الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والديمقراطية في المجتمعات العربية الإسلامية

محسن الخروبي

2016 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن لمتتبع الوضع الحالي لواقع المجتمعات العربية الإسلامية سياسيا واجتماعيا أن يتساءل عن العوامل التي حالت دون انتقال هاته المجتمعات، خاصة ما هو متعلق بالديمقراطية فيها، نظرا للحاجة إليها في إرساء الاستقرار وضمان حقوق وحريات الافراد في هذه المجتمعات، وكذا تجاوز الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكن الحديث هنا لا يصير ممكنا بدون أن نرجع إلى فهم البنية التفافية والاجتماعية في هذه المجتمعات، فالدين مثلا يحتل جزء ا كبيرا من هذه الإشكالية، ذلك أن جل هذه المجتمعات هي إسلامية، وأن المعتقد الديني منغمس فيها بدرجة كبيرة، بل وأكثر من ذلك فقد امتد إلى ما هو سياسي ومجتمعي.
ومن ثم فمن الأجدر أن يجمع الباحث والمثقف العربي في هذه الحالة بين الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي في فهم وتفسير مشكل الديمقراطية في الوطن العربي، وإلا ستكون فقط مقاربات بعيدة عن ما هو علمي وموضوعي، ومنه يمكننا أن ننطلق في مقالنا هذا من مجموعة من التساؤلات، ليس بمنطق المطلق، وإنما بغرض فهم ما تختزله الاشكالية من تدخلات وامتدادات من وجهة نظر متواضعة:
ماهي الديمقراطية؟ ولماذا لا زالت المجتمعات العربية الاسلامية ترفض هذا المشروع باستمرار؟ هل الأمر يتعلق بمرجعية ايديولوجية، ام قبلية، أم أن الديمقراطية هي من صنع غربي يرتدي ثياب البراغماتية، وأن هدفه هو تهميش هذه المجتمعات وجعلها تابعة مستهلكة لا منتجة؟ ..قبلا ، ما هو الدين؟ وهل يمكن الحديث عن الدين (الاسلام) السياسي؟ بمعنى اخر هل يمكن ارجاع فشل الديمقراطية في هذه المجتمعات الى حساسية الديني ؟
مما لا شك فيه أن ما وصلت إليه البلدان الغربية اليوم يرجع بالأساس الى الظرفية التاريخية التي مرت منها، ومدى تشبتها بالقيم الحداثية وتطبيقها الفعلي لفكر الانوار الذي يدعو في مجمله الى إقامة مجتمع ديمقراطي على أسس حداثية يتساوى فيها الجميع ...، وكذا فصل السلط (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية)، واعتبار السلطة التشريعية هي أعلى سلطة في المجتمع، بغرض ضمان الحقوق والحريات للأفراد، وباعتبارها صادرة عن الشعب انطلاقا من استفتاء شعبي كما دعى جون لوك، وفي بعض الأحيان تحققت المعادلة الدولةء الامة كما هو الحال في فرنسا وانجلترا نسبيا. غير أن ما حصل في الوطن العربي من انحطاط وأزمات اجتماعية متتالية لا يمكن ربطه بأهمية الوعي بالديمقراطية وانما بنوع الديمقراطية التي يريدها والتي يراد لها أن تكون والتي يحتل فيها الديني الحيز الأكبر.
أولا يستوجب علينا تحديد المفاهيم المشكلة للموضوع الذي نحن بصدد التفصيل فيه، وفهمه من وجهات نظر متعددة، بغية إعطاء السوسيولوجيا حيزا كبيرا من هذا التفسير.
إن الديمقراطية هي الديمقراطية، وإن ما يختلف هو الصياغات التي تقدم لها، كما هو الحال عند الدين كمنظومة شاملة، والتدين كنظرة وتأويل للديني حسب الثقافات والمجتمعات والفئات والفوارق الطبقية...، فتصبح هذه النظرة وهذا التصور محطة جدل وخلاف حول النص من جهة، وحول تجسيد هذا النص على الواقع والاخر بشكل عام من جهة اخرى .
إن للديني عامل مهم في تشكيل الجماعة والمجتمع، فالسياسة مهمة كذلك لتدبير أمور الناس بشكل تفاوضي ومتفق عليه لسير النسق الاجتماعي وتجاوز الكائن بدل الممكن، غير أن الذي حدث في المجتمعات التقليدية (المجتمعات العربية الاسلامية) هو محاولتها لجعل السياسي والديني وجهان لعملة واحدة، وأن الدين صالح لكل زمان ومكان، وبدونه لا يمكن للسياسة أن تعمل، وان تكون "نقية" و"صالحة" وبالتالي "مجتمع فاضل"، وقد يظهر هذا الاختلاف في شكل متطرف قد يمتد الى استعمال العنف، للتأكيد على المطلق واللا اختلاف فيه.
من بين مظاهر الاختلاف حول نوع الديمقراطية التي تريدها المجتمعات الاسلامية، نجدها في نوع المجتمع الذي تريده، بين الديني الخالص /الديمقراطية يجب ان تكون داخلية، وإمكانية الانفتاح على الاخر/يجب الاخذ ما هو صالح في الديمقراطية التي أبدعها هذا الاخر (الغربي) ومزجها بالمحلي، واللاديني أو ما يسمى ب "الدين لله والوطن للجميع".
يمكن أن نشير في هذا السياق إلى دور الثقافي في انتاج واعادة انتاج هذا الاختلاف والذي قلنا عنه انه بمقدوره ان ينتج تطرفا معينا، يمكن للدين أن يأخذ فيه النصيب الأكبر نظرا لطبيعة هذه المجتمعات.
فالعولمة الثقافية مسؤولة عن هذا، حيث أنتجت لنا سوقا من السلع والبضائع، والسوق يخضع لمنطق العرض و الطلب، وحرية السوق، وبذلك فقد هذا الاخير قيمته، وخرج من المحلي الى الكوني والى المنافسة .ومن ثم حدث نوع من الشرخ بين الثقافي والديني (الديني يوجد في قلب الثقافي) مما أنتج ولا زال يعيد انتاج ردود أفعال متتالية، قد تظهر بهذا الشكل أو بغيره.
كما أنه كلما اتسعت المسافة بين طموحات الفئات الهامشية في المجتمع (الشباب خصوصا) والواقع السياسي والاجتماعي، كلما كانت ردود أفعال أكثر ، كأشكال احتجاجية، قد تظهر هنا أو هناك...
انها سلسلة معقدة من العوامل التي تنتج وتعيد انتاج نفس الاشكالية التي انطلقنا منها، والتي قد يحتل فيها الديني الحيز الأكبر، وما الاختلاف حول الديمقراطية سوى مؤشر قوي على أزمة حاصلة في تاريخ هذه المجتمعات مع نفسها ومع الاخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي