الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل انغلس: 2- إلى ”أرنولد روغ“.15 يونيو1842- ‹‹..لَستُ دُكتوراً!›› .

حاتم بشر

2016 / 6 / 23
الارشيف الماركسي


قدّم لها، وعرّبها : حــاتــم بــشــر.


أولاً: إطلالة على السياق التاريخي:

في خريف 1841 وصل انغلس الى برلين لأجل أداء خدمته العسكرية، فانخرط جنديا متطوعا في فرقة للمدفعية.
ومنذ ذلك التاريخ شرع انغلس في حضور محاضرات الفيلسوف ’فريدريك شيلينغ‘، في جامعة برلين، خلال أويقات فراغه، بصفة مستمع حر. وما لبث أن ارتبط، هنالك، في برلين، بحلقة الهيغليين الشباب، حيث انخرط بنشاط في المناظرات الفلسفية التي كانت تخوض غمارها وقتئذ. فإن الإستنتاجات الراديكالية والإلحادية التي راح الهيغليون الشباب يستخلصونها من فلسفة أستاذهم، هيغل، قد أثارت هلع الحكومة البروسية، التي كانت تعتبر الدين والكنيسة أرسخ سند لها. وعليه، فقد أقصت الأساتذة المعروفين بتأييدهم لفلسفة هيغل عن كراسيهم الجامعية¹، ومن ثم استدعت شيلينغ، الذي كان فيما سبق من أنصار هيغل لكنه أصبح الآن عدوا لدودا للتيار الهيغلي الشاب التقدمي، وعينته أستاذا في جامعة برلين، ليضع فلسفته ‹‹في خدمة ملك بروسيا››² ، طبقا لتعبير انغلس.
وفي هذا السياق، نشر انغلس، في مجلة ”تلغراف ألمانيا“، زخّة من المؤلفات المضادة لفلسفة شيلينغ، مدافعا، في الوقت نفسه، عن الجانب التقدمي في فلسفة هيغل، أعني ‹‹دياليكتيكه الثائر›› . وهي، بحسب ترتيب نشرها:
1- مقالا بعنوان ”شيلينغ عن هيغل“. في ديسمبر عام 1841. وذيله بتوقيع ’فريدريك اوسوالد‘³.
2-في ربيع العام التالي أصدر كراسا مغفلا بعنوان ”شيلينغ والوحي“.
3-بعد ذلك نشر كتابا مغفلا ثانيا بعنوان ”شيلينغ فيلسوف بإسم المسيح“.
وقد نشأ عن نقده لشيلينغ دويا هائلا. فقد أثارت موجة عارمة من السخط في الصحف المحافظة⁴، بينما أشادت به الصحف التقدمية، ومن بينها ”دويتشه ياربوخار“(الحوليات الألمانية)، وهي جريدة الهيغليين الشبان، التي كان يحررها أرنولد روغ، الذي أطرى وأجزل الثناء، على وجه الخصوص، على كراس ”شيلينغ والوحي“، وبعث إلى إنغلس رسالة- بعدما عرف أنه مؤلف الكراس- يستفسر منه لماذا لم يرسل مخطوطاته الى مجلته لنشرها فيها. وكان روغ يظن أن كاتب الكراس عالما متضلعا، ومن ثم، راح يناديه في رسالته بالدكتور في الفلسفة. وإن الرسالة التي نعربها ههنا، هي رد انغلس عليه.


ثانيا: نَصّ الرسالة.

إلى أرنولد روغ، في "دريسدن"

الدكتور العزيز،
مُرفق طيّه مقالي الموسوم بـ‹‹ألكسندر يونغ: محاضرات في الأدب الألماني المعاصر››*، بغرض نشره في مجلة ”دويتشه ياربوخار“(الحوليات الألمانية).
فيما يتعلق بموضوع ’دانتي‘ فقد نحيته جانبا بصفة مؤقتة، كنت أود أن أبعث به إليك سابقا، إلا أنه لم تتوفر لي فسحة من وقت.
لقد تسلمت خطابك بعدما ضل طريقه إلى عدد من العناوين المغلوطة!
لماذا لم أُرسل(شيلينغ و الوحي) إلى ”الحوليات الألمانية“؟!
1- كنت قد عقدت العزم على أن يجيء الكتاب فيما يتراوح بين 5:6 ملزمات. غير أن هذا الحجم قد تقلص، أثناء المفاوضات التي أجريتها مع الناشرين، إلى ½3 ملزمة فقط.
2-لأنه، حتى ذلك التوقيت، كانت الحوليات تَرهب شيلينغ.
3- لأنني قد نُصِحتُ ، ههنا، ألا أقدم على مهاجمة شيلينغ في مجلة، بل من خلال كراس أصدره.
إن الكراس المعنون بـ”ـشيلينغ فيلسوف بإسم المسيح“ هو، أيضا، من تأليفي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإني لست دكتورا**، وليس في وسعي أن أصبح دكتورا في يوم من الأيام، إنني لست سوى تاجر بسيط، ومدفعي في الجيش البروسي الملكي***، لذا أرجوك ألا تعود إلى نعتي بهذا اللقب.
أنتوي إرسال مخطوطة أخرى إليك قريبا جدا، وفي غضون ذلك، ستظل مخطوطة على حالها.

تفضل بقبول فائق الإحترام
ف،انغلز (أوسوالد)
برلين، 15 يونيو 42.


ثالثا: هوامـــــش وملاحظـــــات من المترجـــــم.
¹برونو باوير، ولودفيغ فيورباخ مثلا.
²راجع: ماركس وانغلس، المؤلفات الكاملة، المجلد2.
³أضطر انغلس الى التوقيع بذلك الإسم المستعار في مجمل مقالاته المنشورة في تلغراف ألمانيا، الإجتماعية منها مثل”رسائل من فوبرتال“، أو الفلسفية فيما بعد؛ فلقد أثارت عاصفة من الحنق والغيظ في الوسط الإكليريكي التجاري الذي تولى فضحه. كان الأمر جد خطير، فلم يكن انغلس يخبر إلا دائرة ضيقة جدا من أصدقاءه بأنه كاتب تلك المقالات، ويشدد عليهم في كتمان السر: ”وإلا فإن يد المنون تنالني“.
⁴هاجمته صحائف "البرفلد تسايتونج"، و "اوجز بورج المانيتسيو تنج".
*أ.يونغ كان عضوا في جماعة ”ألمانيا الفتاة“ التي كانت مجلة تلغراف ألمانيا لسان حالها. انفصل انغلس عنها نهائيا في صيف 1843، وهو يشرح وجهة نظره بالتفصيل في هذا المقال.
**في رسالته التالية إلى روغ، سيؤكد نفس المعنى: ”إنني شاب، ثقفت نفسي بنفسي“.
***إن سيرة ”ف.انغلس"، تأليف يفجينيا ستبانوفا، في طبعتها العربية، التي صدرت عن دار التقدم-موسكو، تحتوي على هذه الفقرة من الرسالة، وهي تترجم تلك العبارة كالآتي: ”في خدمة ملك بروسيا!“. وهي ترجمة غير دقيقة اطلاقا. قارن هامش²(!!)
• المصدر الذي اعتمدنا عليه في ترجمة نص الرسالة: Marx&Engels, CW, Vol.2, P.543.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهمية المراسلات
هيكابي الطروادية ( 2016 / 6 / 24 - 11:37 )
اعتقد ان المراسلات التي خطها صانعوا التاريخ لا تقل اهمية عن ما يرصد في كتبهم، فهي تساعد في رسم ملامحهم الأنسانية، مسيرتهم والظروف التي صنعتهم وتعد حلقة الوصل بين الواقع والفكر الذي انتجوه. انها تكمل صورة الانسان االقادر وما له من اثر عميق في كل الساعين في الطريق.

هنا نر كيف ينأى هذا الاسم العظيم عن الالقاب، انها لا تعنيه، ولا يفكر في ان ينالها ابدا، هي لم تكن بالنسبة له -حتى في ذلك الزمن- تعبيرا عن العلم والفكر اوالاجتهاد الذي يسعى بواسطته الأنسان للوصول الى الحقيقة وان يرتق بالبشرية.

اعتقد ان الالقاب قد تخدم التقسيم الفئوي الطبقي في بلادنا، فهو كأي منصب رسمي يعكس وجاهة وسلطة في الوقت الذي قد لا يعكس فكرا وعلما حقيقيين، فتر االكثيرمن النفوس الوضيعة تدفع كل شي حتى تنال لقبا تكسب به اهمية جوفاء لا تخدم به لانسانية بشيء بقدر ما تخدم به مصالحها ومن معها. هذا ناهيك عن الكم المريع من التنازلات الفكرية والاخلاقية التي تقدم في سبيل الوصول الى الالقاب, خصوصا في ظل انهيار المنظومة التعليمية.

اعتذر عن الاطالة، وشكرا لمثال رائع في الطريقة الواجب التعامل بها مع والثائق التاريخية، مجهود عظيم.

اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا