الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعركة ... بالألف واللام

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2016 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


المعركة... بالألف واللام !


خمس سنوات طويلة مريرة مرت على انطلاقة المحرقة السورية ومازالت الأرض تلتهب والدماء تسيل. خمس سنوات وما زالت المعارك مستمرة في كل مكان وعلى كل ساح من ساحات الوطن السوري المعذب.
بداية الأحداث اتسمت بوضوح قوي نسبيا ً في الرؤية لدى الشعب السوري بشيبه وشبابه وذكوره وإناثه. كان هناك ظلم واضح المعالم لا بد من وضع حد له. هناك سلطة غاشمة انتهكت الكرامات والحريات والملكيات (1) كان لا بد من إزالتها. لقد انعكس هذا الوضوح على شكل التفاف جماهيري شامل عظيم لم تشهد له سوريا مثيلا ً من قبل. كان هذا الحماس الوطني الجميل الهادر عابرا ً للطوائف والمناطق والأرياف والمدن والطبقات الاجتماعية.
الطرفان النقيضان المتصارعان كانا النظام القاتل الظلوم الذي لا يتوانى عن سحق جماجم الناس للبقاء على عرشه، والمعارضة المدنية السلمية المطالبة بحقوقها المسلوبة وكرامتها المسحوقة تحت قعقعة السلاح وجعجعة خطابات المقاومة والصمود الكاذب والتصدي المسرحية. كانت هذه هي صفات المعركة... فالتف حولها الشعب السوري في الداخل والخارج، وتعاطفت معها شعوب العالم بأسره.
شيئاً فشيئاً بدأ هذا الوضوح بالتلاشي (2). أخذت الأمور تتعقد بتسارع بطيء نازف مؤلم مُمض ومدروس بدقة من قبل من يعرف كيف يحرك ويسيطر على مشاعر الناس ومصائرها. ثم وما أن وهنت قبضة رعب النظام السوري حتى ظهر الهول الحقيقي الكامن تحت قشرة السيطرة الأمنية. خفت سطوة الدولة القامعة الضابطة، فظهرت القوى الحقيقية المتمكنة والمتجذرة في عقول الناس. ظهرت القوى والتقسيمات المجتمعية العرقية والطائفية التي طالما أهملها النظام السوري عن عمد... لا بل وتناغم معها وتلاعب بها وأفادها واستفاد منها بغية تبرير وتكريس عنفه وممارساته السادية في المعتقلات وكهوف التحقيق. أدى كل ذلك لانفكاك السوريين بغالبيتهم الحقيقية عن الثورة ورفض شعوب العالم لها وحتى لمنحها اسم الثورة ... فبات اسمها في كل وكالات الأنباء... الحرب الأهلية السورية.
اليوم، وبعد كل هذا الدمار، أستطيع أن أقول إن الوضوح عاد ليأخذ مكانه الذي يليق به. لقد بات واضحا ً أن المعركة الدائرة اليوم ليست ـ في حقيقتها وجوهرها ـ بين النظام العسكري الأمني، من جهة، والجماعات المسلحة والإرهاب، من جهة ثانية. بل هي معركة المقاومة الشعبية المدنية المطلبية المحقة العادلة التي قمعها وسحقها وما يزال كلٌّ من الطرفين المذكورين. إنها ذات تلك المعركة التي خاضها الأجداد في بداية القرن الماضي وربما قبل ذلك. هي معركة الحداثة والنهضة ونفض غبار عصور الانحطاط العثمانية والمملوكية السلجوقية عن الجسد السوري المنهك. أما الأطراف المتصارعة في هذه المعركة المصيرية، فهي الشعب السوري المطالب بحقوقه المشروعة للغاية من جهة، والجهات الظلامية المسلحة القاتلة بشقيها الإسلاموي والنظامي من جهة أخرى. بكلام آخر، النظام و داعش وحلفائهما من جهة، والشعب السوري المتطلع لدولة حديثة ديمقراطية علمانية، ذاتِ قانون يضع حقوق الإنسان السوري وكرامته على رأس الأولويات من جهة أخرى.
