الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر

بدر الدين شنن

2016 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن تكرس الحكم الأحادي بالبلاد ، قبل نصف قرن ونيف ، وحل زمن فاقد لشروط التطور والتحول للحاق بمجتمعات تجاوزت أسوار التخلف ومصائبه ، لم تعرف سوريا كيف يمكن الانتقال ، إلى زمن بديل ، تتوفر فيه كل الشروط الأساسية المساعدة على النمو .. والتكافل ، والتوصل عبر إبداع آليات سياسية ديمقراطية جماهيرية ، إلى مجتمع تحكمه قيم وقرارات الجماعة المتحررة .
ما أدى بالبلاد إلى تباطؤ النمو .. وإلى الضعف ، والوقوع بأخطاء وخطايا ، أوجدت توترات وردود أفعال متبادلة ، استغلت نتائجها الموجعة ، من قبل الخارج ذريعة ، لاستلاب البلاد ، ووضع الجميع تحت الهيمنة ، والعبث بمصير ووجود الوطن .

وقد شكل ذلك خلفية لمسار الطبقة السياسية ، اتسم بالتخبط وعدم وضوح الرؤيا والسمت ، والوقوع بانحرافات بائسة ، سياسية وفكرية ، نتج عنها سلسلة من الصدامات المسلحة الفاشلة ، التي تورطت فيها قوى من المعارضة ، في النصف الثاني من القرن الماضي ـ لانتزاع السلطة ، قابلها الحكم بإحكام قبضته على السلطة بمزيد من القوة ، وبذلك انتفت موضوعياً أساليب المعارضة السياسية ، وتداول السلطة ديمقراطياً ، ولم يبق للمعارضات سوى التعبير عن وجودها المادي ، من خلال صحف وبيانات ، الأكثر اهتماماً بها هم المنتمون إليها .

بعد حرب تشرين 1973 ، دخلت استحقاقات المفاوضات ، والاتفاقات ، حول شروط فك الاشتباك مع العدو الإسرائيلي على المعادلة السياسية .. سلطة ومعارضة .. ، ودخل الخارج بكل ثقله لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط . وصارت حركة وتفاصيل السلطة ، تحت مراقبته ومتابعته ، ومدعاة تدخله ، من خلال قوى داخلية لها طموحات متقاطعة مع مخططاته .
وكان الهدف الأول في هذا الصدد ، هو جر سوريا إلى اتفاقية سلام وتطبيع مع إسرائيل ، شبيهة باتفاقية " كامب ديفيد " ، بين مصر وإسرائيل .
ومن أجل هذا الهدف ، وإزاء تمنع الحكم في سوريا ، عن القبول بمثل هذه الاتفاقية ، تم تفجير أحداث الثمانينات في سوريا ( 1980 - 1983 ) ، بدعم غربي ، وسعودي ، وأردني ، وعراقي مباشر . وقد أدى هذا التفجير الذي نظمه " الأخوان المسلمون تحت عنوان الطليعة المقاتلة " ، إلى مرحلة قمع واسعة ، وإلى إلغاء أي هامش مهما كان تافهاً ، لممارسة السياسة ، المنفصلة عن فضاء السلطة ، وإلى غياب أية مبادرة مبدعة من المعارضة ، غير المتورطة بلعبة الخارج والإخوان المسلمين الدامية ، لإحياء سلمي متدرج للسياسة .. دام نحو عشرين عاماً .

وبتشجع مبرمج من قبل قوى خارجية ، نما لدى المعارضة عموماً ، في أوائل العشرية الأولى من القرن الحالي ، التوجه إلى الخارج ، والاستفادة من إمكانياته السياسية والإعلامية ، في تعزيز قدراتها ، وإيصال صوتها إلى الداخل والعالم على نطاق واسع ، كقوى معارضة تبحث عن بديل للنظام القائم
وقد قدم الخارج لهذه المعارضة المساعدة ، في تدريبها على مماسة سياسة معارضة ، مغلفة بعدعوات ، حقوقية ، وإنسانية ، وثقافية ، ومدنية . وانتشرت لجا ن الدفاع عن حقوق الإنسان ، ولجان المجتمع المجني ، والمنتديات الاجتماعية ، والثقافية ، المستقلة عن مؤسسات السلطة .
واستضافت الفضائيات التلفزيونية ، والصحافة الغربية والعربية ، بكثرة متواترة ، شخصيات الأنشطة الجديدة ، وخاصة ذات التاريخ السياسي المتميز . ما أدى إلى بروز الكثير من النخب السياسية والثقافية ، الواثقة بالخارج وشراكته في الهم السوري .

لكن لعنة العلاقة مع الخارج ، لاسيما المعادي للبلاد ، ، واستحقاقاتها الداخلية والخارجية ، فرضت اللعب حسب مخططات الخارج ، المتعلقة بسوريا والشرق الأوسط أولاً . أي أن على قيادات التحرك المعارض المدعومة من الخارج ، إلحاق ما تريد تحقيقه في سوريا ، مع ما يريده الخارج من متغيرات في سوريا والمنطقة . ، التي تقودها منظومته الدولية ـ الشرق أوسطية ، بما فيها إسرائيل .
وقد لعبت " اتفاقية " وادي عربة " بين الأردن وإسرائيل . و" اتفاقية أوسلو " بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، إضافة " لاتفاقية كامب ديفيد " المصرية الإسرائيلية قبلها ، لعبت دوراً محفزاً لمعظم المعارضة السورية ، على الانضمام ، بشكل أو بآ خر ، لتلك المنظومة .

وبات قادة معارضون يتفهمون ، على خلفية عدائهم وحقدهم الثأري للحكم القائم ، أن من الموضوعية والمصلحة الشرق أوسطية ، أن تكون إسرائيل حاضرة ، في هذه المنظومة ، وأن لا تنفصل عن مخططات وأهداف الخارج في المنطقة ، وأن إسرائيل هي جسر أي تفاهم أو تحالف مع الخارج . لذا كان عليهم الحصول على بطاقة مرور من إسرائيل . وذلك بوقف الخطاب العدائي لإسرائيل ، والسكوت على حروبها وجرائمها ، ضد وطنهم ، وضد أشقائهم في بلدان عربية أخرى . بمعنى أن المعارضة عملت ومازالت ، على أن تكون على علاقة عضوية مع منظومة الخارج ، التي تجمعها وإسرائيل ضمن الإطار العام .

لذلك صارت مواقف ، وطروحات المعارضة " المعادية للحكم " و" المتصالحة " مع إسرائيل والخارج المعادي ، صارت " وجهات نظر " مقبولة ومفهومة ، لدى أوساط عربية تقاربها في الرأي والهدف . وشكلت خلفية زيارة " فريد الغاد ري " ثم زيارة " كمال لبواني لإسرائيل .. كبلد صديق مؤهل لتقديم " الدعم " للمعارضة .. وللشعب السوري .
وقد كشفت " خديعة الربيع العربي" وثوراته المزيفة ، وقياداته الخليجية الرجعية والتركية والغربية العنصرية المعادية ، كشفت الكثير مما يجمع ، نخب من المعارضات السورية ، المرتبطة بالخارج ، مع إسرائيل . بل والمرتبط بها علناً ، من خلال دعم إسرائيل للمسلحين الإرهابيين ، المتواجدين قرب حدودها مع سوريا ، وإعلانها على الملأ ، أنها قصفت مواقع سورية ، زعمت أنها قصفت مواقع إسرائيلية ، أو أنها دمرت آليات تزعم أنها تنقل سلاحا سورياً لحزب الله . ويشارك عدد من ضباطها ، كخبراء ومدربين للمسلحين السوريين والأجانب ، في تركيا والأردن ، ويشاركون في غرف عمليات معادية لسوريا ، مع ضباط أميركيين وبريطانيين وسعوديين وسوريين منشقين ، فضلاً عن الإسعافات والرعاية الصحية التي تقدمها ، للمصابين من جبهة النصرة والجيش الحر .. وغيره .

من هنا ، جاء ادعاء " محمد زيتون " الإسرائيلي الأصل والموطن ، أنه ممثل للجيش الحر والمعارضة السورية ، في مؤتمر " هرتسليا " الأخير في إسرائيل ، في هذا المناخ الموبوء ، بالانحطاط ، والخيانة ، والعمالة . وفي هذا السياق يحق القول ، أن كل من يشارك من الضباط والسياسيين العرب الإسرائيليين ، في الأنشطة العسكرية والسياسية المعادية لسوريا ، ولمن يتصدى للإرهاب الدولي ، وللمقاومة ، ويقبل التطبيع مع المشروع الصهيوني في فلسطين والوطن العربي ، هو إسرايئلي الولاء وإسرائيلي الفعل ، ولا يختلف عن فريد الغاد ري وكمال لبواني ومحمد زيتون بشيء .. بل وأسوأ منهم .

لعنة الخيانة ينبغي أن تنصب ، على أنور السادات ، والملك حسين ، ومحمود عباس ، الذين بنوا جسور مرور وتمدد إسرائيل ، كياناً ، وسياسة ، ومصالح ، إلى الوطن العربي ، وأن تنصب على الأنظمة العربية ، التي تواصل علاقاتها مع لإسرائيل في السر والعلن ، وأرذل ما فعلته في هذ السياق ، هو تصويت أربع دول عربية لإسرائيل لتترأس إحدى هيئات الأمم المتحدة .

ومن أنور السادات الذي وقع معادة " كامب ديفيد " إلى الملك حسين الذي وقع " اتفاقية وادي عربة " إلى محمود عباس الذي وقع " اتفاقية أوسلو " ، إلى فريد الغاد ري الأميركي ، الذي ذهب لإسرائيل كممثل للمعارضة (2007 ) وكمال لبواني اليساري الماركسي المرتد ، الذي زار إسرائيل كممثل للائتلاف السوري المعارض ( 2014 ـ 2016 ) . إلى محمد زيتون الذي حضر مؤتمر هرتسليا باسم المعارضة والجيش الحر ، إلى جبهة النصرة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية ، هي سلسلة من الخيانة متواصلة ، وستستمر ، في زمن الحرب وما بعدها ، إن لم تحطم حدود التجزئة العربية ، التي مزقنا بها الخارج ، والعودة إلى إحياء المشروع القومي العربي ، وبناء جبهة وطنية ديمقراطية مقاتلة ، تجمع المناضلين السوريين ، على هدف تحرير الوطن من الإرهاب ، والتخلف ، والخواء السياسي والفكري ، الذي يفتك بنا منذ قرون ، ويولد منحرفين ، ومغامرين ، وخونة ، وذلك دون انتظار نتائج حركة المفاوضات السلحفاتية ، التي تزحف وراء سراب الحل السياسي . وحينها لن يكون هناك مجال لتسمية الخيانة وجهة نظر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا