الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معطوب لوناس-ناظم حكمت الأمة الجزائرية-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 6 / 25
الادب والفن


معطوب لوناس
- ناظم حكمت الأمة الجزائرية-

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



تحل كل 25جوان من كل عام ذكرى إغتيال الفنان الجزائري معطوب لوناس الذي قتلته أيدي الإرهاب في عام 1998، فأنتفضت منطقة القبائل ومناطق أخرى غضبا على هذا الإغتيال الجبان، لكن ما يؤسف له، لم يفهم الكثير لماذا تلك الغضبة بسبب الجهل المركب والمقدس الذي غرس في الجزائر أين يجهل البعض من الجزائريين جزء من ثقافة بلادهم وأمتهم المعبر عنها بالأمازيغية بكل ألسنتها سواء قبايلية أو شاوية وترقية ومزابية وغيرها، ضف إلى ذلك التشويه الممارس ضد هذه التعابير الثقافية من العروبيين أي ذوي الأيديولوجية القومية العربية وبعض الإسلاميين بفعل سيطرتهم على المدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام، ولهذا يستحيل مثلا أن تنشر لك صحيفة معربة في الجزائر مقالة مثل هذه المقالة عن معطوب لوناس، فالبعض من هذه الوسائل الإعلامية يكمن دورها في مساعدة النظام في تجهيل الشعب وضرب الجزائريين بعضهم ببعض في إطار فرق تسد الذي يمارسه هذا النظام، فهو لايختلف في ذلك عن النظام الإستعماري، وهناك أقلية من هذه الوسائل الإعلامية ليست ضد هذه المقالات، بل بالعكس، لكنها تخشى من الغوغاء وفقدان مقروئيتها، وكذلك الإشهارات التي تتحكم فيها السلطة التي ترغب في إبقاء الشعب جاهلا يشتم بعضه بعضا، كي يسهل عليها إستغلاله، وعندما نقول عناصر من هذه السلطة، فأجمع فيهم سواء الناطقين بالأمازيغية أو العربية ومن كل المناطق، فما يهم هؤلاء هو جيوبهم وبقائهم في السلطة لاغير.
وما يستغربه البعض أيضا أن البعض من أبناء الجزائر يعتقدون أن الفنان معطوب لوناس مختص في أغاني الهوى والحب مثل الكثير من الفنانين في منطقتنا، بل هناك من يربطه بالمفهوم الهابط للفن والغناء المنتشر عندنا، فيقارنونه بهؤلاء، ولو أني لست ضد الفن مهما كان، بل بالعكس فهو أداة لمواجهة الإرهاب، لأننا نعتقد أن العداء للفنون جاء بتدبير من علماء نفس، ويستهدفون بمنعه توفير إنسان كئيب وعديم المشاعر الإنسانية مما يسهل تجنيده من الجماعات الإرهابية، فهناك من يغني لمشاعر عاطفية بأسلوب راق أو هابط حسب مفهومهم، لكن معطوب ليس من هؤلاء ولا هؤلاء، فهو فنان ملتزم كرس فنه لثلاث قضايا وهي: معارضة السلطة والنظام الإستبدادي والدفاع عن الحريات والعدالة الإجتماعية، وكذلك فضح الإسلامويين الذين يعتبرهم حلفاء موضوعيين للنظام، إضافة إلى دفاعه عن الهوية الجزائرية الحقيقية وليست المستوردة، وذلك بكل مكوناتها، ومنها البعد الأمازيغي الذي لم يجد مكانته في أرضه ووطنه.
يعد معطوب لوناس مثقفا بأتم معنى الكلمة، فهو مثل ناظم حكمت بالنسبة للأتراك، ففي الوقت الذي يؤثر فيها بعض أئمة وخطباء المساجد الممارسين للسياسة بالدين في الكثير من الجزائريين في الثمانينيات والتسعينيات، مما أدى إلى إنتصار الفيس في الإنتخابات وما أنجر عن ذلك من إرهاب بسبب خطاب عنيف مكفر لكل من يعارضهم، خاصة المثقفين، ففي تلك الفترة كان معطوب يفضحهم، ويحذر من خطورتهم على الجزائر، قائلا في إحدى أغانيه أنهم يتسللون بصمت في كل دواليب الدولة، لينتهوا بتقويض وتدمير الجزائر التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء، وكان يحذر آنذاك من أنهم إذا أخذوا السلطة سيمحون كل شهداء الثورة، ويستبدلونهم بآخرين لاعلاقة لهم بالأمة الجزائرية، كما كان يفضح النظام الذي يوظف هؤلاء الإسلامويين لخدمة مصالحه، ومعروف معطوب بأغانيه التي تنبذ الكراهية، وتدعوا إلى التسامح وتقديس الحريات بكل أشكالها دون أي تمييز، كما كان صوت الفقراء والمضطهدين والمستضغفين دون أي تمييز بين جزائري ناطق بالعربية أو الأمازيعيبة، وهو الذي يردد في أغانيه عدة مرات موجها كلامه للجزائري "لا يهمني بأي لسان تحدثني-أي أمازيغية أو عربية-، بل أريدك فقط أن تكون جزائريا فحلا في كل شيء"، وهو الذي يتأسف لإقصاء أبناء الأرياف من السلطة والثروة، بالرغم أن الثورة الجزائرية هي ثورة ريفية، ويرى أن الذين لم يضحوا أثناء ثورة التحرير ضد الإستعمار هم المستفيدون من ثمرات إسترجاع الجزائر إستقلالها، وعندما تسمع بعض أغانيه تشعر كأن فرانز فانون هو الذي يتكلم.
أنتقد معطوب لوناس كل النخب السياسية في الجزائر، وكل رؤساء البلاد بإستثناء الشهيد محمد بوضياف الذي غنى عنه أغنية تقشعر لها الأبدان، وكان يراه فرضة الجزائر التي ضاعت، ولم يكن موقفه هذا إلا بسبب أنه يرى أن الجزائر أستولى عليها في 1962 أناس كانوا بعيدين عن الكفاح التحرري، وليس لهم أي دور كبير في تحرير الجزائر، ويقول أن هؤلاء يتحكمون اليوم في مفاتيح البلاد، وكلما جاء أحد لبنائها شوههوه وقتلوهن ويرى أن هذه المفاتيح التي في أيديهم لن يعطوها للشعب إلا بعد تحطيم وتدمير الجزائر كلها، وكأنه يتنبأ بما يحدث اليوم، فقد غنى معطوب لوناس وقدس شهداء وأبطال الثورة التحريرية، فغنى عن بن مهيدي وبن بولعيد وعميروش وعبان وكريم بلقاسم وغيرهم، فله شريط من مجموعة أغان، يلخص فيها بأسلوب غنائي وشاعري تاريخ الأمة الجزائرية، وكيف حطمت الإستعمارات التي مرت على بلاده أمته الجزائر، وتركت إنعكاسات كارثية إنطلاقا من الإستعمار الروماني حتى الفرنسي، فإن العين لاتدمع عندما يصور في هذا الشريط جرائم الإستعمار الفرنسي في كل مناطق الجزائر، وعندما أسمعها أتساءل لما لانسمع أغان كهذه في قنواتنا في الجزائر المعبرة بصدق عن وطنية جزائرية حقيقية، وليست مصطنعة، لكن حكام الجزائر يفضلون أناشيد وأغان مصطنعة لوردة الجزائرية وغيرها التي أخذت أموالا ضخمة مقابلها.
إننا نعذر الذين يجهلون معطوب لوناس بسبب سياسات فرق تسد تمارس في الجزائر منذ العهد الإستعماري الفرنسي، وتواصلت بعد1962، كما تعرض للتشويه مثل الكثير من الوطنيين خوفا من إنتشار وعي شعبي، ونعلم أن هؤلاء الذين يجهلونه مساكين وضحايا الأدوات الأيديولوجية للنظام وحلفائه من العروبيين والإسلامويين، ولعل هؤلاء لايعلمون أن الكثير من الجزائريين تعلموا الوطنية بواسطة أغانية، ولعل لا يعلمون أن الوعي السياسي الكبير المنتشر في بعض مناطق البلاد تعود إلى أغانيه، التي كانت تسمع وتردد في سيارات الأجرة والحافلات، ونشير أن الطابع الغنائي لمعطوب لوناس هو الشعبي الذي طوره، وهو متأثر بفنان شعبي معروف في الجزائر، وهو الحاج محمد العنقا، وأكاد أجزم أنه لو كان كبيرا في السن في العهد الإستعماري، لكان في طليعة الرجال المتمردين والثائرين عليه، لكن رغم صغره الشديد كان يحتك بالمجاهدين في منطقته، عندما يأتون إلى قريته وبيت عائلته التي اعطت عددا كبيرا من الشهداء اثناء الثورة التحريرية، فقد روي ان معطوب كان حتى يتحسس بنادقهم وسلاحهم، فقد عرف بالتمرد منذ صغره.
ولعل لايعلم مشوهوه أن معطوب لوناس كان مصرا على العيش في الجزائر في التسعينيات وقت هرب الكثير إلى الخارج من الإرهاب الهمجي، وكأنه كان يعلم أنه سيغتال، فأوصى بأن يدفن كشهيد، وتلف جثته بالعلم الوطني الذي ضحى من أجله أبائه في كل مناطق الأرض الجزائرية التي كان يقدسها حتى النخاع، فكم كان يردد في أغانيه أن جبال جرجرة تنادي على جبال الأوراس، بحكم أنهما كانتا أهم معاقل الثورة التحريرية ضد الإستعمار الفرنسي، وأن فرنسا الإستعمارية فرضت حالة الحصار عليهما فقط في1955 قبل تعميمها إلى كل مناطق الجزائر فيما بعد، لكن معطوب يرى أنهما رغم ذلك فهما من المناطق الأكثر تعرضا للتهميش الثقافي والإقتصادي في جزائر ما بعد إسترجاع الإستقلال في1962، لكنه لاينفي أن كل الجزائريين لهم نفس المشاكل، ويضربون بنفس العصا تلميحا منه إلى النظام الحاكم المستبد والإستغلالي للجزائريين كلهم سواء كانوا ناطقين بالعربية أو الأمازيغية.
نعتقد أن ترجمة أغاني معطوب لوناس وغنائها باللسان العربي في جزائر اليوم أصبح أكثر من مطلب ملح، لأن ذلك سيلعب دورا كبيرا في نشر الوعي السياسي وتمتين لحمة الجزائريين والحد من سياسة فرق تسد التي تمارس ضدهم بنفس الأساليب الإستعمارية الفرنسية.

البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1


.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر




.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان