الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التّدَاعِيَاتُ المُحْتَمَلَة عَلَى وَحْدَةِ أُورُوبَّا بَعْدَ الْاِنْسِحَابِ الْبِرِيطَانِي

خالد التاج
(Khalid Ettaj)

2016 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا حدث ما كان قد حذر منه العديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم رئيس مجلس الاتحاد دونالد توسك (Donald Tusk) أو رئيس المفوضية الأوروبية أو وزير الخارجية الألماني أو المستشارة أنجيلا مركل، أو الرئيس الفرنسي، أو حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث حسم الشعب البريطاني أخيراً خياره من خلال استفتاء تاريخي قام بتنظيمه رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كامرون في 23 من يونيو حزيران المنصرم، إذ قرر البريطانيون من خلاله الانسحاب التام من الاتحاد الأوروبي. غير أن هذا الطلاق بين الطرفين لا يمكن أن يمر بسلاسة أو دونما تداعيات على فكرة أوربا الموحدة كما يمكن أن يظن البعض.
وقد بدأت المؤشرات الأولى لهذه التداعيات فعليا وبشكل سريع من خلال مطالبة زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا بإجراء استفتاء شعبي (Frexit)على غرار نظيره في بريطانيا حول البقاء أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كما بدأت ترتفع نفس الأصوات المشككة في جدوى الاتحاد ومدى قابليته للاستمرار من هولاندا من خلال الزعيم اليميني المناوئ للهجرة "خيرت فيلدرز" (Geert Wilders) أو رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" المنادي بضرورة الاستماع لصوت الشعوب واحترام خياراتها، كما لابد من الإشارة في ذات السياق إلى مطالبة رئيسة الوزراء الإسكتلندية بضرورة إجراء استفتاء ثاني في بلادها حول البقاء ضمن المملكة المتحدة أو الانفصال عنها مع الإعلان عن نية بلادها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فضلا عن مطالبة إسبانيا بتقاسم السيادة على جبل طارق مع بريطانيا، ينضاف إلى ذلك تلويح تركيا بإجراء استفتاء داخلي حول الاستمرار في مفاوضات الانضمام أو الانسحاب من هذا الماراتون التفاوضي الطويل، يأتي ذلك بالتزامن مع اتهامات الرئيس أردوغان لشركائه الأوربيين بعدم احترام الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين لا سيما منها ذات الصلة بتأشيرات دخول الأتراك إلى المجال الأوروبي .
فالاستفتاء "التاريخي" الذي أثار الكثير من الجدل ولازال، جاء ليكشف من جديد، أن الاتحاد الأوروبي يمر هذه الأيام من أصعب فتراته وأكثرها حساسية منذ تأسيس لبنته الأولى في 18 أبريل/ نيسان 1951، بالنظر لتراكم جملة من العوامل والمؤثرات التي أضحت تؤرق كبار قادته وتهدد بتقويض هذا الحلم النموذجي الذي لطالما راود شعوب أوربا ونخبها، منذرا بانقسام حاد في المواقف بين شرق أوربا وغربها.
غير أن أكثر هذه العوامل خطورة يظل ملف الهجرة والنازحين، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وصعود التيارات اليمينية الشعبوية والأحزاب القومية، والنزوع المتنامي إلى تبني سياسات أكثر انغلاقا وحمائية، وغلق الحدود في وجه اللاجئين و المهاجرين ضدًّا على المبادئ و الفلسفة التي تأسس عليها الاتحاد، فضلا عن مشاكل فضاء شنغن (Schengen) ومنطقة اليورو و الإرهاب ، والتباين الحاد في الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء الذي يصل حد التناقض أحيانا، لا سيما بين دول شرق أوروبا وبين غربها، وتنافسية اليد العاملة الأوروبية الشرقية مقارنة مع نظيرتها الغربية، و أزمة الأوروبي و تعتبرها بمثابة أسباب مباشرة لكافة المشاكل الاقتصادية.
هذا الواقع لن يزيد على ما يبدو الوضع الأوروبي إلا تعقيدا وضبابية، كما لن يزيد بناءه الجامع إلا تآكلا وتداعيا كقطع الدومينو، إن لم يتم القيام بسلسة إصلاحات هيكلية وقانونية على بنية الاتحاد والتخفيف من قيوده البيروقراطية، الشيء الذي يبدو أكثر استعجالا، بغية الحد من حمى التشكيك في جدوى الاتحاد والمطالب المتزايدة بالانسحاب أو الإنفصال.
هذا الوضع الدقيق والغير مسبوق الذي يمر منه الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يمر دون أن يرخي بظلاله أيضا على علاقة الثقة بين دول حلف الشمال الأطلسي سواء بطريقة أو بأخرى، سيما في ظل المخاطر الأمنية المحدقة بدول الاتحاد، خصوصا وأن الأمر يجري في سياق حالة رصد وتقييم لهذه الظرفية من قبل الغريم الروسي الذي يبدو مبدئيا المستفيد الأكبر من هذا الوضع الحساس ، مع أخذنا بالاعتبار أن الاتحاد الأوروبي الذي فقد للتو عضوا دائما ثانيا في مجلس الأمن بعد فرنسا، وقوة عسكرية و اقتصادية هي الخامسة عالميا، والمنهمك الآن في ترميم بيته الداخلي و استيعاب هول الصدمة الناجمة عن هذا الانسحاب، متورط في فرض وتجديد عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا قد تسببت في خسائر فادحة على اقتصادها على خلفية الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم، و في ظل تزايد المخاوف من التلويح باستعمال سلاح الطاقة الروسي أو تكرار نفس سيناريو القرم في دول البلطيق الثلاث (إستونيا و لاتفيا و لتوانيا)، و في ظل احتمالية تقارب تركي-روسي وشيك قد يتجاوز أزمة إسقاط طائرة سوخوي الروسية العام الماضي وحالة "الجفاء" الناجم عنها، و في ظل حالة الضعف والسلبية التي أبدتها إدارة أوباما (الحليف الاستراتيجي لأوروبا) في التعاطي مع كثير من الملفات وبؤر التوتر عبر العالم و على رأسها أوكرانيا والصراع السوري في الوقت الذي أبدت فيه روسيا مواقف متصلبة وما يمكن أن ينجم عن ذلك من حالة التشكيك في قدرتها على الالتزام بالدفاع عن حلفاءها داخل الحلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة