبل أن يعرفوا غناوي العربان الشعبية أو عبقرية علي الديك التحليلية التي أوصلته لهذه الخلاصة الخطيرة: "جاي وبدك منا شهود محمل كبريت وبارود .. لعبة محبوكة من زمان الكل ب يعرف من أمس". مع ذلك فإن العقلية الداجنة أو التدخل السفيه سيبقى من أكبر التحديات التي تواجه البحوث الانسانية وتشكك في نتائجها، وقد عرفت شخصيا تجارب لباحثات وباحثين كانوا فيها يعيدون تصميم التجربة أو أدواتها أو ظروف تطبيقها في لعبة محبوكة كما يقول علي الديك ليصلوا إلى تحقيق النتائج التي افترضوها مسبقا ولم يصلوا إليها من المرة الأولى. والأدهى من ذلك أن بعض أحياء وسط الرياض الشعبية مثلا تعرف دهاة في الإحصاء التربوي من إخوتنا العرب المشغولين عن علي الديك وهيفاء وهبي بتفصيل النتائج لمن يطلبها تفصيلا (مايخرش المية). فإذا كان الحال كذلك على صعيد بعض البحوث الجامعية التي يفترض فيها درجة عالية من المصداقية والموثوقية فما بالك بالكتابات الصحافية التي تخسف بالمنهجية إلى مستوى (أمّا نعيمة) خاصة في وضع حرج ودقيق كحال السوريين مع ميليس أو حاله معهم وهو (المريض النفسي) بامتياز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كان حزب الله يخطط لتكرار -السابع من أكتوبر- على الحدود ال


.. اللبنانيون يهرعون إلى المستشفيات للتبرع بالدم بعد القصف الإس




.. عاجل| حزب الله: ننعى القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل


.. حرائق في الجولان المحتل بعد إطلاق صواريخ من لبنان




.. تحقيقات جارية فى 4 دول والكل يتبرأ من تورطه في -هجوم البيجر-