لا أدري إن كنت مضطراً لإثبات تفاصيل التحالف الاستراتيجي ووحدة الهدف في لحظة معينة بين النظام و"معارضيه" الظاهريين الدواعش(3)، لكني سأكتفي بالقول إن نقاط التقاطع بين النظام وداعش وحلفائهما واضحة، أكثر من أن تحصى وأوضح من أن يستطيع أي كان إخفاءها بدءاً بالأسلوب وانتهاء بالغايات والأهداف. لقد تشابهت الوسائل وتطابقت الأهداف لدى حلفاء الحقد والكراهية هؤلاء. لم تترك المعارضة وسيلة قتل عنفي جماعي استعلمها النظلم ضد المدنيين إلا وجربتها هي، طبعاً ضمن إمكانياتها التقنية والتعبوية! الصواريخ والسيارات المفخخة والبراميل المتفجرة ومدافع جهنم العمياء والسلاح الكيميائي. كل هذه الأسلحة، وسواها تم استعمالها من قبل النظام والمعارضة الإسلاموية ضد المدنيين. أما من حيث الغايات والنهايات... فقد كان واضحاً ومنذ البداية أن طبقة النظام الحاكمة (4) تخوض معركة بقاء تهدف من خلالها إلى تثبيت أركان حكمها إلى " أبد " جديد يستمر إلى ما بعد حافظ لتصل إلى بشار وحافظ الجديد الصغير. هدفها هو السلطة والمال. وكذا المعارضة الداعشية الإسلاموية المتطرفة الحاقدة على الآخـَر... لمجرد أنه آخـَر! فأهداف هذه المعارضة مشابهة لحد التطابق مع أهداف النظام من حيث المعنى والجوهر مع الاختلاف على صعيد الأسماء والشعارات. لم تتردد هذه المعارضة ومنذ بداية الأحداث في رفع شعارات تدعو إلى الطائفية والقتل الطائفي، وأخرى من نوع : "محمد قائدنا إلى الأبد"، و"خلافة إسلامية أو نحرق الكرة الأرضية"، وذلك في تماه تام مع منطق النظام ومنطوقاته ومدلولاته. ولن أضيف أكثر... فقد بات الوضوح سيد المواقف اليوم.
عدو هذين الحليفين اللدودين، الصديقين العدوين هو الشعب السوري المتطلع للحداثة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. اليوم ... اتضح وبدون أدنى شك أن المعركة هي بين تيار سوري شعبي وطني يريد التقدم والازدهار والسيادة لسوريا، وتيار آخر ظلمي وظلامي "نظامي - إسلاموي". من هذا المنطلق أرى أن هذه المعركة المصيرية ما هي إلا استمرار للمعركة التي بدأها أبطال التحرير والاستقلال والتنوير والحداثة. أبطال سوريا الذين لم يسكتوا عن ظلم العسكر الوطني وانقلاباته المتتالية وهيمنته التدريجية على قطاعات المجتمع المدني ونقاباته ومؤسساته وسلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية والصحافية، وأبطال سوريا الذين واجهوا طغيان السلطة الدينية الغاشمة المتحجرة، سلطة فقهاء السلطان الذين لم يتركوا فرصة إلا وساعدوا وتعاضدوا ودعموا فيها نظام العسكر وزبانيته بفتاويهم القرووسطية المتخلفة. ولن أعمد لذكر أسماء هؤلاء الأبطال الذين غيبتهم فتاوى علماء الحقد والتطرف الديني ووسائل إعلام النظام الوطني الغاشم الذي تعمَّد واعياً القضاء على أبسط قواعد السلم الأهلي والمجتمعي منذ فجر الاستقلال الممنوح (5) وحتى اليوم. لن أبدأ بذكر أسماء هؤلاء الأبطال لكثرتها ولضيق بياض هذه الورقة الصغيرة أمام عظمتهم ووطنيتهم وكراماتهم.
لقد ساعد ظهور الطاعون الأسود (6) في الوطن العربي وبالأخص الخليج العربي... في إطالة أمد هذه المعركة المصيرية والتمويه على الأهداف الحقيقية التي كان يجب على الشعب السوري العظيم أن يضعها نصب عينيه كي يخرج من عتمة التخلف والتشرذم إلى نور الوطنية والديمقراطية والعلمانية. هذه الأهداف المتمثلة في رأيي بترسيخ معاني الوطنية السورية المستقلة القائمة على كرامة كل فرد من أفراد الشعب السوري وليس على إيديولوجيات مستوردة ومفبركة وممولة ممن يهمه الأمر. الوطن قوي بقوة أفراده وحرياتهم وكراماتهم. وهو ضعيف بضعفهم وتشرذمهم وانتهاك حرماتهم وكراماتهم وملكياتهم.
المعركة واضحة والعدو واضح اليوم أكثر من أي وقت مضى. عدو الشعب السوري هو طغمة الفساد الديني وعلماء التخلف والجهل والرجعية السلفية الخلافية الإسلامية وطغمة العسكر الذين صحروا الشارع السوري وأفسدوا المواطن السوري وأبعدوه عن الإعتزاز والافتخار بسوريته وماضيها الضارب في عمق القرون والواصل إلى فجر التاريخ والكتابة.
أيها السوري ... إعرف عدوك (7)

===================

1- يقول الشاعر السوري "بدوي الجبل" في حديث له مع المناضلة السورية أدما ناصيف في بيروت في ستينيات القرن الماضي : إن الوطن مبني على ثلاث قواعد هي الحرية والملكية والكرامة. فإذا كنت أعيش بوطن قضى فيه الرئيس على حريتي وداس على كرامتي وسلب ملكيتي، فماذا يستطيع أن يأخذ مني العدو بعد وأنا لا أملك شيئا ً{...} إذا سلبت هذه الحقوق الثلاثة فإن كلمة وطن تصبح كلمة جوفاء لا معنى لها بصرف النظر عن فكرنا وعن قضيتنا.
2- سبب زوال هذا الوضوح النسبي كان ضجيج السلاح ودخول العنف على خط المواجهة مع النظام. وليس أي عنف وأي سلاح ... بل العنف الطائفي والسلاح الممول من وراء الحدود. لقد التقت مصلحة النظام المافيوي القاتل مع مصلحة أعداء سوريا "وحيدي القرن" المتربصين لها عند خيار السلاح والعنف الطائفي والاستعانة بالغريب الأجنبي على أبناء البلد. من الصعب نسيان مقاطع الفيديو التي كان يطلقها النظام بين الفينة والأخرى تحت اسم "فيديوهات مسربة" والتي كانت تزخر بالجرائم الطائفية والشحن الطائفي المقزز. كما من الصعب أيضا ً نسيان ممارسات المعارضة الإسلاموية الدموية المسلحة وشعاراتها ما قبل المدنية، الطائفية المرعبة التي فرغت الحراك الشعبي من محتواه المطلبي المحق العادل وحولته لحرب دينية لاهوتية طائفية عبثية.
3- داعش والقاعدة أو النصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح وجيش "استقم كما أمرت" و أحرار الشام إلخ ...
4- طبقة النظام الحاكمة المتضررة من الحراك السوري المطلبي العادل ... عابرة للطوائف والأديان والقوميات.
5- وليس المأخوذ بالقوة ... كما يزورون ويفتخرون.
6- النفط الأسود ...
7- يقول الشاعر السوري حسن الخيِّر:
عصابتـــان هما إحداهما حكمـــــــت باسم العروبة لا بعث ولا عـــربُ
وآخرون مسوح الدين قد لبسوا والدين حرم ما قالوا وما ارتكبـوا
عصابتان، أيا شعبي، فكـن حـــــذراً جميعهم من معين السوء قد شربوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال