الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد فلم: -فضل الليل على النهار/ Ce que le jour doit à la nuit- حين يبوح ياسمينة خضرة ب: -أحاسيس- الإنسان ... ويكسر الطابوهات؟

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2016 / 6 / 28
الصحافة والاعلام


في نقد فلم: "فضل الليل على النهار/ Ce que le jour doit à la nuit"
حين يبوح ياسمينة خضرة بـ: "أحاسيس" الإنسان ... ويكسر الطابوهات؟
الناقد الجزائريّ: د/ عصام بن الشيخ
28/06/2016
***********************************************

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني - وأشمت بي من كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركنتي - لهم غرضا أرمى وأنت سليم
فلو كان قول يكلم الجسد قد بدا - بجسمي من قول الوشاة كلوم
الدمينة ابن إمرأة أميمة
بهذه الأبيات الجميلة، أحيطت أجمل اللحظات التي رافقت حياة ذلك الجزائريّ البائس، الذي كتب على جبينه أن "يعيش وحيدا" و "يموت وحيدا"..، فقد أمه وأخته وكلّ من يحبّ، وفقد ايميلي،...، طفل بريء لم يختر مصيره، جوناص أو يونس، هكذا تصوّره الروائيّ الجزائريّ الأجمل، الأديب الذي تحوّل إلى أفضل روائيّ عربيّ في الغرب بعد نجاح روايته الأولى "الصدمة"، عن حياة الإنسان الفلسطينيّ بسبب سياسات المحتلّ الصهيونيّ، ثم "سنونوات كابول" عن أفغانستان و"صفارات بغداد" عن العراق، ثم "رواية الليلة الأخيرة في حياة الرئيس معمر القذافي" بعد ثورة (17 يناير). إنّه محمد مولسهول المختبئ دائما وراء قناع اسم زوجته "ياسمينة، خضرة"، الروائيّ الذي ترجمت رواياته إلى أكثر من 43 لغة عالمية، وهو يطوف من الجزائر إلى فلسطين وأفغانستان والعراق وليبيا فالجزائر مرة أخرى...، انطلاقا من باريس، ليعرض تصوراته لكلّ ما تشكّل في خياله، من صور، عن حقبة تاريخية يراها الجزائريون مليئة بالآلام، ويرى فيها "الأقدام السود" نوستالجيا مليئة بالذكريات الجميلة، التي لم تدفنها تراكمات أحداث ستة عقود منذ استقلال الجزائر سنة 1962. فتشكّل الفارق بين الاثنين، في عمل نادر، يذكّر القارئ برواية الصدمة، التي تؤكّد الخروج عن المألوف في المناورات الأدبية لـ: "ياسمينة خضرة"، رواية نقلت آلام المستوطنين الكولون، كما فعل خضرة في رواية الصدمة واتهم بسببها بمحاولة التطبيع الثقافيّ مع الكيان الصهيوني، وحاول من خلالها هذا الروائيّ "المناور": "أريد أن آخذ بيد القارئ في الغرب، إلى أقرب نقطة من نفس ذلك الإنسان، الذي قرّر أن يفجّر نفسه ليعبّر عن رفضه للواقع السياسيّ المفروض، خاصة "الاحتلالّ الماديّ للأرض" و"الهيمنة المعنوية على السيادة والقرار والمصير".
حاول المخرج الفرنسيّ ألكسندر أركادي أن يعكس رواية خضرة "فضل الليل على النهار"، فقدّم رائعة سينمائية عرضت على شاشة السينما يوم (12 سبتمبر سنة 2012)، أظهرت التداخل الكبير الذي كانت تعيشه الجزائر في حقبة الاحتلال الفرنسيّ خلال الفترة (1920 - 1962)، حيث أجبرت "الميزيرية" والقهر، الإنسان الجزائريّ، على الانتفاضة والانفجار، ودفعته مجبرا للثورة والعنف المسلح واسترداد حريته بالقوة. ومن أكثر صور الإبداع التي قدّمها أركادي، عرض مشهد قصف حلف الناتو قاعدة مرسى الكبير بوهران، والتي أدّت إلى مسح بيوت الصفيح المجاورة، التي كانت تؤوي أمّ وشقيقة بطل الفلم، يونس اليتيم. إضافة إلى دقّة المخرج في نقل مشهد عن فضائع الإرهاب الكولونيّ الفرنسيّ، مقابل الصفح الغريب الذي تمّ في حقّ صديق يونس، المشارك في قتل الجزائريين الأبرياء، والسماح له بالإفلات من العقاب، والجلاء.؟؟
دمية محترقة احتفظ بها طوال حياته، لشقيقته، وآخر مشهد عالق في ذاكرته عن أمّه، التي نصحته بالهروب من "الميزيرية" والحرمان، والصورة الأشد ألما، لوالده الفلاح الذي أحرقت أرضه من قبل "القيّاد"، وتحوّل من رجل شهم، إلى عربيد غير مسؤول، انهزم أمام ابنه يونس، ودفعه للتحوّل بالقوة إلى جوناص، لتخليص ولده من المصير المشؤوم. لقد علقت تلك المشاهد ولم تختف، وعاش جوناص بهويته الجديدة، ما لم تقع عينه على دمية شقيقته، وما لم يشاهد الفلاحين يحرثون الأرض، وما لم تقابله امرأة جزائرية تلبس رداء المقاومة لالة فاطمة نسومر.
أبدع أركادي في اختيار الشخصيات، أبرزهم فؤاد آيت عطّو (من أصل مغربي) والذي لعب دور يونس، ونورا أرنزدر (والدتها يهودية مصرية) والتي لعبت دور ايملي. اختيار الممثلين ومكان التصوير، وأجواء عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، شروط ساعدت أركادي على تصوير انتقال (يونس) إلى (جوناص) على يد زوجة عمّه، الصيدليّ، المصاليّ الوطنيّ وعضو حزب الشعب الجزائريّ، وكيف دفعتة زوجة عمّه إلى ممارسة حقّ كان طول قرن من الاحتلال الفرنسيّ، حكرا على المستوطنين الكولون، ألا وهو (الحبّ). وإن كان ذلك ممكننا سرّا، فقد صوّر المخرج البارع، مشهد رفض تحوّل يونس إلى جوناص، أو ارتداء قناع مزّيف لهوية فرنسية لا يمكن لها أن تدفن "هوية العربيّ المتسخ".
كان اختيار الفنان الجزائريّ محمد فلاّق في دور الصيدليّ موفقا، حين تأكّد للمخرج حتمية اختيار ممثل جزائريّ مخضرم عاش تلك الحقبة التاريخية الهامة، ويمكن له أن يعيد تمثيل مشهد تلقين يونس، وتصوير حيثيات ما لا يمكن للأيام أن تمحوه بعد تحول يونس إلى جوناص.. فاختار أركادي صورة المرأة الثائرة "لالة فاطمة نسومر"، في عدّة مشاهد (صورة بمكتب العمّ، وفاة العمّ، ثمّ مقام لالة فاطمة)، وكان موفقا.
بحقيبة مليئة بالرسائل، من وهران إلى الجزائر العاصمة، احتفظ يونس برسائل أصدقائه، واحتفظت الحقائب بالأشباح، إنّ كلّ شخصية في رواية خضرة، صديقة وعدوّ لجوناص في وقت واحد، فكلّ واحدة أحبذت وكرهت يونس الإنسان، وكرهت جوناص الإنسان أيضا، لقد أبدع خضرة في ربط بحث الحبّ عن يونس، وسعي جوناص لممارسة الحبّ، وكيف انتهت إيميلي إلى إيجاد يونس، وكيف يبعد جوناص إيميلي لأنّه أطاع هواه في ممارسة الجنس مع والدة إيميلي. عقدة لم تحلّ، قتلت جوناص قبل وفاة ايميلي.
فرضت تحولات الثورة الجزائرية (أول نوفمبر 1954) تحوّل جوناص إلى يونس، اختبرت أمّه وكان لها موقف وطنيذ أكثر رسوخا منه في دعم الثوّار، لكنّها بكت أمام المصير المحتوم، إذ يتوجب على جميع الفرنسيين الكولون أن يتموا إجراءات الجلاء، وأن يعودوا إلى فرنسا عبر البحر، لا رعايا أجانب على الأرض الجزائرية المستقلة، التي لم يتبقى على أرضها من بين جميع أبطال الرواية، سوى يونس.
الحقيقة، أبدع المخرج أركادي في نقل مشاهد الرواية، فـ: "فضل الليل على النهار" تصوير لابتعاد يونس عن جوناص، والعكس. لم تصقل المدنية والقيم الحداثية الفرنسية "شخصية يونس"، ولم تفرض قيم يونس كوابح أو موانع لإبعاد جوناص عن الحبّ و الصداقة أو طلب العلم و الكفاح. إنهما شخصان في واحد، فرنسيّ بقلب جزائريّ، فقد كلّ من أحبّه، يتعقّبه البؤس، فإن هو تخلّص منه ماديّا بوصفه هاجس والديه، فقد لاحقه في هدم ذاته إلى الأبد.
لقد أوصل ياسمينة خضرة برواية وفلم (فضل الليل على النهار) كلمته للفرنسيين، وقام بمواساتهم في ما فقدوه من ذكريات لتلك الحقبة الجميلة -بالنسبة لهم-، لكنه دافع في المقابل عن حقّ الجزائريين في تقرير المصير، من خلال دفاعه عن يونس وهويته وجذوره. لكن، ربما نجد بمقارنة سريعة، أنّ رواية الصدمة مماثلة إنسانيا لهذه الرواية، لولا اختلاف المسألتين الفلسطينية والجزائرية في النموذج والتفاصيل، الإنسان هو هو، هويته الجديدة وأصله الملغى، مشاعر مصطنعة تحلّ محلّ المشاعر الأصيلة غير القابلة للدفن.
رابط الفلم:
https://www.youtube.com/watch?v=Z-KrZuUBQCQ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