الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآثار الاقتصادية السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي

عدنان فرحان الجوراني

2016 / 6 / 30
الادارة و الاقتصاد


انضمت بريطانيا الى المجموعة الاقتصادية الأوربية عام 1973 بعد مداولات طويلة، وفي عام 1975 دعت الحكومة البريطانية آنذاك لاستفتاء حول الانضمام هذه المجوعة والذي جاءت نتيجته تأييد ثلثي الناخبين للبقاء صمن المجموعة، وفي عام 1991 تم تعديل اسم المجموعة الاقتصادية الأوربية الى الاتحاد الأوربي بموجب معاهدة ماستريخت، ويعد الاستفتاء الذي حدث يوم 23 يونيو هو الثاني في تاريخ بريطانيا والذي جاءت نتيجته لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي.
وسيتعين على بريطانيا ان تنسحب من السوق الاوروبية الموحدة في غضون عامين من اعلان الخروج ولا يُعرف متى تستطيع العودة، ونقلت مجلة دير شبيغل الالمانية عن مصادر مطلعة قولها ان المفوضية الاوروبية لن تجعل عودة بريطانيا سهلة لكي لا تشجع الحركات المناهضة للاتحاد الاوروبي في دوله الأخرى، كما يستطيع الاتحاد الاوروبي ان يتعلل بأن لديه قضايا اشد الحاحا من التفاوض مع بريطانيا مثل أزمة اللاجئين والأزمة المالية في اليونان والنزاع مع روسيا. كما يتعين على لندن ان تتفاوض بشأن اتفاقيات تجارية جديدة. وفي احسن الأحوال سيواجه البريطانيون فترة مديدة يكتنفها الغموض والابهام، وهذا لا يخدم الاستثمار.
اختلف المؤيدون والمعارضون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في ايجابيات وسلبيات هذا الخروج على بريطانيا وعلى الاتحاد الأوربي، وقد جاء هذا الاختلاف بناء على الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا الخروج، ويمكن ايجاز أهم الآثار السلبية على الطرفين بالآتي:
أولا: الآثار على الاتحاد الأوربي:
يُعد الاقتصاد البريطاني واحدا من اكبر الاقتصادات في العالم إذ احتل المرتبة الخامسة اقتصاديا حسب بيانات البنك الدولي في عامي 2014 و2015 بعد كل من امريكا والصين واليابان والمانيا، وتمثل بريطانيا 16% من القوة الاقتصادية للاتحاد الاوربي، كما ان سكان بريطانيا يشكلون 13% من سكان الاتحاد، ومعروف أن عدد السكان له فائدة كبيرة في توفير الايدي العاملة للاتحاد وخصوصاً اذا ما علمنا أن الايدي العاملة البريطانية تعد من الأيدي العاملة الماهرة.
كما وان معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد البريطاني قد ارتفعت من 1.9% في عام 2010، إلى 2.9% في عام 2014، وبالمقابل نلاحظ ان معدلات النمو الحقيقي لمنطقة اليورو التي تتكون من 17 دولة وهي جزء من الاتحاد الاوربي الذي يتكون من 28 دولة، قد بلغت نسبتها 2.0% في عام 2010، ثم انخفضت في عام 2014 لتصل الى 0.9%، مما يعني ان الاقتصاد البريطاني ينمو بوتيرة اسرع من الاقتصاد الاوربي وخصوصاً منطقة اليورو ليس هذا فحسب بل ان نمو منطقة اليورو استمر بالانخفاض من 2.0% عام 2010 إلى 0.9% عام 2014 في حين ان نمو بريطانيا ارتفع من 1.9% في عام 2010 إلى 2.9%، أي ان الاقتصاد البريطاني ينمو بأكثر من ثلاث اضعاف نمو منطقة اليورو، فلو انسحبت بريطانيا من الاتحاد الاوربي ستؤثر على قوته الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الاوربي وعلى المستوى العالمي.
لذا فقد أعرب العديد من الاقتصاديين داخل الاتحاد الأوربي من مخاوف لآثار سلبية عديدة على الاقتصاد الأوربي كون بريطانيا تحتل مكانة متقدمة على مستوى العالم في اغلب مجالات الحياة وخاصةً الاقتصادية. وقد أوضحت دراسة صادرة من المنظمة الألمانية "برتلسمان ستيفتونج" أن "الاقتصاد الألماني سوف يتكبد خسائر تتراوح قيمتها ما بين (6.2 - 41 مليار إسترليني) إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ان زيادة نمو الاقتصادي الأوربي -الذي يعاني من الانخفاض حالياً- والذي يعني زيادة في انتاج السلع والخدمات الاوربية في السنة الواحدة، التي تتطلب المزيد من الايدي العاملة البريطانية من اجل انتاجها، وفي نفس الوقت يحتاج الاقتصاد الاوربي مزيداً من الاسواق لتصريف منتجاته الفائضة عن الحاجة المحلية وخاصةً اسواق بلدان الاتحاد الاوربي وخصوصاً السوق البريطاني على اعتبار ان عدد سكان بريطانيا يحتل المرتبة الثانية بعد المانيا ضمن الاتحاد، وهي احد اعضاء الاتحاد الاوربي وبالتالي تكون هناك انسيابية في حركة السلع والايدي العاملة من الاتحاد واليها من ناحية اخرى، ولهذا فخروج بريطانيا يمثل خسارة الاقتصاد الاوربي للسوق البريطاني.
وتعد بريطانيا شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة للاتحاد الاوربي، إذ تشكل الصادرات الاوربية لبريطانيا 3% من الناتج المحلي الاجمالي في المتوسط ما بين 2010 و2014، كما ان 50% من الصادرات البريطانية تذهب الى دول اوربا، وجدير بالذكر ان الميزان التجاري يتمتع بفائض تجاري لصالح الاتحاد الاوربي، أي ان الاتحاد الاوربي يصدّر لبريطانيا أكثر مما يستورد منها، ويقدر حجم الفائض بـ 56 مليار جنيه استرليني، فنمو الاتحاد الاوربي يتأثر سلباً في حال خروج بريطانيا من الاتحاد.
وستخسر موازنة الاتحاد الاوربي 9 مليار جنية استرليني سنوياً عند خروج بريطانيا من الاتحاد، اذ ان بريطانيا تدفع 19 مليار جنيه وتحصل على 10مليار جنيه عبر قنوات مثل دعم الزراعة، ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي يعني حرمان الاقتصاد الاوربي من الصدارة على مستوى العالم فضلا عن انخفاض ثقة المستثمرين فيه، كما يعني ايضاً زيادة القيود على انتقال الاشخاص والسلع والخدمات التي تنتقل الى بريطانيا، فعلى سبيل المثال ان ألمانيا لا تستفيد فقط من السوق الموحدة عندما تبيع السيارات إلى بريطانيا، بل تستفيد أيضاً عندما تصنع السيارات. إذ إن الصناعة الألمانية بشكل عام تعتمد على الحدود المفتوحة وحرية تنقل الأشخاص والسلع والخدمات.
كما يمكن ان يجعل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، الاقتصاد الاوربي معرضا للانهيار في المستقبل نتيجة لان بعض الدول الاخرى سترغب بالانسحاب من الاتحاد كما فعلت بريطانيا وخصوصاً اذا ما لاحظت هذه الدول الاخرى ان بريطانيا بعد انسحابها من الاتحاد قد تطورت وتقدمت بشكل افضل مما كانت عليه سابقاً ضمن الاتحاد، وهذا ما يدفع بالسوق الاوربية الموحدة الى حالة من الفوضى.
الآثار على بريطانيا:
يعد الاتحاد الأوربي الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا اذ تصدر اليه ما يقرب من (15%) من ناتجها المحلي الاجمالي، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي سيؤثر بشكل كبير على هذه الشراكة وسيؤدي بالتأكيد الى تخفيض معدلاتها بشكل كبير نتيجة لوضع الرسوم والتعرفة الجمركية عليها. وان تخفيض التجارة سيقود في الأجل الطويل الى تخفيض معدلات نمو الانتاجية وسترتفع تكاليف المصانع الى أكثر من الضعف تقريبا نتيجة القيود على حركة السلع والأشخاص وفقدان الحصة السوقية لبريطانيا في الاتحاد الأوربي.
الفائدة الوحيدة التي ستجنيها بريطانيا هي الاحتفاظ بالنسبة التي تسهم فيها بميزانية الاتحاد الأوربي.
فضلا عن ذلك ستفقد بريطانيا تصنيفها الائتماني الممتاز، وتتزايد احتمالات انسحاب العديد من الشركات العالمية من بريطانيا مفضلة التعاون مع الدول ال 27 المتبقية في الاتحاد الأوربي على التعاون مع دولة واحدة كما هو الحال في الشركات الألمانية اذ أن بريطانيا من أكبر شركاء المانيا التجاريين،
ويوجد لدى أكثر من 2500 شركة المانية فروع في بريطانيا يعمل فيها 370 الف شخص يمثلون 1 في المئة من اجمالي الأيدي العاملة في بريطانيا. كما تمتلك 3000 شركة بريطانية فروع في المانيا، ويسهم القطاع المالي بنسبة تتراوح بين 8 و12 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لبريطانيا، ويمكن ان يمارس الخروج من الاتحاد الاوروبي تأثيرا خطيرا لأن مصارف كثيرة تستخدم فروعها في لندن للتعامل مع بلدان الاتحاد الاوروبي كلها. وسيتعين على هذه المؤسسات في حال خروج بريطانيا ان تنقل نشاطها بأكمله أو جزء منه الى بلدان أخرى في الاتحاد. وحذرت مصارف كبرى مثل غولدمان ساكس وجي. بي. مرورغان من مثل هذا السيناريو، وقال دويتشة بنك أنه سينقل أعماله الى ألمانيا بدلا من بريطانيا في حال انفصالها عن الاتحاد الأوربي، في حين أوضحت "ايرباص"أنها ستعيد النظر في استثماراتها في بريطانيا، وصرحت بنوك عالمية أخرى انها ستنقل استثماراتها الى فرانكفورت وباريس ولوكسمبورغ، هذا فضلا عن مخاطر انفصال اسكتلندا عن بريطانيا اذ هددت زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي باقامة استفتاء على انفصال اسكتلندا عن بريطانيا في حال وافق البريطانيون على الانسحاب من الاتحاد الأوربي وهو ما حدث بالفعل، وتمثل اسكتلندا مركز ثقل اقتصادي مهم جدا لبريطانيا.
يرى بعض الاقتصاديين أن النمو الاقتصادي السنوي في المملكة المتحدة تحسن منذ الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، لتتحول البلاد من الأقل نموا بين دول مجموعة السبع الكبرى إلى المركز الأول في 43 عاما منذ 1973، ما يؤكد قدرة لندن على التجدد مع عضويتها في الاتحاد، ويرى "نيك كرافتس" الأستاذ في جامعة "واوريك" والمؤرخ الاقتصادي البريطاني أن الاتحاد الأوروبي تسبب في ارتفاع النمو في المملكة المتحدة بنحو 10%، بسبب زيادة المنافسة، والوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة.
وقد صرح وزير الاقتصاد البريطاني جورج أوسبورن أنه يعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضرب الاقتصاد البريطاني بأكثر من السيناريو الذي تتوقعه الحكومة.
وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" أن البنك المركزي يقدر انخفاض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة تتراوح بين 5 و6%.
وقدر وزير المالية أنه في مايو في حالة تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي سينخفض المستوى الاقتصادي 6%، وسيرتفع مستوى التضخم بشكل حاد، وأسعار المنازل ستنخفض بنسبة 18%.
كما توقع تقرير لوزارة المالية البريطانية أن ينكمش اقتصاد البلاد، بنسبة 6 % بحلول عام 2030 في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، ويرى التقرير أن الخسارة التي سيتكبدها دخل البلاد ستعادل خسارة كل أسرة في بريطانيا ما يعادل 6 آلاف دولار.
ويبلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في بريطانيا نحو 700 مليار دولار، وفي المجال التجاري فان 47% من صادرات بريطانيا موجهة للاتحاد الأوروبي الذي يضم نصف مليار مستهلك، بينما تستقبل لندن منه 53% من وارداتها، ويرتبط بهذه الأرقام من التجارة الخارجية، نحو 3 ملايين وظيفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وبعد تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد في يوم الخميس 23 يونيو 2016، وفي اليوم التالي مباشرة سجل سعر الجنيه الإسترليني تراجعا إلى 1,3229 للدولار الواحد - حوالى 12بالمئة مقابل الدولار و8 بالمئة مقابل اليورو - وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثين عاما وذلك حوالى الساعة 4,25 بتوقيت غرينتش.
ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سيؤثر على الاستثمار الأجنبي المباشر والهجرة والقواعد والنظم الاقتصادية في بريطانيا وهذه الآثار من الصعب توضيحها الآن ولكن من المرجح أنها ستؤدي الى مزيد ممن الانخفاض في الدخل في الأجل الطويل.
وتعتمد بريطانيا على الحصول على امتيازات من الاتحاد الأوربي فيما يخص التعاملات التجارية معها الا أنني اعتقد أنه ليس من السهولة منح هذه الامتيازات لأن معنى ذلك تشجيع دول أخرى على الخروج من الاتحاد وهذا ما لا يريده معظم أعضاء الاتحاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24




.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و