الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة القصيرة والتقطيع السينمائي: قراءة في (زمن عبد الرؤوف) للأديب محمد صوف

محمد يوب

2016 / 6 / 29
الادب والفن


القصة القصيرة والتقطيع السينمائي
قراءة في (زمن عبد الرؤوف) للأديب محمد صوف
1- مقدمة
إذا كان القاص يمتهن إبداع الجمل القصصية الجميلة؛ ويصنع من المعيش اليومي حياة متخيلة؛ فإن مهنة الناقد متابعة المحكي القصصي بتفكيكه والوقوف على أبرز تكتيكاته؛ وهذه المهمة في اعتقادي صعبة المنال؛ وخاصة إذا كان الناقد يتتبع عن قرب إبداعات قصصية متفلتة يستعصي القبض عليها من قبيل الإبداعات القصصية للأديب المغربي محمد صوف؛ الذي يجمع بين تقنية الكتابة ومهارة المبدع الفطري المخلص لقدسية ومهابة السرد القصصي القصير.
ويزداد مستوى التعقيد عندما نكون بصدد قراءة التجربة السردية المخصوصة بمسمى (زمن عبد الرؤوف) التي تنطوي على خزان تمويني من الأحداث وشبكة من الرؤى والقيم والموضوعات التي تعبر عن غنى التجربة القصصية الصوفية وتراكم الخبرة واستمرار حيواتها في الزمان والمكان.
2- في سميائية العنونة
اللافت للانتباه هو أن المجموعة القصصية (زمن عبد الرؤوف) جاءت تحت عنوان مركزي مستفز للذاكرة الجماعية للإنسان المغربي؛ إذ ارتبط اسم عبد الرؤوف بفترة زمنية هامة من تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي؛ وهو شخصية فكاهية أضحكت المغاربة طيلة سنوات طويلة وأدخلت في نفوسهم البهجة وأبعدت عنهم الحزن والأسى. بكاريزميته وبضحكته الرنانة الغريبة شيئا ما؛ التي تجمع بين حالتين نفسيتين: حالة الفرح وحالة الحزن؛ كما رقصة زوربا؛ أورقصة الديك المذبوح؛ إذ إنه يُظهر للناس مدى فرحته؛ لكنه في مكنونه الداخلي يعبر عن نفسيات مغربية متأزمة ومتألمة ألما كبيرا.
لقد أضحك عبد الرؤوف المغاربة زمن البؤس والظلم والقهر النفسي والمادي؛ من خلال أدواره المرتجلة؛ ومن خلال سرواله (القندريسي) الفضفاء الذي احتوى هموم المغاربة ومعاناتهم؛ فكانت تمثيلياته الهادفة والمعبرة عن السُّلط بأشكالها الأسري والسياسي والاجتماعي...باعتباره اللسان الناطق باسم المستضعفين؛ معبرا عما في دواخلهم من هموم والذين هم ( في حاجة إلى قراءة ما هو مكتوب داخلها...عندئذ ترتاح) مؤكدا حقيقة هامة هي أنه ينبغي على الإنسان أن يكشف عما يختزنه من آلام ويقاوم الهموم والمشاكل بالضحك وبلغة التعبير والإفصاح.
3- تشريح البنيات النفسية والاجتماعية
تلك هي حال (زمن عبد الرؤوف) للقاص محمد صوف وهو زمن (نعيش فيه والكابوس الجاثم علينا داخل بذلة رسمية) حيث اقترب فيها الكاتب من الواقع النفسي والاجتماعي والسياسي؛ وجهَدَ في تعريفه ونقده دون طرح علاج لمشاكله وإنما ترك باب العلاج مفتوحا للقارئ من خلال مجموعة من الفتحات والفراغات كبُؤر ضوء من خلالها ينير عتمات النصوص القصصية القصيرة.
وتستهدف المجموعة القصصية في مادتها السردية الإنسانَ بتسجيل همومه ومحاولة إنصافه وإكباره والتعبير عن تاريخ وعيه؛ وفضح مجموعة من السلوكيات الفاسدة وترسيخ بعض القيم الإيجابية كالعدالة الاجتماعية والمساواة وإسماع الصوت الإنساني المقموع.
إن زمن عبد الرؤوف تعكس بأسلوب أدبي ما تخفيه نفوس الناس من آلام وأحزان؛ فليس كل من تعلو فمه ابتسامة هو سعيد؛ فالناس يحاولون إخفاء أحزانهم وجراحهم بواسطة ضحكات تتعالى خوفا من إظهار ملامح الضعف والبكاء لأن في (أعماق كل منا قمامة أزبال...وأيضا غرفة مكدسة بالجواهر)
وهي شخصيات تدهش القارئ بسلوكها غير المتوقع كما يفعل الناس الحقيقيون؛ إذ إنهم عندما يتعرضون للضغط يكشفون عن طبيعتهم الحقيقية (ثم أشار لي بيده أن أنسحب؛ وانسحبتُ؛ كنت أنا. لم أكن أنا؛ لست أدري من كنت) إذ إن هناك تناقضا في تكوينها؛ كما أن حالة الضياع التي تعيشها تبرهن على ذروة الأزمة التي كدسها الوضع الاجتماعي والسياسي آنذاك؛ غير أننا من حين لآخر نرى السارد من وراء السطور يراقب شخصياته وأحداث قصصه موجها إياها نحو الانفراج (تنفسَتْ الصعداء؛ همسَت لصديقتِها؛ أشعر بتحول في داخلي بعد هذا الحديث وتنهدت بارتياح) حيث القاص في نهاية كل قصة يمد يد العون لشخصياته للخروج من أزماتها بترتيب الحلول المناسبة كرافعة لمعنوياتها وعواطفها المتأزمة.
4- القصة القصيرة والتقطيع السينمائي
لقد استند القاص محمد صوف على نقل الواقع النفسي والاجتماعي المتخيل سرديا؛ وقد دفعه ذلك إلى تكسير الخطية السردية واعتماده السرد الدائري الذي يحيله من حين لآخر إلى واقعية الحدث في سياقه المتخيل؛ حيث القصص المشكلة للمجموعة القصصية جاءت على شكل مقاطع مشهدية سينمائية تقترب بشكل كبير من حساسية المتلقي؛ وتدفعه إلى المشاركة الذهنية للكلمات و التي تترجم تلقائيا إلى صور ذهنية؛ وذلك من خلال كتلة الأحداث المهيمنة على النص والمتسربة على فتحات الحوار (ورأت صمتي...لا تكذب قالت؛ أنت تكذب لتحميني مني؛ أتدري ماذا سأفعل الآن؟ سأقف تحت الرشاش وأفتح صنبور المارد البارد في عز الشتاء البارد...)
إن آلة السرد تساعد القارئ على إنتاج كتلة من الصور الذهنية السينمائية في الفضاء الورقي؛ بلغتها السينمائية التصويرية المقتصدة المعتمدة على الإثارة وتوفير المفاجأة واصطناع عنصر التوقيت والارتباك في حضور الشخصيات وغيابها (صمت ثقيل) (توقفت قالت بدون صوت) مما يساعد على تجسيد وبناء السيناريو القصصي.
خاتمة
وفي النهاية نقول بأن المجموعة القصصية تقترح سياسة سردية تعتمد في تتبع متوالياتها السردية على السارد المحلل الذي يكشف عن نفسيات شخصياته؛ فهو عالم بأحوالهم النفسية والاجتماعية مؤكدا على ضرورة التصريف والتنفيس عن الطاقات الضاغطة التي لو تراكمت لأصبحت ذات فاعلية سلبية في النفس والمجتمع ( أنا حزين وأنت تعلم أنك قد تستيقظ أحيانا وفي الرأس حزن وفي القلب أيضا مثل إدريس الخوري) ولابد من الخروج من مثل هكذا نفسيات مضطربة وكئيبة إذ بإمكان الإنسان أن يروض حزنه ويتغلب عليه إذا صادق حزنه .
كما وضحت طبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع مصورة حياتهم العامة والخاصة والمشكلات التي يتخبطون فيها (أوقفت كرسيها المتحرك أمام المصعد...ومن قلب التريث قرأت لافتة تعلن عن عطب في المصعد) .
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??