الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيكي والآخرون

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2016 / 6 / 30
الادب والفن


عشت في الريف سنوات طويلة، تجولت بين المنازل المتناثرة، كان كل منزل ريفي يحيط به الصبار والحواجز الشوكية، يتخيل لأي زائر أجنبي أن الريف فضاء مفتوح، لكن واقع الحال أن الريفيين أكثر احترازا حيال بعضهم البعض، كان كل منزل تحرسه ترسانة من الكلاب، بل حتى المراعي محروسة شأنها في ذلك شأن المنازل، في طفولتي كنت أعرف راعيا يدعى مصطفى يملك قطيعا كبيرا من الماعز، كان يرعاه على طول مجرى وادي النفيغيخ حتى يشارف مدينة المحمدية و كان يساعده في ذلك قطيع من الكلاب حيث لا تجرؤ الذئاب أو الخنازير على الوصول إليه، مصطفى هذا كان رزينا لا يتكلم إلا لماما، غادر المدرسة باكرا وتماهى مع الطبيعة و أحبها حبا جما، يعرف وكر الخنازير ومتى تولد ومتى تخرج، كما يعرف جيدا الذئاب وكم مرة عثر على صغارها واعتنى بهم حتى تدجنوا وصاروا كلابا، يحمل فوق ظهره جلبابه أو سلهامه أو جاكيته ويمضي جوار ضفاف الوادي، كان يغادر قطيعه في بعض الأحيان ويتركه في عهدة الكلاب التي تعتني به كل العناية . يبلغ مصطفى حوالي أربعين عاما قضاها كلها في المراعي الواسعة، نادرا ما يذهب إلى المدينة، تمثل له هذه الأخيرة قيدا ويرى فيها رتابة مملة .
رأيت مصطفى أول مرة في يونيو عام 1996، كنت في سن الخامسة، وكان يرافقني جرو صغير ذو العامين، كان صغيرا وحصيفا يطبق الأوامر بحرفية صارمة، كان ذيله قرطيطا رمادي اللون، وبينما كنت أسبح في بحيرة الوادي التي تقع أسفل جسر الطريق الجهوية رقم 305 الرابطة بين بوزنيقة وابن أحمد، كانت كلاب مصطفى قد هاجمت جروي الصغير الذي تركته يراقب ملابسي فأرادت أن تمزقه، فما كان من مصطفى إلا أن انهال عليها، مذاك عرفت أنه ابن الطبيعة والإنسانية، وما عادت صورته تفارقني، ومع مرور الوقت وتفتح عيوني على المراعي، كان لدينا قطيع صغير من الماعز، كنت أنا وأخي من حين لآخر نتركه في عهدة مصطفى ونرحل إلى الوادي لكي نسبح ونصيد الأسماك ونذهب بها إلى خيمتنا المنتصبة قرب الوادي لكي نتناولها .
عاش جروي الصغير الذي صار كلبا حوالي 12 عاما، كنت متعلقا به حد الجنون، ولد في أواخر عام 1994 وكان قد عثر عليه أخي رشيد في طريق عودته من إعدادية زياد بمدينة بن سليمان، أذكره صغيرا يزحف طاهرا كالملاك، والدتي المسكينة كانت متطيرة من الكلاب، علمت جرونا الصغير ألا يرافقنا إلى البيت، كنا نحب أن نعانقه ونتلمسه ونشم رائحته، كنا نأخذه إلى المرعى ونلعب معه، وإن يكن فقد تعلق بأخي رشيد أكثر مني، هذا الأخير سماه " بكيكي"، كان يأخذه إلى الغاية المحيطة بمنزلنا الريفي ويصطاد القنافذ والأرانب والحجل .
مع مرور الوقت لم يعد " كيكي " صغيرا، صار شابا، أكثر نباحا وتيقظا، كلما رحلنا إلى العزيب وانتقلنا إلى أرضنا جوار الوادي، كان " كيكي" في مقدمة القافلة يحرسها من الأخطار . كان كالزطاط عارفا جيدا لخبايا المنطقة . لن أنس اليوم الذي وقف في الطريق حتى تمر القافلة والشاحنات من حوله تطن، في تلك اللحظة عرفت أن نهايته اقتربت، عاش هذا الكلب متواضعا قانعا يكتفي بوجبة واحدة في اليوم ولا يفارق محله الصغير. لم يسرق بيضا أو اعتدى على قطيع . اللهم هفوة واحدة حينما نهش صديقي في المدرسة يدعى أمين، الذي كلما التقيته كنا نتذكر ذلك اليوم المشؤوم .
لم تكن كل الكلاب " ككيكي "، هذا الأخير كان يحترم أختي المعلمة التي تمضي شهورا طويلة بعيدة عن المنزل ويستقبلها بالحبور، في الشهور الأخيرة التي سبقت وفاته في 04 من يونيو عام 2006 كان كلبنا كظيما وحزينا، فلقد رحل صديقته رشيد إلى أوروبا وتركه وحيدا يصيد القنافذ، بينما كنت قد رحلت إلى المدينة لاستكمال دراستي، كنت كلما رجعت أحمل بقايا خبز وأرميها له و كان يحرك ذيله إيذانا بالحبور .
كانت قصتي مع الكلاب متلونة، مازالت على جسدي آثار عضة وكدت أموت لولا مساعدة عجوز قروية أنقذتني من مخالب كلب داهمني في البرية، لا أحتفظ بذكرى جيدة عن الكلاب في قريتي الأصلية، كانت بعض النساء تقطع ذيولهم أو آذانهم، أو يتم ترحيلهم أو إعدامهم، أذكر أنني ذات يوم رافقت جارتنا وهي ترحل كلبها الذي كان يسرق لها بيضها، لقد وضعت على رأسه كيسا ووضعته في " الشواري" وقطعت مسافة طويلة وتركته وحيدا لكي لا يعرف الطريق ويواجه مصيره المجهول .

ع ع/ 27 يونيو 2016/المحمدية- المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا