الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة الدكتور أوتنيل ونجاة الدكتور إتشينكي

محسين الهواري

2016 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


محسين الهواري
بينما كنت أتابع مداخلة السياسي الشاب بابلو إتشينكي، الرجل الثالث في حزب "بوديموس" اليساري، بإحدى البرامج الإسبانية التي يديرها الإعلامي الشاب بدوره، سيرخيو مارتين، مدير القناة الإخبارية العمومية الاسبانية ، في محاولة مني لتخليص صحتي النفسية من الآثار الجسيمة التي خلفتها سنين طويلة من المشاهدة القسرية لقنوات التجهيل والتدجين والتجييش.

بابلو إتشينكي، المهاجر ذو الأصول الأرجنتينية، الذي توجه إلى اسبانيا لعلاج مرض "ضمور العضلات الشوكي (L’amyotrophie spinale)، وهو المرض الذي أصاب 88 بالمائة من جسده بالشلل. هذا الوضع المعقد لم يجعل من هذا البطل متسولا بمنطقة أرغون الإسبانية، بل قطف شهادة الدكتوراه في الفيزياء بتفوق وليصبح بعد ذلك من الساسة الذين سيقررون مستقبل اسبانيا السياسي خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

يتقاسم بابلو إتشينكي مع ليونيل ميسي مسقط الرأس وتجربة الهجرة والمرض. جعلت اسبانيا من الأول سياسيا محنكا وفيزيائيا مرموقا رغم عاهته الجسدية، وحولت الثاني من"قزم" بسبب مرض هرموني إلى عملاق كروي حير عقول الملايين. فماذا هو فاعل "أجمل بلد في العالم" وبلد" الاستثناءات" وبلد "الانتقال الديمقراطي +∞" لأبنائه؟

أصيب الدكتور عادل أوتنيل لدى ولادته بإعاقة شبه تامة، توفيت أمه وهو في ربيعه الثاني، فحمله أبوه البطل على كتفيه ليجوب به مشارق الأرض ومغاربها إلى أن شفي من عاهته نسبيا. نال شهادة الدكتوراه في موضوع "صور الاغتراب في شعر الصعاليك"، كما حاز على شواهد عدة في القصة القصيرة وألف كتابا بعنوان "على عتبات الليل" يناقش فيه مواضيع اجتماعية وسياسية مختلفة".

لم يحقق الدكتور عادل أوتنيل مبتغى أبيه بفعل دعم الدولة المادي والمعنوي بل أمضى حياته الجامعية "صعلوكا" متنقلا بين أزقة الحي الصفيحي "الليدو" بجامعة فاس كبقية رفاقه، إلا أن استهتار واستخفاف الدولة المغربية بوضعه لم ينل من عزيمته بل كان دافعا لتفوقه. كان الدكتور أوتنيل معتدا بنفسه، متأثرا بشعر وحياة أبو الطيب المتنبي. كان غزير المطالعة، دائم الابتسامة، أنيق الكلام وعميق التفكير.

ناقش الدكتور عادل أوتنيل أطروحته بعد خوضه لإضراب عن الطعام بفعل العراقيل التي وضعت في طريقه. ويخوض مجددا معركة الأمعاء الفارغة للمطالبة بحقه المشروع والعادل في الشغل. جسده يضمحل، يوجد الآن بين الحياة والموت والسبب في ذلك معروف والمسئول معلوم. حالة الدكتور عادل أوتنيل وصمة عار على جبين بلد يمجد الحمقى ويهين المثقفين.

تخيلوا معي يا سادة حياة الفيزيائي والسياسي بابلو إتشينكي في المغرب، ما عساه أن يكون في أحسن الأحوال؟ مساح أحذية، متسول، معطل، دكتور مضرب عن الطعام... وتخيلوا معي أيضا مصير ليونيل ميسي لو هاجر إلى المغرب عن طريق الخطأ، هل كان سينمي جسمه ومهاراته كما فعل في اسبانيا وبفضلها أم سيكون في عداد المجهولين والمفقودين والمهمشين. كنا سنحرم بكل تأكيد من أهدافه ومراوغاته الخرافية.

تخيلوا معي أيضا حياة عادل أوتنيل بإسبانيا، كان سيصبح روائيا كبيرا، وناقدا أدبيا متميزا وفاعلا سياسي متألقا. كان سيصبح من رجالات "بوديموس" كما حصل مع الأرجنتيني إتشينكي، وكان سيصير واحدا من المثقفين والساسة الذين تتهافت عليهم مختلف القنوات والجرائد لأخذ انطباعاتهم وقراءاتهم السياسية. في اسبانيا يتهافتون على الكفاءات ويقدرونها وفي بلدنا يتهافتون على الرداءة ويمجدونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دخل الاتحاد الأوروبي في مواجهة مع الجزائر؟ • فرانس 24 / F


.. الاتحاد الأوروبي يدين القيود الجزائرية المفروضة في حقه على ا




.. هانتر بايدن. ما صحة مزاعم تتهمه بالعنف والتحرش لجنسي؟ • فران


.. هل تقف مدريد وراء إطلاق الاتحاد الأوروبي إجراء بحق الجزائر؟




.. ما موقف الجزائر من إطلاق الاتحاد الأوروبي إجراء بحقها؟