الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمز بين ابن العلقمي والبرامكة

لطيفة الشعلان

2005 / 12 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أوضاع العراق الحديث تثير في بعض الأذهان المقارنات والاسقاطات التاريخية مع عراق العباسيين، فأكثرنا صادف لدى بعض الكتاب والمتحدثين العراقيين وما زال يصادف اسقاطات وترميزات من نوع: أحفاد ابن العلقمي وحكومة ابن العلقمي والبرامكة الجدد وبرامكة القرن العشرين. فمنذ سقطت بغداد في أيدي قوات التحالف وابن العلقمي قد عاد إلى واجهة القول، فكثيرون في سياق حديث التواطؤ أشاروا إلى المؤامرة التي أطاحت ببغداد مستخدمين ابن العلقمي كرمز تاريخي، وكأن سياسة البعث الفاسدة والمستبدة على مدى عقود لم تكن وحدها كافية للإطاحة بمدينة السلام من دون صفقات سوداء ولا نبش للعلقمي من مرقده. لقد كانت بغداد البعثية أشبه بثمرة اكتمل نضجها وجاهزة لتتلقفها يد بوش، كما كانت بغداد العباسية قد بلغت من الضعة والهوان ما جعلها مستعدة لأوباش هولاكو بسبب عوامل متشابكة في الحالتين ليس أولها الفساد السياسي والاداري والمالي ولا آخرها الاستبداد والعسف الذي ذهب لمنتهاه.

رمزية ابن العلقمي تذهب أبعد من ذلك حين يوضع في الصفحة الرئيسة لأحد المواقع العراقية على شبكة الانترنت شاشة صغيرة تعرض صورا متحركة لوجوه في الحكومة العراقية وواجهة العمل السياسي العراقي وفوقها عنوان: أحفاد ابن العلقمي. أحد النجوم الفضائيين من على شاشة "الجزيرة" حذر قبل أيام قلائل سنة العراق من الغفلة مستشهدا بما لقيه ابن العلقمي من تكريم واحسان قابله بالخيانة. فالوزير العلقمي أدى تاريحيا وظيفة عبقرية للذاكرة المأزومة، فالسقوط في يد التتار لم يكن لعوامل كامنة في الذات، بل لمؤامرة حاكها عملاء داخليون أشد خطرا من اليهود والنصارى مع أطراف خارجية. من جهة ثانية فوصم ابن العلقمي بالخيانة يعني وصم الطائفة بأكملها والمنتسبين لها على مر التاريخ، وتثبيت دعوى الوطنية المنقوصة عليهم أو الولاء الخارجي، وهذا سيؤدي خدمة سياسية لا تتقادم بمرور الزمن كما سيداعب الضمير الجماهيري المشدود للفروقات المذهبية. أما (البرامكة الجدد) فانتظر نكبتهم مع كاتب عراقي هو سهر العامري الذي نشر مقالة تنبؤية بعنوان (نكبة البرامكة الجدد). طبعا ليس هناك بالضرورة قواسم مشتركة بين مستخدمي ترميزات العلقمية والبرمكية، فقد يكون كل ما يجمعهم عدم الرضا عن الأوضاع العراقية الراهنة مع المعرفة التاريخية العمومية التي تمكن صاحبها من توظيف ما للرمز، أي أن المنطلقات الذهنية قد تكون متباينة تباينا شديدا، فتعبير ابن العلقمي أو العلقميين ورد في بيانات ورسائل للقاعدة كما أنه التعبير ذاته الذي يستخدمه متحدثون وكتاب ممن لايشاركون القاعدة في رسالتها الفكرية أو الدموية. أي أنه من الواضح في هذا الخطاب أن الاسقاط المعاصر يستند على الرواية الرسمية مع أن أكثرية المؤرخين الرسميين كذابون أو مزورون ليس بالفطرة وإنما في سبيل حفظ رؤوسهم فوق أكتفاهم. وإن لم يكونوا كذلك فلا أقل من كونهم كانوا يوثقون نصف الحكاية، أو نصف الواقعة، أو نصف الحقيقة، فالتاريخ أكثر العلوم تدليسا وتلبيسا، وأكثرها تأثرا بعقيدة الكاتب وقوميته وأهواءه الشخصية.

ابن العلقمي شيعي أو رافضي بتعبير بعض المؤرخين فتواطأ مع التتار، فالروايات التي تبدع في تحميله وحده مسؤولية تدمير بغداد والقضاء على حضارتها تغفل في الوقت عينه الدور الفاعل الذي لعبه في هذه الكارثة المستعصم ومن سبقوه من خلفاء بفسادهم ودمويتهم وسوء سياساتهم وتدابيرهم. تحميل ابن العلقمي هذا الوزر يتجاهل أن الخلافة العباسية كانت اسمية قبل زمن هذا الوزير بكثير، وان الخور قد دب في مفاصل الدولة ونخرها كالسوس، أيضا قبل زمن الوزير بكثير. فالأساطير عليها أن تتواضع قليلا أو تتعايش مع المعلومات. أسطورة دولة الخلافة القوية المترامية الأطراف تقابلها كتيبة من الدويلات المستقلة كالطولونية والصفارية والبويهية والغزنوية والحمدانية والعبيدية .. الخ. وحتى بأحد المصطلحات الحديثة، فإن (السيادة) لم تكن عربية إلا خلال المائة عام الأولى من خمسة قرون دامتها الدولة العباسية، أما بعد ذلك التاريخ فقد ارتهن النظام العباسي شيئا فشيئا للأجنبي تركيا كان أم فارسيا، فكان بامكان عساكر الأجانب تنصيب خليفة أو خلعه أو حبسه أو قتله أو مصادرة ماله أو سمل عينيه، وبلغنا خلفاء لم يكن لهم من مظاهر الخلافة إلا الجواري والمراوح الفارهة وخطبة الجمعة. بل إن صدام حسين كان بلا شك في هيئة الأقوى والأكثر امساكا بزمام الأمور من المستعصم وأركان حكمه في ذلك الزمان، مع ذلك فلم تكن أميركا في حاجة إلا لأيام قلائل انتهت بدخول دباباتها شوارع المدن، أي لم تكن عند من يحترم عقله وعقول الناس تحتاج نموذج الخائن أو الخونة شيعة كانوا أم سنة ليقدموا لها بغداد لقمة سائغة.

البرامكة أصولهم فارسية، لذا لم تكن هناك تهمة أكثر عنصرية وغباء في تحليل أسباب نكبتهم من أنهم أرادوا إحياء عبادة النار وأوقدوا لها المجامر في الكعبة. يتداخل القومي مع الطائفي لينسف التاريخ الرسمي أي حسنة للبرامكة أو اضافة أضافوها للحضارة العربية فيصبحون شرا خالصا، كما يتداخل العنصران فيتضح سبب وصف بعض العراقيين اليوم لبعض بالبرامكة. لكن تهمة المجوسية وإن كذبها كثر فإنها لن تلقى ذلك الدفاع المحموم في نفي تهمة أخرى قيلت في تحليل هذه النكبة، وهي تزويج الرشيد أخته العباسة من جعفر بن يحي زواجا صوريا لتشاركهما مجالس الشراب من دون حرج. لقد أريقت أنهار من الحبر القديم والحديث في نفي نسبة هذه الواقعة المشينة لهارون العربي الغيور، وكان أطرفها محاضرة ساخنة لابن خلدون في شرف النسب العربي فكيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إلى موالي الأعاجم. لابأس فلاشيء أكثر غموضا من أسباب نكبة البرامكة التي لو عرف زر قميص هارون بها لرمى به في الفرات، كما أن الشرف العربي مناطه ما تحت الثياب فقط، أما القتل بغدر وخسة فلا تثريب أن يكون من أخلاق الخلفاء، لكن ماذا لو خفف التاريخ الرسمي قليلا من أمثولة الخليفة الورع الذي يحج سنة وراء سنة، وتذرف عينه من خشية الله، لصالح صورة السياسي أو رجل الدولة الدموي بتقوى أو التقي بدموية، فيستخير الله وهو متعلق بأستار الكعبة في تطيير الرقاب. وماذا لو كنا أكثر حساسية في توظيف الرمز التاريخي بحيث لايضيف إلى تنور الطائفية الإعلامي والثقافي مزيدا من الحطب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا ادري ان كنت
ابواحمد ( 2011 / 7 / 4 - 16:59 )
السلام عليكم
يبدو ان الكاتبة ناقمة على الخلافة العباسية ومن كل وجدانها لا ادري ان كان ذلك بسبب علمانيتها او كونها رافضية و الله سبحانه و تعالى اعلى و اعلم

اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال