الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت الشجرة الوارفة : حنين متجدد إلى الأرض

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2016 / 6 / 30
الادب والفن


عندما زرت مدينة بني ملال أول مرة في حياتي، وكان ذلك في الثالث من شتنبر عام 2012 ترسخ في ذاكرتي جبل شامخ يتركز أعلى المدينة، أسميته الجبل الأجرد، فلا نباتات تنمو على قمته، ولا أشجار ولا أعشاب، اللهم الفراغ، فخلال الشتاء والربيع تكسو قمته الثلوج، بينما في الصيف والخريف تكون قمته جرداء، لذلك في بداية يوليوز حينما أنهيت تكويني و أقلعت عن المدينة تركته أجردا كما وجدته، لا أعلم لماذا ذاكرتي ظلت محتفظة بهذه الذكرى ؟ أليس للبداية أسطورتها التأسيسية ؟ أ يكون هاجس الإنسان هو الاحتفاء بأسطورة البداية والنهاية ؟ بعد شهور من التكوين توطدت علاقتي بصديق يتحدر من الواليدية يدعى عبد المجيد، كنت أتردد عليه كثيرا، وآخر وجبة تناولناها معا كانت في عين أسردون تدعى الطاجين، ناهيك عن الدلاع الأحمر، هذا الصديق كان وقورا رزينا هادئا يتحدث ببرودة لن أنس الجولة التي قمنا بها معا عبر طريق تادلة، أخذنا صورا مشتركة ولاح الجبل الأجرد في الأفق، وعدنا بعضنا أننا لن نغادر المدينة، وإلا نكون قد تسلقناه، داهمنا الصيف، وغادرنا بني ملال ولم نتسلق الجبل، مذاك رحلت إلى بلاد تارتروس، بينما عبد المجيد رجع إلى الواليدية، ولم نعاود لقاءنا، كم هي المرات التي رجعت فيها إلى بني ملال شوقا وحنانا، تلهمني هذه المدينة الساحرة ويثيرني جبلها الشامخ، عادت مني وعدت منها، أحبها زائرا لا مستقرا ، هي لا تحب المستقرين، بل تحب الزوار، كم هي المرات التي نبذتها لأنني كنت أخشى أن أسقط في أحضانها ولا أغادرها، مع العلم أنني كائن مترحل نومادي، مهاجر لا يرتاح إلى الاستقرار، إنني ابن السؤال لا الجواب، وليد الشك لا اليقين، تواق إلى الأفق، صديقي عبد المجيد هو نقيض لي، قليلة هي المرات التي غادر فيها بني ملال أو الواليدية، إنه يتشبت بالمكان ويتمدد فيه، بالمقابل أشعر أنه يعتقلني ويكبلني، فلطالما كنت أزور بنسليمان أو المحمدية وأعتبرهما طوق النجاة، منذ أن غادرت بني ملال، كانت رحلتي إلى بلاد تارتروس، عرفتها في اليوم الذي عرفت فيه بني ملال، مازلت أذكر ذلك الصباح الخريفي المشمس، خرجنا من أرض الشاوية ولاحت نتف أشجار وجبال ترابية مغبرة صفراء، هبطنا عبر هوة سحيقة، واستقبلتنا مدينة كئيبة تلفها الأحجار المتناثرة والغبار المتطاير جانب الاسفلت، وحينما خرجنا منها، طفت في البعيد مزبلة نتنة في طريق بلاد الأضرحة، كان اليأس والمستقبل المتشظي يناديني بين الأشعة الحارقة، ذات ربيع قفلت راجعا إلى المحمدية، مدحت تارتروس واعتبرتها العروس التي قدمت عذريتها إلى الاستعمار مقابل الاستقلال، فإذا بحدسي يقول لي : "يوما ما سوف تعرف أن العروس صارت غانية تتغنى بعذريتها الهاربة " .
إن أسوأ إحساس يشعر به الإنسان هو شعوره بالقيد، ومتى شعر الإنسان بالحرية شعر بالاطمئنان، لهذا أشعر بالسكينة حينما أكون مهاجرا متنقلا، لما اشتغلت ببلاد تارتروس كانت نهاية الأسبوع من أحلى أيامي، كنت أتخلص من قيدي و أغادر المدينة لكي أتنفس هواءا جديدا، وجودي في انفتاحي، في حركتي وتكسيري للقيد، وقدوتي في ذلك هو الحيوان المنوي، التواق إلى الحركة، إنني حيوان منوي يأخذ طريقه إما نحو التجدد والحياة والنمو أو ينحو نحو الموت.
مضت خمسة وعشرون عاما من عمري، خمس سنوات الأولى ضبابية لا أعرف الكثير عنها، اللهم القليل من النتف، ذاكرتي الخربة قادتني إلى الشجرة الوارفة الرابضة أعلى منزلنا الريفي هجعت فوق ركام أحجار، رحت أتأمل فطفت أنوات وأغيار وأطفال صغار ومعلم كأنه هو هم وهم هو. كلهم يجرون فوق جبال جرداء في قريته، لطالما ألهمته في نشدان الآفاق .

ع ع / بنسليمان - المغرب/ 25- يونيه 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف