الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسلاميون والفخ الأمريكي

سعد الشديدي

2005 / 12 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد انتصار الأحزاب الأسلامية الجزائرية في اول انتخابات ديمقراطية اجريت في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. كان الأفق جاهزاً، على المستوى الجماهيري، لأن تتولى الأحزاب الأسلامية قيادة البلاد. إلا أن تدخل جنرالات الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، واجهاضهم نتائج تلك التجربة السياسية الوليدة، أدى إلى ردود افعال ما زالت الجزائر تدفع ثمنها حتى يومنا هذا. ولا تخلو اخبار ذلك البلد المنكوب من مذابح ترتكبها مجموعات من المتطرفين الأسلاميين ومجازر بشعة ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، وما زال نهر الدمّ يجري دون ان يستطيع احدٌ ايقاف تدفقهِ.
من الأكيد والثابت ان الجنرالات وضباط العسكر لم يتحركوا وقتها دوت الحصول على اذنٍ من الغرب. والغرب، في هذه الحالة بالذات، هو أوربا وعلى وجه التحديد فرنسا. فالجزائر بقيت حتى بعد الأستقلال منطقة للنفوذ الفرنسي، مثلها مثل المغرب وتونس. ولا تنوي فرنسا حتى هذه اللحظة أن تتخلى عن مصالحها في هذه البلدان تحت اي شرطٍ من الشروط. ويبدو ان الأوربيين أعطوا وقتذاك جنرالات حزب جبهة التحرير الضوء الأخضر لأن يدوسوا على نتائج الأنتخابات ويقوموا بانقلابٍ بررته وقتها وسائل الأعلام الأوربية وصفقت له. أما الحكومات الأوربية فقد صمتت تجاه ما كان يجري وكأن الأمر لا يعنيها. فقد كانت اوربا وماتزال غير راغبة في ان يتولى الأسلاميون قيادة دولة تقع قريباً من حدودهم الجنوبية على ضفاف البحر المتوسط. ونستطيع فهم الموقف الأوربي هذا اذا ما عرفنا أن اوربا عاشت قرون طويلة تحت الأحساس بالذعر من جحافل الجيوش الأسلامية وهي تهدد القارة بكاملها. ويبدو أن ذاكرة اوربا لم تستطع أن تنسى تلكم الذكريات، او ربما هي لا تريد ذلك.
كان واضحاً ان مايجري على الأرض الجزائرية يؤثر بشكل أو بآخر على مجمل الوضع في شمال أفريقيا ودول غربي آسيا. الأمر الذي حدى ببعض الأوساط اليسارية وحتى الليبرالية بالدعوة الى دراسة ما حدث في الجزائر والخروج بنتائج محددة كي لا بتكرر ذلك في بلدان أخرى في المنطقة. وبعد دراسة مستفيضة وعميقة للتجربة الجزائرية خرج الغرب، ولا أقصد هنا أوربا فحسب بل والولايات المتحدة الأمريكية ايضاً، بنتائج شكلت أساساً لستراتيجية جديدة في التعامل مع البلدان العربية. فقد قام الباحثون والأكاديميون بدراسة ما اذا كان الأسلام يشّكل خطراً حقيقياً من الناحية السياسية والأهم من ذلك اذا ما كان الأسلام يمتلك، كما يدعي الأسلاميون، المرهم السحري والترياق الشافي والحلول الجذرية لمشاكل البلدان العربية والأسلامية. كان الجواب بالنفي على كلا السؤالين. فلم يعد المسلمون قادرون على تجييش الجيوش وغزو أوربا مرة أخرى, ذلك ان اوربا أثبتت تفوقها الكامل وفي كل المجالات على العرب والمسلمين. وبالرغم من أن الأحزاب والمجموعات الأسلامية على استعداد وجاهزية عالية لتسلم السلطة في أي بلد من البلدان العربية والأسلامية إلا ان تلك الأحزاب لا تمتلك برنامجاً واضحاً تستطيع من خلاله تأسيس مشروعٍ حضاري اسلامي يعيد زمام المبادرة للأسلام وللمسلمين. وتأكد الغرب بان شعار الأسلام هو الحل يشبه، والى حدِ كبير، شعارات الوحدة العربية تلك التي رفعتها الأحزاب القومية العربية خلال اربعة عقودْ كاملة في القرن الماضي. فهو مجرد شعارٍ يعرف من يرفعه بصعوبةِ بل ربما استحالة تطبيقه، ومع ذلك يرفعه لنيل رضى وتعاطف قطاعاتٍ واسعة من الجماهير في بلداننا العربية أملاً بالوصول الى السلطة.
ويناءاً على هذه الأفتراضات خلص الدارسون الى نتيجة مفادها: لنعطِ الأسلاميين اذن الفرصة للوصول الى السلطة. فمن حق الأسلام السياسي، كغيره من الأيديولوجيات، الوصول الى الحكم ثم الفشل في حل المشاكل المستعصية التي تعاني منها البلدان العربية. هذا بالأضافة الى أن الحَجْر على الأسلاميين ومحاصرتهم من الناحية السياسية سيزيد من جاذبية الأسلام في عيون عشرات الملايين من الجياع والعاطلين عن العمل والمضطهدين في بلدان العرب والمسلمين. وسيجعل من الأسلام رمزاً لمقارعة الظلم والأضطهاد والتصدي للقوى العظمى ليس في بلاد المسلمين فحسب بل في العالم أجمع. وهذا أمرٌ لا يريده أحد في الغرب.
لذلك كان الأقتراح، الذي دخل حيّز التطبيق فيما بعد، أن يُسمحَ للأحزاب والجماعات الأسلامية بتولى السلطة في عددٍ محدود من البلدان التي يمكن السيطرة عليها في حال ان جنحت التجربة الى السير في طريق آخر. وربما لهذا السبب نجح الأسلاميون الأتراك في الأنتخابات البرلمانية وقاموا بتشكيل حكومة يغلب عليها الطابع "الأسلامي". ففي تركيا ما زال العسكر هم المتحكمين في الحياة السياسية ولهم جذور عميقة في فيها. وبإمكانهم التدخل متى ما شاؤوا لأزاحة هذه الحكومة الأسلامية متى ما ظهر ان هناك خطاً ما في حسابات البيدر والعصفور.
ولم تكن التجربة العراقية إلا تكراراً للتجربة التركية. فوصول الأحزاب الأسلامية العراقية للحكم مشروط بوجود القوات الأمريكية، في البلاد، وستعمل تلك القوات لضمان سير الأسلاميين في الأتجاه المرسوم.
ولا يعرف الأسلاميون بأنهم بحماسهم الكبير وعملهم الدؤوب انما ينفذون المطلب اللأوربي الذي تبناه الأمريكيون قلباً وقالباً، بأتاحة الفرصة "للأسلام" بتولي السلطة ثم الفشل في حل معضلات بلدانهم وشعوبهم والتخلص منه كغريمٍ ايديولوجي غير مرغوب فيه من قبل الغرب.
من الواضح ان الأسلاميين يسيرون الى السلطة دون تردد مضحين بالأسلام من أجل تلك السلطة. ويبقى السؤال: ما هو الجانب الأكثر أهمية في افضليات احزاب الأسلام السياسي: الدين أم السلطة؟
يبدو ان قيادات تلك الأحزاب والحركات قد حسمت امرها فالسلطة هي الأهم وإن أدى استلامهم اياها الى زعزعة دور ومكانة الدين مستقبَلاً في بلاد المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل