الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -3-

كمال عبود

2016 / 7 / 1
الادب والفن


الطبل
*****

يا الآتي أخيراً ...
أيُّها القادِمُ خيراً وبركه ...
يا السعدُ الذي انتظرناهُ طويلاً ...
يا فرح الأيام المقبلة ...
فرح العمر ...

اسمعوا يا الأحبة ... سيأتينا الغلام الذي حلمنا به ... سنوات عجاف طال انتظارها جفّت مآقينا ... عطشت الروح منا ... هِيَ ... هيَ ... عاداتُنا ...
أجملُ الدعوات حين يدعو لك أحدهم: الله يخلف عليك...

قال ابن نايفه: نذراً عليَّ ، أن أترك شعر رأس الغلام ينمو لمدة عامين ... ثم أقص شعرهُ وبوزن الشَّعْر ذهباً أنذر نذراً لوجه الله ، أشتري وأذبح خرافاً وثوراً وأطبخُ برغلاً وأُطعم الناس لحما ... على صوت الطبل والمزمار سأرقصْ ثلاث ليالٍ كامله ، وليفرح الجميع ...

والجمعُ سيكون عند مقام ولي الله - المسعود - على شاطئ البحر ، سأُسمي ابني بإسمه ( أولياءُ الله الخوف عليهم ولا هم يحزنون ) ... وسأُكنّى بأبي مسعود ...

كبر الصغير مسعود ، أصبح عمره سنتين ، وأصبح عمري ثمانية وقت الحفل الكبير ... من بعيدٍ أتى ... كان الصوتُ عميقاً وقوياً ... اقترب الصوتُ أكثر ... لاحَ الجمعُ على الطريق من بعيد ... جاء الطبل ... جاء الطبل ... هي ... هي ... قال ابن عمي وهو يحاول الرقص وكان يزيدني سنتين من العمر ثم ركض باتجاه الذاهبين إلى المقام...

بيارق خضر ومزمار وزغردة نساء ثُمَّ يدّق ويضجُّ الطبل ...
مع دقاتهِ يدقُّ القلب ...
كيف يخرج الصوت القوي من الطبل؟ ...
ما أجرأ وما أقوى حامله .....؟؟؟
لكنّ حامله رجلٌ عاديٌ مثل الرجال الآخرين؟
ماذا بداخله ...؟
وأسئلةٌ عفويّة وساذجة تراود الذهن.

برّ أبا مسعود بوعده ، قرب المزار، وعلى صوت الطبلُ والمزمار والفرح ، قصَوا شعر رأس الصغير ، وبمثل وزنه اشترى الوالد ما وعد ... ذبح وطبخ وأطعم الجمع وعادوا مساءً...

الليلةُ الاولى ... في ساحة القرية - تجمّعوا - كباراً وصغاراً ، رجال ونساء وفتيه ، بدأت الدبكة .. ازداد الحماس ... كثر المشاركون ... رقصت أم مسعود وأختها ... رقص أباً مسعود وإخوته ، على رأس الدبكة - دنكريا وابن المرقب والضرف- والحواس مشدودة إلى التناغم بين الطبل والمزمار وحركات الدبكة والأرجل والأيدي ... الجميع سعيد ... الجميع مبتهج ...

هذا الطبل عجيب!

المساء التالي ، مرَّ كما الأمس دبكات ورقص ومشجعين جلبوا كراس يجلسون عليها ومياهً وبعض الطعام وكثيراً من البذور الجافة ... لماذا يكثرون من أكل البذر ...؟

اليوم الأخير ... اليوم الثالث - مرّت الأمسية بنفس الحميّه ... أبو مسعود على رأس الدبكة - الراعي الأول - يتعب الرجل من خدمة الضيوف والرقص والسهر ... يعطي رأس الدبكة لجاره ... جاره يكمل دورة ويعطي غيره ... وأخيراً استلم ( وجيه) ... وقفت الدبكة ... طلب الرجل من ضارب الطبل نغمة طبل معيّنة ، لم تعجبه النغمه ... طلب إعادتها .. لم تعجبه ... أعادها طارب الطبل مرات ومرات ... يئس السيد وجيه ... وبحنقٍ وغيظٍ شديدين ًوبكل قوةْ خبط برجله القوية في منتصف الطبل فمزّقه وأوقع أرضاً ضاربهُ ...!

حدث هرج ومرج ... أبعدوا ضارب الطبل وأبعدوا - بلطافة - الوجيه الغاضب وهو يتوعد: إذا بتجيبوا هذا الحيوان لا تلوموا غير حالكم ... هلكنا ... ما بيعرف يُطَبِّل ... حمار ابن حمار ... يالله كل واحد على بيته ... يالله خلصنا ...
ثمّ انتهى الحفل.


كنت في المشهد مشغولاً بشيءٍ واحد: ماذا يوجد داخل الطبل؟
ولماذا هذا الرجل بالضبط وليس غيره تجرّأ وأوقف الحفل .... ؟؟؟
لماذا تذللوا له كي يُِهدئ من غضبه...؟ ..؟
ولم يمضِ وقت طويل حتى تيقنتُ أنَّ الطبلَ كان فارغاً ... وأنّ رجلاً ما يملك من القوة ما يستطيع به أن يّنهي الفرح ...؟؟؟
ثمّة صوتٌ أقوى من صوت الطبل إذن ... كي يوقفه ...؟

*****

هناك ( في المستقبل سنكتشف أن هناك من يُخرِّس الأصوات القويّه مهما علتْ )

*****

في ما بعد كنت أستمع لحديث عنان يقول لمحدثه:
لا والله مانجح بصف التاسع ... طبل فارغ!

*****

قال مرّة جاري أبو سليمان لجاري الآخر أبو علي:
طلع المختار لما مات ما معه ولا ليره ... طلع طبل فارغ!

*****

في العام 1967 سمعت الراديو مراراً وتكراراً تقول:
دقّت طبول الحرب...
وكنتُ أسألّ بسذاجة: هل هي فارغة...؟

*****

لازمنا الطبل في الحياة كثيراً...
في الانتخابات البرلمانية ، أعوان المرشحين يتسابقون على ضاربي الطبول...
إذا شفي الملك المعظم من المرض ، كل المملكة تضجّ بالطبول...
إذا فاز الرئيس فالطبول سيّدة الساحات والعتره على الذي لا يدبك بالدبكه
( لماذا يأتون بالطبول؟ )
في الأعراس...
في ألعاب الكرات...
لماذا نحب الطبول ...؟
لماذا نحب الأصوات العالية ...؟
لماذا يبهرنا الصوت العالي ولا ننبهر بالإنجاز البشري العالي؟

*****

كثير جداً ممن يدّعون الثقافة والفهم الصحيح ، يصحُ فيهم الوصف الجميل: طبل فارغ!

*****

داعش الآن وقبل ( النفير وقبل الجهاد ) تدق الطبول...
هو إرثٌ إذن ...؟

*****

أصوات الذين لا صوت لهم ... الأصوات الخافتة ... هل لها قيمة؟

*****

أُقسمُ لكم أنني بحثتُ كثيراً ... كثيراً جداً ... كي أرى مسؤولاً من رتبة مدير دائرة رسمية صغيرة حتى مدير عام وما فوق ذلك ... وإلى ما فوق فوق ذلك ... لم أر أحداً منهم إلا وكان:
طبل فارغ ...

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي