الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتحار السياسي على الطريقة المصرية

طارق المهدوي

2016 / 7 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الانتحار السياسي على الطريقة المصرية
طارق المهدوي
ارتبط ظهور الوطن المصري قبل عدة آلاف من السنين مع النشأة المتزامنة لأربع مؤسسات متباينة هي العسكرية والسيادية والبيروقراطية والدينية، وفي حين نجحت المؤسسة العسكرية المصرية مبكراً باستخدام قوتها العضلية في اعتلاء المؤسستين السيادية والبيروقراطية مما منحها نفوذاً واضحاً على الدولة والعلاقات الخارجية استغلته لتحقيق مصالحها الأنانية الضيقة فقط، فقد نجحت المؤسسة الدينية المصرية مبكراً باستخدام قوتها الذهنية في التغلغل الثقافي داخل مختلف الأوساط الشعبية مما منحها نفوذاً واضحاً على المجتمع والسوق استغلته لتحقيق مصالحها الأنانية الضيقة فقط، دون أن يصل نفوذ المؤسستين العسكرية والدينية على الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية بامتداد المراحل المتعاقبة للتاريخ المصري القديم والأوسط والحديث والمعاصر إلى مستوى السيطرة المطلقة لأيهما، حيث استمر وجود مساحات عديدة من الاختراقات المتبادلة بين صفوف المؤسستين العسكرية والدينية كما استمر وجود مساحات عديدة من المتخللات البينية داخل أروقة الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، وبينما كانت مساحات الاختراقات المتبادلة بين المؤسستين النافذتين تضيق وتتسع حسب كم وكيف الأخطار الخارجية المحيطة بالوطن كله، فإن مساحات المتخللات البينية داخل الأروقة كانت تضيق وتتسع حسب نوعيات ودرجات التناقضات القائمة بين المؤسستين النافذتين، فقد شهد التاريخ بأن هذه المتخللات التي ضاقت خلال مراحل غياب التناقضات بين المؤسستين النافذتين سواء باستيعاب إحداهما الكامل للأخرى أو بقضاء إحداهما الكاسح على الأخرى، هي نفسها المتخللات التي اتسعت خلال مراحل استمرار وتصاعد الصراعات والخلافات والمنافسات الحادة بين المؤسستين النافذتين، كما شهد التاريخ بأن هذه المتخللات قد تم شغلها والاحتماء فيها كلما اتسعت من قبل المقهورين المصريين كأعضاء الأقليات الدينية والفكرية والعرقية والقوى السياسية المدنية مع بعض أعضاء المؤسستين السيادية والبيروقراطية، والذين ارتبط وجودهم السياسي المستقل بهذه المتخللات فأصبحوا أصحاب مصلحة في بقائها واتساعها عبر سعيهم لاستمرار وتصعيد التناقضات بين المؤسستين النافذتين، وهي مصلحة مشروعة سياسياً وأخلاقياً في ظل فاشية المؤسستين النافذتين وسعيهما المسعور لتحقيق مصالحهما الأنانية الضيقة فقط على حساب الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، وشهد التاريخ أيضاً بأن هاتين المؤسستين النافذتين قد اضطرتا على مضض إلى تجديد تعاقداتهما الانتهازية معاً سواء بشكل صريح أو ضمني عدة مرات في مواجهة أعدائهما المشتركين، مثل ذلك التعاقد الذي بدأ عنده التاريخ المصري الحديث عام 1805 والمبرم بين رجل المؤسسة الدينية الأقوى آنذاك عمر مكرم نقيب الأشراف ورجل المؤسسة العسكرية الأقوى آنذاك محمد علي لمواجهة اتساع نفوذ أعدائهما المشتركين المتمثلين آنذاك في الصليبيين واليهود والشيعة، ثم ذلك التعاقد الذي بدأ عنده التاريخ المصري المعاصر عام 1952 بين رجل المؤسسة الدينية الأقوى آنذاك حسن الهضيبي مرشد عام الإخوان المسلمين ورجل المؤسسة العسكرية الأقوى آنذاك جمال عبدالناصر لمواجهة اتساع نفوذ أعدائهما المشتركين المتمثلين آنذاك في الشيوعيين والليبراليين والقوميين، لكل ما فات فإن التاريخ سوف يرتبك كثيراً في فهم وشرح ملابسات الدور الذي أداه المقهورون المصريون بغباء منقطع النظير لدعم الانقلاب العسكري على رئاسة الجمهورية الدينية يوم الثالث من يوليو عام 2013، حيث أزالوا بأنفسهم التناقضات القائمة بين المؤسستين النافذتين عبر دعمهم للمؤسسة العسكرية سواء في قضائها الكاسح على الإخوان المسلمين أو في استيعابها الكامل للسلفيين والأزهريين والصوفيين والكنيسة القبطية، ليسدوا بذلك على أنفسهم جميع مساحات المتخللات البينية داخل أروقة الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية رغم ارتباط وجودهم السياسي المستقل بهذه المتخللات كارتباط الأصابع بالكف، فأصبحوا كمن ثقبوا بأنفسهم القارب الذي يحملهم داخل أعماق بحر الظلمات السياسية ثم لم يعد أمامهم سوى انتظار الموت غرقاً كمنتحرين وليسوا كشهداء!!.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر