الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -2-

كمال عبود

2016 / 6 / 29
الادب والفن


نبهان أفندي "عقلك لحالك ما يفيدك".
*****

يعشق تراب الأرض ... يكتب في خطوطها حبات قمحٍ وعدس ... يُزيُنُ صفحة حقلهِ على الحواشي بأشجار الرمان والسماق .,. وعلى جهة الجنوب قصباً أخضر وشجيرات حور...
زرعها ليسمع عزف أوراقها ويستريح في ظلّها.

كغيرهِ من الفلاحين ، يُرافِق الشمس مع شروقها الهادئ إلى الحقول ، حاملاً ( زوادة ) فيها ما تيسّرَ، و( كوز ) الماء ، يعمل في الحقل ... يزرع ... يسقي ... يزيل الأعشاب الضارّة ...
نبهان ، يعود إلى بيته على أطراف القرية عصر كل يوم ... يرمي غطاء رأسه وزوادتهُ الفارغه وحذائه ... يغسل يديه ووجهه ويستلقي عَلى حصير تحت شجرة التوت رافعاً رأسه على وسادةِ قشٍ عالية ، يأتيه الغداء في طبقٍ من القش ، يشكر زوجته فاطمة ... يسألها عن الأولاد ... والبقرة ... والحصان ...

تأخذه القيلولة في نوم عميق بعد الغداء .. يرتفع الشخير ويعلو ... يضرب بيده الهواء وهو نائم كأنّه يهّشُ على ذبابةٍ وقفت على أرنبة أنفه ... يضرب بيده ثانية ... وثالثة ويفيق:
لعنة الله على هذا الذباب ، ما بيخلي حدا ينام ..؟
يتكيءُ على مرفقهِ ، ينظرُ حواليهِ ... ينحو بنظره الى حيث الحصان الذي يحبه ... ينظر إليه بحنو زائد ، رفيقه الوحيد الذي يساعده في تنقلاته وفي حراثَة الارض.

هذه المرة رأى حصانه مضطرب الحركات ، تحرك كثيراً ... حمحمَ ... دار الحصان حول نفسهِ ... أفلتَ رأسهُ من رباطهِ ... تكوّرَ ... تضاءلَ حجمه ... صغُرَ كثيراً ... أدخل رأسه في ثقبٍ بجدار الحائط و.. غاب.

فتح نبهان عينيه ... فركهما بشدّه ... تلفت حواليهِ ... جلسَ متربّعاً ... ؟ ماذا رأيتْ ...؟ أين الحصان ...؟
بقيت صدمة ما رأى ساعةً كاملةً ، وإذا بالحصان يعود صغيراً من الحائط ... يزداد حجمه ... يقترب من الحبل يلفه كما كان ويعود الوضع إلى أولهِ
لم يصدّق مارأه ... أستعاذ من الشيطان ودخل باكراً ونام كي ينتهي من ( الكابوس ) ...

في اليوم الثاني وفي التوقيت ذاته تكرر المشهد ، الحصان يُفلت نفسه ، يتكور ، يتضاءل ، يخرج من ثقب الجدار ويعود ...
الأيام التي تلت كانت كسابقاتها ... أصبح المشهد المتكرر كابوساً حقيقياً ... أضحى الصداع ملازماً له ... صار يتقيأُ كثيراً ... قلّ الطعام والشراب.

قالت زوجته بعد إلحاح دائم: يا رجل علّني أساعدك ، قل ما بك!
قال لها القصة كما يلي: وشرح ما يراه من أمر الحصان...
قالت الزوجة : خيراً إن شاء الله ، وقالت في نفسها محنة وتزول
لكن المحنة استمرت وطالت ، فما كان من الزوجة إلا أن قصت عَلى الأخ الأكبر لنبهان ...

دارت القصة في العائلة وعند المعارف وقرروا: لقد جنّ نبهان
لم يفيده الأطباء ولا مشايخ الطرق الصوفية فقرر الجميع أن يرموه في مصحٍ للأمراض العقلية...

هناك وعلى صراخه الذي أصم الآذان أعطوه المهدئات في إبرٍ مرعبة الشكل... كل يوم يأتيه رجال غلاظٌ يقيدونه ويعطونه الإبرة الضخمة
كل ما آفاق يراهم أمامه ... سكن للأمر بعد وقت ، عندها وضعوه مع آخرين مجانين فعلاً ورأى منهم العجب العجاب ... لقد آذوه كثيراً ... وضحكوا وتحلقوا وبال أحدهم عليه ...
هذه حالي قال لنفسه : لست مثلهم...
وطلب مقابله الطبيب.

أنا يا دكتور غير هؤلاء ، لست مريضاً ، انقطع عني الأهل، سأرجع الى الحقل ...
قال الطبيب احكي لي...
قال: يا دكتور كان الحصان يفك ...
لم تمض لحظات إلا وكان الشداد من الرجال يطيحونه أرضا ويعملون في حقنه بالإبر...

كرر مرة ثانية بعد شهر وذهب للطبيب بعد ان رأى الويلات من المصح ومن رفاقه المجانين...
قال: لقد شفيت يا دكتور...
حسناً قال الطبيب: احكي قصتك بصراحه...
قال نبهان : قصتي كنت أرى الحصان يفك الحبل و...

تتكرر العملية يأتي الأشداء يعطوه الجرعة القويه ويعود إلى حيث الآلام مع نزلاء مجانين ، إلى أن قرر أن يحكي للطبيب أمراً ...

قال: يا سيدي أنا كنت واهماً ، لم يكن ثمة حبل يفكّه الحصان ولا يتكور جسم الحصان ، كنت واهماً ، غير معقول أن يدخل الحصان بثقب ولا أن يعود منه .. كنت تعبان يا سيدي...

سُر الطبيب وبعد أسبوع طلبه فسمع من نبهان كلام الواعي ذو العقل الصحيح ، فأفرج عنه

عاد نبهان الى بيته وعاد إلى عمله بعد أن آنسوا إليه من جديد ...
وفي عصر أحد الأيام ، رجع نبهان من الحقل ، غسل وجهه ويديه ، أخذ غذاءهُ ، استلقى على الحصير ، اتكأَ على مرفقه ... نظرَ بحنو إلى الحصان ... رَآه يفكُ الحبل ... يتكوّر ... يتضاءلُ ... يدخلُ في ثقب الحائط ... يعود بعد ساعة إلى وضعه الأول وهذه المرة يمدّ لسانه مُستهزئاً بصاحبه ...

قال نبهان للحصان: ولَك شايفك شايفك ... بس مارح احكي.

-----
القنجرة، 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي