الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريطانيا: شعبوية صادمة ... ثم تعود لاوروبا!

خالد الحروب

2016 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



كنا نتبادل الضحك والنكات، بعض جيراننا وخلود زوجتي وانا، ونحن نخط حرف "الإكس" إلى جوار خيار البقاء في في الإتحاد البريطاني، في المركز الإنتخابي الصغير في حي Cherryhinton في مدينة كامبردج. لم يدر بخلد أي منا ان تكون النتيجة صاعقة ومؤيدة للخروج في اليوم التالي وكما جاءت. المزاج العام في مدينة كامبردج كما في اكثر المدن البريطانية التي تعودت على التعددية الثقافية والكوزموبوليتانية وعلى رأسها لندن كان وما زال مع خيار البقاء مع اوروبا. صباح هذا اليوم غالبية الناس مصدومين: ما الذي حدث بالضبط؟ وماذا يعني خروجنا من الإتحاد الاوروبي؟ في المدرسة المجاورة الكل لا يعرف الإجابة والكل تعتريه الدهشة: المدرسون والمدرسات واولياء الامور. تساءلت فعلا إذا كان كل هؤلاء ضد الإنفصال فمن الذي صوت معه إذن؟ تساؤلات كثيرة واجوبة قليلة.
خيار الخروج والإنكفاء على الذات هو إلتقاء نزعات اليمين، والتشدد ضد المهاجرين، وتصاعد نزعات القومية الشوفينية. لذا لم يكن غريبا ان يعبر دونالد ترمب عن غبطته وتأييده للنتجية بعد صدورها بساعتين، حيث صدف ان تواجد في بريطانيا، وتلاعب على اوتار التشدد القومي مصرحاً بأن البريطانيين الان استعادوا بلدهم واستردوه (لكنه لم يقل لنا من أيدي من تم استعادته؟). الدهشة العارمة على وجوه كثيرين هنا يخالطها خوف شديد من المُستقبل. ليس سهلا أن يتم تفكيك علاقة عضوية مع الاتحاد الاوروبي ضلت تتعمق على مدار اكثر من اربعة عقود واصبحت هي القالب المُشكل للاقتصاد والتجارة والسفر والسياسة وللمزاج العام البريطاني ـ الاوروبي. صحيح ان الإمتعاض البريطاني والتشكك إزاء اوروبا والوحدة معها ظلا على الدوام شبه تقاليد تسم علاقة الجزر البريطانية مع القارة العجوز، لكن ذلك الامتعاض والتشكك هو اقرب للشكوى داخل العائلة الواحدة منه إلى اي نوع حاد من تلك الشكاوى التي تقود إلى الإنفصال التام. أو هو تشاكي زوجين من بعضهما البعض تطاول فجأة وخرج عن السيطرة ووصل إلى الطلاق، ثم إندهش الزوجان كيف آلت الأمور إلى هذه النهاية؟
ما زال الوقت باكراً لتقديم تحليل وافٍ حول خلفيات ومنعكسات التصويت ومآلات بريطانيا خارج الإتحاد الاوروبي، لكن هذا لا يمنع من التأمل في بعض الملاحظات الاولية العامة. وهذه الملاحظات تقود في مجملها إلى توقع بروز مطالبات شعبية للقيام بإستفتاء جديد خلال العامين القادمين اساسه عدم القدرة على تحمل المنعكسات الكبيرة لقرار الخروج. أعتقد ان النقاش الذي سيضرب بريطانيا للأشهر القادمة سوف يؤدي إلى بروز حملة أخرى تطالب بإعادة الاستفتاء.
الملاحظة الاولى في هذا السياق هي تفصيل للحظة وحس الإندهاش والصدمة الذي يكاد يلف الجميع هنا من النتيجة، سواء اكانوا ممن صوت للبقاء او للإنفصال. في الساعات الاولى بعد اعلان النتيجة وعلى شاشة البي بي سي عبر بعض ممن صوتوا للإنفصال عن ردود افعال ومشاعر هي اقرب إلى عدم الرغبة في تبنى هذا النصر المُلتبس. كأنه جمرة ملتهبة لا يريدون القبض عليها. بقليل من المُجازفة يمكن القول ان كثيرين ممن صوتوا لصالح الإنفصال كانوا مدفوعين برغبة التعبير عن الغضب من اوضاع قائمة اكثر من الرغبة في الذهاب بعيداً إلى آخر الشوط والتخلي عن اوروبا. في السنوات الاخيرة تنامت النزعات ضد المهاجرين في كل اوروبا، وتنامت معها واستثمرتها خطابات التطرف والشعبوية والتخويف، وكلها تدعو للإنكفاء على الذات واغلاق الحدود. تماهت الحملة الداعية للإنفصال عن الاتحاد الاوروبيا مع كل غرائز الخوف والتخويف سواء من المهاجرين والبطالة وسواهم، واصبح الاتحاد الاوروبي هو كبش الفداء الكبير الذي لا بد من التضحية به. عملياً، وكما سوف يتضح لكثير من البريطانيين هناك مساحة عريضة من السياسة بين القضايا الضاغطة عليهم، وحتى على المشاعر القومية والشوفينية لدى بعضهم، وبين الإنخلاع من الاتحاد الاوروبي، وسوف تتبدى العلاقة السببية الواهية لكثير من "الشرور" التي تربط بهذا الاخير.
الملاحظة الثانية، ان كثيرا من انصار ومؤيدي البقاء مع الاتحاد الاوروبي ابقاهم الكسل والطقس الماطر في بيوتهم ولم يمارسوا حقهم في التصويت. كثير من هؤلاء بل ربما الغالبية، كما هو الانطباع الذي ساد قبيل التصويت، لم يأخذوا الامر بالجدية التي يستحقها. بدا الامر كله وكأنه مزحة سمجة، ولم يتصور اكثر هؤلاء (غير المصوتين) ان الامور سوف تتسارع إلى النتيجة التي وصلت إليها. مع مرور الايام القادمة سوف ينتبه هؤلاء إلى اهمية صوتهم وخطورة الإستنكاف عن التصويت والانخراط بفعالية ما في التسيس العام.
الملاحظة الثالثة، تتمحور حول التوزيع العمري للمصوتين. كبار العمر وشريحة من هم فوق ال 65 صوتوا مع الإنفصال. هؤلاء هم بقايا إرث الحرب العالمية الثانية والمشاعر الناقمة على اوروبا وخاصة المانيا. يرون في اوروبا العدو القديم وفي قلبها المانيا التي هددت بريطانيا وقصفت مدنها. ظل الشك في اوروبا قابعا وراسخا في اواسط كبار العمر. على الضد من ذلك غالبية الشرائح الشبابية صوتت لصالح البقاء مع اوروبا، ونسبة من صوت منهم اقل من نسبة من صوت من كبار العمر. الشباب اقل اهتماماً بالسياسة والمشاركة في الانتخابات والاستفتاءات وهذا ترك مجالاً اوسع لنسبة الرافضين كي تتقدم على حساب الرأي العام. فور إعلان النتيجة برزت اصوات عديدة تقول إنه ليس من الإنصاف ان يقرر كبار السن مستقبل بريطانيا التي سيعيش فيها صغار السن فترات زمنية اطول، وليس من حقهم ان يقرروا مصير الاجيال الشابة وطبيعة علاقتهم بأوروبا.
الملاحظة الرابعة تتعلق بالكيان البريطاني نفسه والذي تعرض الى تحد كبير من قبل اسكتلندا العام الماضي عندما صوت الاسكتلنديون على البقاء ضمن المملكة المتحدة او الانفصال عنها، وفاز المطالبون بالبقاء. اليوم وفور اعلان النتيجة عادت لغة الانفصال الاسكتلندي للبروز واطروحتها الاساسية انه لا معنى للبقاء مع بريطانيا المعزولة عن اوروبا. علاقات اسكتلندا مع الاتحاد الاوروبي قوية ووثيقة ومدنها تعتبر مدنا اوروبية كما هي بريطانية. الانفصال عن اوروبا سوف يقود إلى انفصال اسكتلندا وتفكك بريطانيا كمملكة فدرالية. وعلى غرار اسكتلندا وفي يوم اعلان النتائج ايضا برزت اصوات من ايرلندا الشمالية تتساءل ايضا عن جدوى البقاء مع بريطانيا والتضحية باوروبا. وحتى جبل طارق التابع للتاج البريطاني يتعرض الآن لمطالبات اسبانية من اجل ضمه لأسبانيا بعد التصويت. يُضاف إلى ذلك كله ان موقع بريطانيا في سلم القوى العالمية ينهار بشكل متسارع اذا اندفعت هذه الانهيارات الجزئية وراء بعضها البعض. هذه التحديات التي سوف تتسارع في الاشهر القادمة وتطرح نفسها بقوة في المشهد السياسي سوف تدفع كثيرا من القوى والاحزاب وكذلك الرأي العام للتفكير مرة ثانية بالأكلاف الكبيرة للانفصال عن اوروبا، وتدفعها لإعادة النظر في الموضوع برمته.
الملاحظة الخامسة اقتصادية وهذه لوحدها تحتاج الى مقالة منفصلة. الانفصال يعني حرمان اقتصاد بريطانيا من السوق الاوروبية المشتركة وهي السوق التي تستوعب اكثر من 80% من حركة التجارة والتبادلات المالية. سوف ترتفع في وجه بريطانيا كل التعرفات الجمركية التي ترفع في وجه البلدان غير الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، وهذا بحد ذاته سوف يحبط الاقتصاد البريطاني ويؤثر فيه سلبا. طبعا هناك تحليلات تقول العكس لكن مجمل الرأي الاقتصادي للخبراء والمتابعين يرون منعكسات سلبية وربما قاتلة على الاقتصاد البريطاني والبطالة وقوة الجنية الاسترليني.
الملاحظة السادسة عامة، وهي ان النقمة على الاتحاد الاوروبي المدفوعة بشعبوية فائقة عرفت وقامت بتعريف اجندة واضحة وقصيرة المدى وهي الخروج من الاتحاد، لكنها لم تعرف للآن وعاجزة عن توضيح خريطة طريق آمنة للمستقبل. عدم الوضوح هذا والتخوف العميق الذي بدأ من اليوم يتكرس في بريطانيا قد يدفع فعلا في إعادة النظر في كل هذا المسار الفجائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في